الحكومة الإسرائيلية الجديدة.. الصراع على إرث نتنياهو

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

تقرر أخيرا أن يجتمع الكنيست الإسرائيلي للتصويت على الحكومة الجديدة، وذلك يوم الأحد القادم في الرابعة عصرًا، وفق ما أعلنه رئيس الكنيست ياريف ليفين، وكارين الحرار رئيسة اللجنة المنظمة، وعضو الكنيست عن حزب ييش عاتيد، وفي الجلسة نفسها سيتم التصويت لانتخاب رئيس الكنيست الرابع والعشرين.

3189249 46

في حالة حصول حكومة بينيط- لابيد على ثقة الكنيست بأغلبية 60 صوتا + 1 سيكون يوم الأحد بمثابة عصر جديد للسياسة الإسرائيلية، حيث سيترك بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة بعد أن وصل إليها للمرة الأولى عام 1996 واستمر إلى 1999، ثم من 2009، واستمر منذ ذلك الحين، ليسجل رقما قياسيا، حيث تربع على كرسي رئاسة حكومات إسرائيل لأطول فترة في تاريخها القصير.

بيبي

قبل التأكيد على نهاية عصر الملك بيبي يُشار إلى أن الملكة الرئيسة التي تمتع بها هي “الاستقطاب” الشديد، داخليا وخارجيا، ونظرا لطول فترة حكمه فقد مرت إسرائيل بمنعطفات سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة، كان البارز فيها ما سببته سياسة نتنياهو من شق عميق في الجسد المتصدع للمجتمع الإسرائيلي.

قبل أربعين دقيقة من انتهاء مهلة الـ 28 يوما يوما الممنوحة له، نشر نفتالي بينط، زعيم تكتل يامينا مقطع فيديو يظهر فيه مع “شريكه” الجديد يائير لابيد وهما يتحدثان هاتفيا بسعادة مع الرئيس الإسرائيلي المنتهية ولايته رؤوفين ريبلين، ليعلن الثنائي عن تدشين حكومة جديدة يتناوبا على رئاستها.

لابيد وبينط

بسبعة مقاعد فقط من بين 120 سيحلف نفتالي بينط اليمين يوم الأحد ليكون رئيس الوزراء الجديد، مشهد ربما يكون نادرا، ألا يحقق حزب سياسي أغلبية في الانتخابات، ولا يحصل على أكبر عدد من مقاعد الكنيست، أو حتى المركز الثاني، لكنه استطاع أن يكون رمانة الميزان، مستغلا حالة التشظي السياسي المسيطرة على الأحزاب السياسية في عصور نتنياهو.

خصوم اليوم حلفاء الأمس القريب

في مشهد متكرر للسياسة الإسرائيلية يجتمع خصوم الأمس ليصبحوا حلفاء اليوم، وغدا له شأن آخر، هكذا دواليك، فحكومة ما يسمى بـ”التغيير” التي سيصوت الكنيست عليها يوم الأحد بمساعدة حزب عربي ممثل لقطاع من فلسطيني الداخل، وبمشاركته فيها للمرة الأولى هي حكومة من حلفاء نتنياهو السابقين، وعلى رأسهم:

نفتالي بينط: رجل الأعمال والسياسي اليميني الشاب، صديق نتنياهو وحليفه السابق، وزير الاقتصاد والخدمة الدينية والقدس والشتات والتعليم والدفاع في حكوماته، الذي كان مديرا للحملة الانتخابية لبيبي، قبل أن يتخذ طريقه الخاص ويؤسس حزب “هابيت هايهودي” (البيت اليهودي)، ثم تركه وأسس حزب “هايمين هاحاداش” (اليمين الجديد) الذي تزعم به تكتل “يامينا” (إلى اليمين) الصهيوني اليميني المتشدد.

أييلت شاقيد: مديرة مكتب نتنياهو في السابق، التي أقنعها بينط بالانضمام إليه في مسيرته المنفردة، لتكون معه ثنائي سياسي في حزبيه، والآن تدفع لإسقاط نتنياهو، بعدما كانت وزيرة القضاء في حكومته، والتي ساعدته في تقويض السلطة القضائية في إسرائيل.

imgid28787 A

يائير لابيد: المذيع والصحفي السابق الذي فاجأ الجميع بحصول حزبه الجديد “ييش عاتيد” (يوجد مستقبل) على 19 مقعدا في انتخابات 2013، ليحمل حقيبة المالية في حكومة نتنياهو، لكنه أقيل منها، وأصبح خصما لنتنياهو منذ ذلك الحين، حتى أن خطاباته في الكنيست كانت عبارة عن هجوم شديد ومباشر على نتنياهو.

1 1441787

أفيجادور ليبرمان: السياسي ذو الأصول الروسية، صديق الأمس، الذي تحول إلى الخصم اللدود لنتنياهو، كان عضوا في حزب هاليكود، وشغل منصب مديرا عاما في حكومته، ثم أسس حزبه اليميني “يسرائيل بيتينو” (إسرائيل بيتنا) وظل حليفا لبيبي وحمل حقيبة وزارة الدفاع، قبل أن يستقيل ويُسقط الحكومة ويبدأ مسيرة العداء مع نتنياهو.

3153762 462

جدعون ساعر: عضو هاليكود سابقا، والسكرتير العام لحكومة نتنياهو، الذي أصبح صوت المعارضة داخل الحزب، وعندما فشل في الصعود لرئاسته انشق وأسس قبيل الانتخابات الأخيرة حزبه الجديد “تكفا حداشا” (أمل جديد).

3153676 461

زئيف ألكين: عضو هاليكود الذي كان رئيسا للائتلاف الحكومي، وأدار المفاوضات الائتلافية لصالح بيبي، لكنه انشق وانضم إلى جدعون ساعر في حزبه.

هؤلاء جميعا كانوا أقطاب التحالف مع بيبي، هؤلاء جميعا من معسكر اليمين الداعم لسياسات نتنياهو وظهيره الديني من أحزاب المتشددين والحريديم، والآن يصطفون معا، ليكونوا تحالف “أنتي بيبي”، تحالف “التغيير” الذي يجمع أطيافا متنافرة سياسيا، لكنها مجتمعة على هدف إنهاء عصر بيبي.

يُضاف إلى هؤلاء بيني جانتس، رئيس الأركان الأبق، ورئيس حزب “كاحول لافان” (أزرق أبيض)، الذي ظهر ليكون منافسا لنتنياهو العام الماضي، بيد أنه انضم على حكومته، وسرعان ما عاود الخصومة، ورجع إلى حليفه لابيد.

3126200 46

يستطيع هؤلاء قراءة أفكار نتنياهو وإدراك أبعاد تكتيكاته السياسية، وحيله للبقاء في صدارة المشهد، على مدى سنوات استفاد هؤلاء جميعا بوجودهم في مناصب حكومية ووزارية في دائرة واحدة مع نتنياهو، وبحكم رغباتهم في الحلول محله اضطر كل منهم لابتلاع كراهيتهم السياسية، في سبيل تدشين حكومة جديدة، لا تؤدي بهم إلى انتخابات خامسة في عامين، كانت لتُبقي نتنياهو لمدى زمني آخر.

3155836 46

استغل هؤلاء الحالة التي وصلت إليها السياسة الإسرائيلية تحت قيادة نتنياهو، استغلوا الظروف الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا، والسياسات الرأسمالية التي ضغطت على المواطن الإسرائيلي، استغلوا حالة التنافر الأيديولوجي الكبير بين أحزاب اليمين العلماني فيما بينها، أو الخصومة الشديدة بينها وبين أحزاب اليمين الديني، وعلى الجانب كانت تنتظر أحزاب اليسار وفلسطيني الداخل دورها، إما أن تندثر وتختفي، أو تختبئ في عباءة أحزاب ناشئة ضعيفة، أو تستغل فرصة لا تتكرر كثيرا، مثل هذا الفرصة التي سمحت لحزب “هاعفودا” (العمل) بالبقاء رغم النزع الأخير، واستمرار الحزب اليساري “ميرتس” (زخم) على هامش الصورة، ومعهما استغل منصور عباس، زعيم القائمة العربية الموحدة، انشقاقه عن القائمة العربية المشتركة، ليكون حزبه أول حزب ممثل عن فلسطيني الداخل يشارك في حكومة إسرائيلية، والمثير أنه حزب ينتمي فكريا للإخوان المسلمين، ويضع رئيسه يده في يد بينط اليميني الصهيوني.

46661

المصلحة الذاتية هي من جمعت هؤلاء، وليست مصلحة إسرائيل كما يدعون، إنها  إنها فرصة نادرا ما تحين، أن يسمح معطيات الأحوال بأن يتفاوض هؤلاء المتنافرون على التلاقي، ويتصافحون، ويشبكون أيديهم في مواجهة الكاميرات، بينما نتنياهو في النزع السياسي الأخير لحكمه.

الحقيقة أن لا أحد من هؤلاء استطاع وحده إسقاط نتنياهو، ولا مجتمعين، ولكن الفوضى السياسية التي خلفتها خطوات بيبي نفسه هي التي جاءت بنهايته، أو بمعنى أدق: مهدت للإطاحة به.

فساد سياسي، استغلال للمنصب، حكم ديكتاتوري على مستوى حزبه، إفشاء الخلافات الأيديولوجية بين الأحزاب، انتزاع الصلاحيات من الجميع، والاستناد إلى مجموعة من الحاخامات المتشددين دينيا، الذين شاركوه حكمه من أجل تحقيق مصالح استيطانية، وامتيازات للحريديم على حساب العلمانيين في إسرائيل، هذه بعض الأسباب التي جعلت من الممكن إسقاط نتنياهو، وإخراجه مع زوجته سارة، وابنه المغرر الطائش من مقر رئيس الحكومة الإسرائيلية.

لا يعني أي من هذه المعطيات السابقة أن مستقبلا طويلا قد انفتح أمام “معسكر التغيير”، فالواقع أن هذا منوط بنتنياهو نفسه، الذي يحارب حتى اللحظة لمنع هؤلاء من اقتناص منصبه والجلوس على عرشه، بتهم يصدرها لهم أمام المجتمع، على رأسها أنه معسكر من اليسار الذي تحالف مع فلسطيني الداخل لصالح إسقاطه.

لكن يبدو أن حزب “هاليكود” نفسه بدأ يجهز لإبعاد نتنياهو، بإقناعه بالتواري عن المشهد، ليترك رئاسة الحزب صاغرا، أو بإجباره على هذا، ومن ثم يمكن للرئيس الجديد أن يتحين الفرصة ليدشن تحالفا جديدا مع عناصر اليمين في حكومة بينط- لابيد، من أجل تكوين حكومة جديدة، يمينية خالصة، وهذا ما يُتوقع أن يحدث، عاجلا أو آجلا، فحكومة تجمع هذا القدر من المتنافرين لن تستمر طويلا، مع رشقة صواريخ من غزة، أو صدام مع فلسطيني الداخل، أو خلاف على ميزانية الدولة، أو النكوص باتفاق التناوب، أو الصراع على الكعكة السياسية، فالجميع نهمون للسلطة، وإن كان عهد بيبي قد قارب على الانتهاء، فحزبه وحلفائه من اليمين المتشدد سيجلسون على مقاعدهم في الكنيست من أجل إلغاء فكرة “التغيير”.

ربما يعجبك أيضا