المغرب وموانئها.. منصة الهند لاستشراف القارة السمراء

حسام عيد – محلل اقتصادي

صداقة قوية وشراكة واسعة متوفرة في جميع المجالات.. هكذا تتسم العلاقات بين المغرب والهند. فالمغرب تعتبر بوابة الهند للولوج إلى أسواق القارة السمراء وتعزيز التنافسية بها عبر إقامة تحالفات وعلاقات اقتصادية مميزة مع باقي بلدان القارة.

وبعد تدشين العاهل المغربي محمد السادس لأعمال توسعة ميناء طنجة في يونيو الماضي، تعتزم الهند اتخاذه منصة لوجستية لتوطيد علاقاتها بأفريقيا في كافة المجالات.

الهند الشريك الـ 15 والمستثمر الـ 13

بعد أن أُرسيت أسس الشراكة بين المغرب والهند خلال لقاء جرى في أكتوبر 2015 بالعاصمة الهندية نيودلهي، بين ملك المغرب محمد السادس ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، اتفق على البلدان على استشراف آفاق أرحب من العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

ومنذ هذا اللقاء، شهدت العلاقات الثنائية تطورًا مهمًا، خاصة عبر تبادل 20 زيارة بين مسؤولي البلدين في جميع المجالات، فضلا عن توقيع 30 اتفاقية.

آخرها كان في فبراير 2019، بعد توقيع وزير وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، أربع اتفاقيات مع الجانب الهندي في مجالات محاربة الإرهاب، والإسكان، والشباب والاقتصاد، بهدف إغناء الإطار القانوني المنظم للعلاقات بين البلدين.

كما أوضح بوريطة، أنه توصل لاتفاق مع وزيرة الشؤون الخارجية الهندية، سوشما سواراج، لاتفاق بتسهيل منح تأشيرات بأجل أطول لرجال الأعمال الهنود لتعزيز الجوانب الاقتصادية.

وتعد الهند حاليًا الشريك الـ15 والمستثمر الـ13 في المملكة، ومن بين الشركاء الاقتصاديين العشر الأوائل للمغرب.

2018.. عام تسارع وتنويع التبادلات

سيريش كيمار، الخبير الهندي في العلاقات المغربية الهندية والقضايا الأفريقية، أوضح أن سنة 2018 تميزت بتسارع وتنويع التبادلات بين المغرب والهند في كافة المجالات، الأمر الذي يعكس الإرادة القوية للبلدين في توسيع تعاونهما وإعطاء زخم جديد لعلاقاتهما الثنائية.

وأبرز كيمار، وهو أستاذ باحث ورئيس قسم الدراسات الإفريقية بجامعة دلهي، أن الهند تولي اهتماما خاصا للمغرب، بالنظر إلى موقعه كبوابة للولوج نحو أفريقيا وتموقعه الاستراتيجي القريب من أوروبا، والذي يوفر فرصا هائلة بالنسبة للتجارة والاستثمار الهندي.

في سبتمبر 2018، وقع المغرب والهند على اتفاق لتعزيز خدمات النقل الجوي والنهوض بسلامته وتنافسيته، كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين الشركة المغربية للهندسة السياحية والشركة الهندية لتنمية السياحة بهدف النهوض بالاستثمار السياحي بين المغرب والهند وتشجيع تبادل الخبرات بين الجانبين.

وشكلت وقتها الزيارة التي قام بها الوفد المغربي إلى نيودلهي، مناسبة، لبحث إمكانية فتح خط جوي مباشر بين الهند والمغرب، وهو الخط الذي تم التأكيد على أهميته لإعطاء دينامية للمبادلات الاقتصادية والتدفقات السياحية بين البلدين، لكن أيضا تقريب الهند إلى القارة الإفريقية.

ومن أجل الترويج للعرض السياحي للمملكة، افتتحت تمثيلية للمكتب الوطني المغربي للسياحة بنيودلهي، كخطوة أولى على درب تعزيز جاذبية المغرب باعتباره وجهة مفضلة للهنود وتعزيز الاستثمار السياحي بين البلدين، وأيضا لتقريب المنتج السياحي المغربي من السوق الهندية التي توفر فرصة كبيرة من حيث رأس المال البشري والتنمية الاقتصادية.

ورغم هذه الدينامية في التبادلات الثنائية والمتعددة القطاعات مع الهند، فإن المغرب مطالب بتعزيز روابطه التعاونية بشكل أكبر للاستفادة من تسارع النمو لدى سادس قوة اقتصادية في العالم.

وبفضل الإصلاحات الكبرى التي تم القيام بها، تمكنت الهند من تجاوز فرنسا في عام 2018 مسجلة وتيرة نمو تزيد عن 7% خلال السنوات الأخيرة. وتستعد لتتجاوز المملكة المتحدة لتصبح خامس أكبر اقتصاد في 2019.

وشهدت المبادلات التجارية بين المغرب والهند خلال السنوات الأخيرة تطورا متذبذبا، مع منحى مستقر ناجم عن النطاق المحدود للمنتجات المتداولة. ولم تتجاوز هذه المبادلات الثنائية قيمة 14 مليار درهم، وتظل، بالنسبة للصادرات المغربية ، متركزة حول منتجات ومشتقات الفوسفات بنسبة تصل إلى أكثر من 96%، بينما الواردات من الهند، رغم أنها أكثر تنوعا، فتتركز على المنتجات النفطية والصيدلانية والكيماوية.

المغرب.. جنة الاستثمار الهندي

في أبريل الماضي، شارك وفد اقتصادي من المملكة المغربية في المؤتمر السنوي لغرفة التجارة الآسيوية العربية في مدينة حيدر آباد في جمهورية الهند حيث ركز الوفد على أهمية جهة الشرق والأقاليم الجنوبية من المغرب.

وخلال جلسات العمل قدم هشام الصغير عرضا شاملا حول آفاق الاستثمار في المملكة المغربية مبرزًا مميزات إقليم وجدة أنكاد ودورها الكبير في تنمية المنطقة.

كما أشار إلى الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية خاصة إقليم الداخلة واد الذهب، واصفا إياها بجنة الاسثثمار بأفريقيا، حيث استعرض في مداخلته فرص الإستثمار بهذا الإقليم لما يزخر به من إمكانيات و امتيازات.

موانئ المغرب.. منصة دبلوماسية للهند

في يونيو 2019، افتتحت المغرب مرافئ جديدة في ميناء طنجة ستسمح له بالتفوق على أكبر مينائين على البحر المتوسط ألخثيراس (الجزيرة الخضراء) وفالنسيا، من حيث طاقة استيعاب الحاويات، واجتذاب المزيد من الاستثمار والصناعات التحويلية إلى البلاد.

وسيضيف طنجة، وهو بالفعل أكبر ميناء في أفريقيا بحجم مناولة سنوية 3.5 مليون حاوية نمطية (20 قدما) في 2018، ستة ملايين حاوية أخرى إلى طاقته بعد توسعة تكلفت 1.3 مليار يورو.

نحو 90% من أحجام الحاويات التي تمر عبر الميناء هي حاويات ترانزيت تتجه إلى وجهات أخرى، حيث تشكل غرب أفريقيا أكبر سوق بحصة قدرها 40%، وهي منطقة توسعت فيها الشركات المغربية بكثافة في السنوات الماضية. وسيتجه نحو 20% من إجمالي حجم الحاويات إلى أوروبا وعشرة في المئة إلى الأمريكتين.

الميناء لا يعد منصة اقتصادية فحسب، بل أصبح أيضا منصة دبلوماسية لبناء علاقات جديدة مع شركاء المغرب من مختلف قارات العالم، وهذا ما أكدته الفرقاطة الهندية “تاركاش” بعد أن حلّت بميناء طنجة في 8 يوليو 2019، في زيارة للمملكة تدوم لثلاثة أيام في إطار مهمة عسكرية دبلوماسية.

وذكرت مصادر إعلامية هندية، أن هذه الباخرة الحربية تقوم بجولة في المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط ضمن برنامج لدعم جهود الأمن والسلام.

وتسعى الهند من خلال هذه الزيارة إلى تعزيز صداقتها مع المغرب، من خلال المشاركة في برنامج تدريب مع البحرية الملكية، كما ستشارك أيضًا في العديد من الأنشطة المهنية والاجتماعية والرياضية.

وتأتي هذه التدريبات كجزء من خطة القيادة العامة للقوات المسلحة الهندية لتعزيز وتدعيم التعاون العسكري في البحر الأبيض المتوسط، وأفريقيا، وأوروبا.

ربما يعجبك أيضا