«العمل الهجين».. اتجاه «عصري» بأفق الاقتصاد العالمي

كتب – حسام عيد

حكومات عدة تقترب من السيطرة على فيروس كورونا، وتخفيف قيود الإغلاقات والتدابير الوقائية، وتبرز على السطح مسألة العمل والعودة إلى المقرات بشكل كامل.

منتدى الاقتصاد العالمي، نشر على صفحته دراسة جديدة تدعم فكرة تقسيم العمل ما بين المنزل والمكتب وبيئة عمل خارجية، وهو نظام أطلق عليه “العمل الهجين”، وبات مألوفًا لدى العديد من الشركات في الولايات المتحدة.

وكشف استطلاع أجري في الولايات المتحدة أن 49% من المهنيين يؤيدون العمل الهجين، بينما قال 34% من عينة المسح أنهم سيتوقفون عن العمل إذا لزم الأمر بدوام كامل.

وأضافت دراسة منتدى الاقتصاد أن التجاري المبدئية للعمل الهجين لم تشهد انخفاضًا في إنتاجية الموظف. ومن فوائد هذا النظام؛ عدم تقييد الموظف بحضوره للمكتب، أو تقييده بساعات عمل محددة، وإن كان يتحتم عليه الإنتاجية وإنجاز المهام من أي موقع يتواجد فيه وفي أي توقيت، وهي ميزات قد تثير في حد ذاتها تساؤلات عن قدرة الشركات في تجسيد منظومة العمل الهجين بشكل متكافئ بين الموظفين.

متغير مستقبلي جديد

بعد ما يقارب من الـ14 شهرًا من حصار فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” لموظفي المكاتب حول العالم في منازلهم، تشرع الشركات في تجربة رائعة أخرى لإعادة فرقهم معاً وشخصياً، لبعض الوقت على الأقل.

هذه المهمة قد توحد لفترة وجيزة عمالقة التمويل العالمي، وقادة الشركات الناشئة الذكية، الذين يتعيَّن عليهم جميعاً التخطيط لموظفين يأتون ليومين أو ثلاثة أيام كل أسبوع، على الأقل في الوقت الحالي.

تأتي هذه المهمة مدفوعة في بعض الأماكن بالمخاوف من كوفيد، وفي أماكن أخرى بالرغبة في تبني التغيير في مكان العمل، فيما يعدُّ خطوة تشير إلى أنَّ العمل الهجين قد يكون الأساس الجديد -على الأقل- في المدى القصير.

مع البدء في تخفيف تفويضات العمل من المنزل قريبًا في العديد من الأماكن، يشعر الخبراء بالقلق من أنَّ المزيج المستقبلي للعمل من المنزل والمكتب سيتطلَّب إدارة معقدة، ولن يوفِّر المرونة التي اعتاد عليها الموظفون أثناء الوباء. من المتوقَّع أن تخفف المملكة المتحدة القيود في 21 يونيو، كما يريد عمدة نيويورك “إعادة فتح المدينة بالكامل” بحلول الأول من يوليو.

وقالت كلير مكارتني، كبيرة مستشاري الموارد والشمول في “سي آي بي دي” (CIPD)، الهيئة المهنية في المملكة المتحدة للموارد البشرية وتنمية الأفراد: “يتعلَّق العمل من المنزل عن بُعد بالمرونة في الموقع، وليس بالضرورة المرونة في ساعات العمل”.

وتُستخدم الترتيبات المرنة -التي تتنوع ما بين تقاسم الوظائف إلى أوقات البدء، والانتهاء المتدرجة أو ساعات العمل المضغوطة- بشكل متكرر من قبل مجموعة من الموظفين، خاصة الأهالي، بالإضافة إلى مقدِّمي الرعاية، وكذلك النساء العاملات على وجه الخصوص.

نمط مستقبلي مرن تجاه الأزمات

“في يوم من الأيام، ستكون المكاتب شيئًا من الماضي”.. هكذا قال رجل الأعمال والملياردير الأمريكي ريتشارد برانسون.

وفي الوقت الراهن وسط سلالات كورونا المتحورة والمستمرة بيننا، أصبحت الحاجة ملحة ومن هنا، كانت الحاجة لإيجاد نظام عمل جديد يساعد الدولة في ظل الأوضاع الحالية على استمرار العمل دون توقف، ويعتبر نظام “العمل الهجين” الخيار الأكثر مرونة للشركات والمنظمات، ويجعلها أكثر جاهزية للتعامل مع سوق العمل المتغير، والثورة الصناعية الجديدة، وجائحة كورونا المستجد.

فالتوسع في نظام “العمل الهجين” خطوة ستسهم في تطوير العمل، فضلًا عن أنها ستسهم في تخطي الأزمات والعقبات في المستقبل، خاصة في ظل توجه الدولة إلى رقمنة كافة خدماتها.

ويرتكز “العمل الهجين” على دمج نظامي العمل المكتبي و”العمل عن بعد”،  مع تلافى عيوب كل منهما، فمن مميزات “العمل الهجين” تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية، الأمر الذي ينعكس على أداء وسلوكيات العاملين، فقد توصلت إحدى الدراسات إلى أن التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، يجعل العاملين أكثر شعورًا بالسعادة في العمل، فالموظفون الذين يعيشون توازنًا بين مسئوليات وظائفهم، ومسئوليات حياتهم الشخصية، والعائلية، والاجتماعية، يتحقق لديهم الرضا الوظيفي، ويعتبر نظام “العمل الهجين” أساس لتحقيق المرونة في العمل، وتمكين العاملين.

كما أن نظام “العمل الهجين” يساعد على توفير نفقات البنية التحتية، حيث تخفيض تكاليف المكاتب، والمعدات، والتجهيزات، وكذلك النفقات الجارية، مثل فواتير الكهرباء ورسوم ساحات انتظار السيارات، وتقليل معدلات الغياب وسرعة إنجاز العمل.

فنظام “العمل الهجين” لا يقلل من جودة العمل بل يلعب دورًا فعّالًا في نشر الثقافة الإلكترونية والعلمية بين العاملين، ويتيح لهم الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، والخبرة المكتبية.

تأهب اقتصادات عالمية وعربية الكبرى

مع استمرار تسارع وتيرة التطعيمات في الولايات المتحدة والإمارات، بدأ أصحاب العمل في إعادة فتح مكاتبهم واستئناف العمليات العادية. ومع ذلك، يدرك الكثيرون أنه عندما يتعلق الأمر بكيفية وأين ومتى يعمل موظفوهم، فقد يكون “الوضع الطبيعي” شيئًا من الماضي. على مدار العام الماضي، أثبت الموظفون أنهم يمكن أن يكونوا على نفس القدر من الفعالية أثناء العمل عن بُعد، ويريد معظمهم الاستمرار في الاستمتاع بهذه الميزة حتى بعد انحسار الوباء.

وقد جدت دراسة أجراها “روبرت هاف” أن ثلث المهنيين في الولايات المتحدة (34%) الذين يعملون حاليًا من المنزل سيتوقفون إذا لزم الأمر للعمل بدوام كامل. بينما قال ما يقرب من نصف المستجيبين (49%) إنهم يفضلون ترتيب عمل هجين، حيث يمكنهم تقسيم وقتهم بين المكتب وموقع آخر.

وكانت شركة مايكروسوفت قد دراسة حول «إعادة صوغ طرق العمل» لعام 2020، التي كشفت أن جميع قادة الأعمال بما يعادل نسبتهم تقريباً (97%) في الإمارات يؤمنون بأن مؤسساتهم ستتبنى طرقًا مختلطة في العمل في المستقبل القريب.

وقد وجد الباحثون منذ بداية حقبة فترة العمل من المنزل في وقت سابق من هذا العام أن المُديرين والموظفين في دولة الإمارات العربية المتحدة توقعوا قضاء أقل من نصف الوقت بما يعادل (42%) من أسبوع العمل خارج إطار المكتب التقليدي.

علاوة على ذلك، أوضحت الدراسة أن التغيير الذي حدث على صعيد نُظم العمل سيكون بشكل دائم، وخاصة مع وجود نسبة عالية من الشركات بلغت نسبة (83%)، تمتلك بشكل ما الآن سياسة محددة أو خطة معينة لتبني نهج العمل عن بُعد. وبهذا الصدد كشف البحث أن (82%) أبلغوا أن مستويات إنتاجيتهم في فترة العمل عن بُعد كانت تتساوى مع النظام المكتبي القديم، بل أحياناً كانت الإنتاجية تفوق معدلات إنتاجية النهج السابق.

وختامًا، من المتوقع أن يصبح نظام “العمل الهجين”، اتجاهًا ونمطًا سائدًا لدى العديد من الشركات بعد جائحة فيروس كورونا.

ربما يعجبك أيضا