الفائدة المخفضة.. “فخ جديد” يربك اقتصاد تركيا

حسام عيد – محلل اقتصادي

في خطوة ظاهرها يهدف إلى تحفيز الاقتصاد التركي، أعلن رجب طيب أردوغان عزمه خفض أسعار الفائدة بشكل أكبر عقب التخفيضات التي أعلنها البنك المركزي في الآونة الأخيرة.

لكن ما تحمله على المدى القريب من تداعيات، ستزيد أعباء الاقتصاد، وستتكرس أزمات تركيا المالية، ومن ثم أوضاعًا أكثر سوءًا للمواطنين.

تخفيض أكبر للفائدة

وخفض البنك المركزي التركي أسعار فائدته الرئيسية 425 نقطة أساس بشكل أكبر من المتوقع إلى 19.75 % في شهر يوليو الماضي لتحفيز الاقتصاد الذي يعاني من الركود في أول خطوة للابتعاد عن حالة الطوارئ التي أقرها خلال أزمة العملة العام الماضي.

وقال أردوغان إن “البنك المركزي خفض أسعار الفائدة وسيتم خفضها بشكل أكبر”.

ومع ارتفاع معدل التضخم إلى 16.65% في يوليو، سيمُهد الطريق أمام مزيد من الخفض في أسعار الفائدة.

وارتفع معدل التضخم في تركيا، وهو مصدر قلق رئيسي للأتراك والمستثمرين على السواء، ما يزيد عن 25% في أكتوبر لأعلى مستوى منذ 15 عاماً.

تبعية البنك المركزي

البنك المركزي كان يرى في الفائدة المرتفعة ضرورة كمصدر للدخل لمواجهة التضخم المرتفع وانخفاض سعر صرف الليرة خاصة وأن سعر الفائدة ظل مرتبطا باستثمارات العملة المحلية فقط.

وهذا ما دفع الرئيس التركي إلى عزل محافظ البنك المركزي مراد شيتين كايا وتعيين نائبه مراد أويصال خلفا له.

ويرتبط نجاح سياسة أردوغان بمستوى تعاون رئيس المركزي الجديد والقوى الأخرى داخل البنك وكذلك تجمعات رجال الأعمال، إذ تملك الدولة حصة 58% من المركزي مقابل 42% لكيانات اقتصادية ومجتمعية مختلفة مما يجعل البنك مؤسسة شبه خاصة لا تملك الدولة السيطرة الكاملة عليها.

وقال مراد أويصال محافظ البنك المركزي التركي الجديد في نهاية يوليو إن البنك لديه فرصة “كبيرة” للمناورة بشأن أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة.

بنوك خالية في الأفق

الخطوة التي تهدف إلى تشجيع الأفراد على الاقتراض ستفرغ خزائن البنوك، فلا توجد أموال كافية في القطاع المصرفي التركي للإقدام عليها.

في مثل هذه الأيام من العام الماضي كان لدى البنوك التركية ودائع بقيمة 807 مليار ليرة تركية و154.1 مليار دولار من الودائع بالعملات الأجنبية.

وخلال عام مضى بلغ متوسط سعر الفائدة الصافي (المعفاة من الضرائب) للودائع بالليرة التركية 19.32 في المائة و2.1 في المائة للودائع بالعملات الأجنبية في جميع البنوك التركية.

وقال تيومان إن انخفاض المدخرات بدلا من زيادتها يخلق نقصا في الموارد، ويقلل من قدرة البنوك على منح القروض.

انهيار الليرة على المدى البعيد

وكالة “بلومبيرج” توقعت أن تركيا ستعيش حالة من الفوضى الاقتصادية نتيجة تدخل أردوغان مباشرة في استراتيجية البنك المركزي.

وأشارت إلى أن الإطاحة بمحافظ البنك المركزي السابق، مراد تشتين قايا، قد حسم تقريبا عملية التيسير النقدي الأعمق في الفصول المقبلة، فعلى الرغم من إمكانية مراد أويصال، أن يدفع بسعر الفائدة الرئيسي إلى 19% بنهاية هذا العام، أي أقل بثلاثة في المئة، عن متوسط التوقعات قبل شهر مضى، إلا أنه قد يبدأ في الإبطاء ابتداء من عام 2021.

خفض أسعار الفائدة ربما يستمر إلى أن تنخفض أسعار الفائدة إلى 17% أو أقل قليلا، قبل أن يتسبب سعر الصرف والعواقب المالية في فوضى عارمة.

ما يعني أن الليرة التركية ستهبط في السنوات القادمة، من جراء قرار تخفيض سعر الفائدة الرئيسي، كما سيتراجع تصنيف تركيا الائتماني في تصنيفها للديون السيادية وهو ما سيزيد متاعب الاقتصاد التركي.

وشهدت الليرة تقلبات في وقت سابق هذا العام، بعدما هبطت نحو 30% أمام الدولار في 2018. واستقرت العملة في الأسابيع الأخيرة، رغم ما تواجهه تركيا من تهديد بفرض عقوبات أمريكية.

هجرة الاستثمارات الأجنبية

رغم أن قرار خفض أسعار الفائدة يهدف على المدى البعيد إلى إنعاش الاقتصاد الكلي وإصلاح سعر العملة واستقرارها، وخفض معدل التضخم إلى أدنى مستوياته، وتنمية القطاعات الإنتاجية وزيادة الصادرات وتوفير فرص العمل، إلا أن نظرة سلبية ستبنى تجاه الاقتصاد التركي في الوقت الراهن من قبل الدول العظمى المتحكمة بأدوات التحكم الاقتصادي العالمي خاصة الولايات المتحدة.

ومن المتوقع أن يعاني الاقتصاد من مخاطر تتعلق بانخفاض تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، وإثارة الشكوك حول استقلالية المركزي وتماسك السياسة الاقتصادية ومصداقيتها واحتمالات إصلاحات هيكلية وإدارة الأوضاع المالية للقطاع العام.
 

ربما يعجبك أيضا