«المحامية».. وثائقي يحكي عن إسرائيلية كرست حياتها للدفاع عن الفلسطينيين

«المحامية».. وثائقي يكشف «العدالة الخاسرة» في إسرائيل

بسام عباس
الفيلم الوثائقي - المحامية

محامية الدفاع الإسرائيلية ليا تسيمل.. مُثيرة للجدل ومعروفة بأنها “محامية الشيطان”، بسبب دفاعها المستمر منذ عقود عن الفلسطينيين المتهمين بمقاومة الاحتلال، تؤمن بحق الفلسطينيين بالمقاومة بجميع أشكالها.

وصدر حولها فيلم وثائقي بعنوان (Advocate)، ليفضح مساوئ النظام القضائي الإسرائيلي الذي يزعم أنه يخدم العدالة، ولكنه في الواقع يخدم السلطات القائمة، ولذلك منع الفيلم من العرض.

محامية خاسرة

إجابةٌ قالتها المحامية الإسرائيلية، ليا تسيمل، حين سألها أحد الصحفيين خارج قاعة المحكمة عن اسمها، وقد خسرت قضيّتين، دافعت فيهما عن إسراء جعابيص وأحمد مناصرة “محامية خاسرة”، وهذا الدفاع عن القضيّتين هو الخط السردي الأوّل والرّاهن للوثائقي “ليا تسيمل… محامية”، الذي أخرجته الأمريكية الإسرائيلية راتشيل لياه جونز وفيليب بيلايتش.

“محامية خاسرة” هي المحامية المدافعة عن الأسرى الفلسطينيين منذ سبعينيات القرن الماضي، حتى اليوم، تعرّف نفسها بذلك لوعيها التلقائي، بعد تجربتها المريرة، بطبيعة “العدالة” في إسرائيل، لأنها تدافع عن الفلسطينيين المتهمين بالإرهاب، والذي أوضحت في إجابتها عن سؤال المحاوِرة لمَ تدافع عن “إرهابيين”: “أنتم تسمونهم هكذا، لكن أي إنسان عادي في هذا العالم سيسميهم مناضلون من أجل الحرية”.

المحامية الإسرائيلية - ليا تسيمل

المحامية الإسرائيلية – ليا تسيمل

دفاع أخلاقي

يكشف الفيلم الوثائقي عن أنها تدافع عن الفدائيين والثوّار والأطفال، الذين تحاكمهم إسرائيل ضمن قوانينها وفي قاعاتها، وهي تعرف أنها ستكون خاسرة، ومع ذلك تصرّ على استلام تلك القضايا الخاسرة مجددًا، مؤكدةً أنها تؤمن بعدالة أصحاب هذه القضايا، بعدالةٍ بعيدة عن قاعات المحاكم وخارج أنظمة الدولة الإسرائيلية.

ولذلك، قضايا تسيمل داخل قاعات المحكمة، خاسرة مسبقًا، والقضايا الفردية الخاسرة التي تدافع عنها تسيمل، تحمل عموم القضيّة الفلسطينية التي لا يمكن لمحام يؤمن بعدالتها وبأن العدالة ستنتصر يومًا، إلا أن يستمر بالمرافعة دفاعًا عنها، والدفاع هنا أخلاقي وسياسي وليس قانونيًّا، دفاعٌ رمزي ينتهي شكلًا داخل قاعات المحكمة، ويبدأ مضمونًا خارجها.

قالت تسيمل لأهالي أحد الفلسطينيين المتّهمين إنّها لا تكسب القضايا، إنها لن تستطيع أن تُخرج فلسطينيًّا من السجن الإسرائيلي، وتهمته هي “الإرهاب”، وإن ما تعمل عليه هو تخفيف الأحكام فقط، وما استطاعته في القضيتين اللتين عرضهما هذا الفيلم الوثائقي، هو سنة أو سنتان أُسقطتا من الحكم بـ12 عامًا.

وتخفيف الأحكام هذه لا يعني لنا الكثير، ولكن لمحامية مثل تسيمل، تحمل مثل هذه التجارب، هي استمرارية لمرافعة واحدة بدأتها من السبعينيات، تقاتل أنظمة الدولة، بكل المُتاح لديها، وكما تقول هي بإصرار وعناد صلّبته عدالة موضوعها.

مضمون قوي

يحمل هذا الفيلم الوثائقي، الذي يدور عن المحامية وسيرتها، مضمونًا قويًّا لشكله وطريقة السرد فيه، حيث يتناول دفاع تسيمل المستميت عن عشرات الآلاف من الفلسطينيين، والكثير منهم معروف، ولم تتّسع مدته التي شارفت الساعتين على تناول الجميع لكبر التجربة التي خاضتها تسيمل.

نقل الفيلم الوثائقي حكاية تسيمل من خلال خطين سرديين بزمنين منفصلين، الأول وهو الرئيس والراهن، إذ تدافع عن جعابيص ومناصرة، فيما نقل في خطّه السردي الثاني الثانوي، البدايات المتناقضة في حياة تسيمل، وما لحقها من عملها في المحاماة دفاعًا عن فلسطينيين ويهود طالبوا بحقوق مساوية للجميع داخل دولة إسرائيل.

ويتنقل الفيلم بين خطّي السرد الزمنيين مكمّلاً أحدهما الآخر، محيطًا بالبدايات الانعطافية في حياة تسيمل إلى مسيرتها النّضالية كمحامية خاسرة لفلسطينيين أصحاب قضية لطالما كانت خاسرة في عالم تخسر فيه القضايا العادلة، إلى اليوم حيث تواصل بأسلوبها وبمجالها وبالممكن مرافعاتها العبثية.

من هي ليا تسيمل؟

هي محامية ولدت عام 1945 في حيفا، درست القانون في الجامعة العبرية، التي تقع على جبل المشارف في القدس المحتلة، ويُظهر الفيلم بداياتها ونشاطها وتطوعها مع جيش الاحتلال للدفاع عما يسمى “جبل الهيكل”، حيث تقع قبة الصخرة والمسجد الأقصى، وتعمل جمعيات وحركات صهيونية بشكل حثيث لإقامة هيكل سليمان المزعوم.

وبعد حرب 1967 تطوعت ليا للدفاع عن الجبل، وصلت إلى هناك سيرًا على الأقدام مارة عبر زقاقات حي المغاربة، كانت فخورة بعملها، إلى أنها عادت إلى المكان بعد فترة من الزمن لتجد أن إسرائيل هدمت حي المغاربة، وتساءلت عن مصير السكان وعن أسباب هدم الحي، وتلقت إجابات لم تكن مقنعة لشابة ذكية متمردة ومختلفة عن بنات جيلها بعض الشيء.

وعادت إلى الجامعة لتقول لأصدقائها وزملائها: “إنهم يكذبون علينا، هذه لم تكن أرضًا بلا شعب”، ومن هنا انطلق نشاطها المناهض للسلطات الإسرائيلية وممارساتها ضد الفلسطينيين وضد اليساريين، وتواصل عملها في مواجهة العدالة الإسرائيلية الزائفة.

ربما يعجبك أيضا