ملهمات عربيات «٢٦»| إميلي نصر الله.. كلمات مفتوحة على جمالية الحياة

شيرين صبحي

هكذا نسجت إميلي نصر الله مفهومها عن الحياة في روايتها بلغتها التي لا تعرف التغريب أو التكلف


تكتب إميلي نصرالله بروح شفافة وأناقة صافية، وتعتمد على لغة هادئة مألوفة لا تعرف التغريب ولا التكلف، وتمضي إلى جمالها على جناح العفوية.

كانت الكاتبة اللبنانية الراحلة تعتبر الكتابة هي ذروة الحياة، فتقول: “هي كل المتعة.. مهما شعرنا بلذة الكتابة، تبقى اللذة أقل ونحتاج إليها أكثر.. الكتابة هي أساس الفعل والوعي والحياة التي عرفناها.. لذا تبقى الرواية التي أكتبها هي المسافة المشوقة التي أسير على هديها”.

شغف مبكر بالقراءة

6544 1

إميلي نصر الله في شبابها

عن شغفها المبكر بالقراءة، تقول في حوار لصحيفة “الأهالي“: “حين دخلت الكلية الوطنية في الشويفات، حضر معي جوعي المزمن للمطالعة، وصدف أن كلّفتني مديرة الكلية، الاهتمام بالمكتبة، فكنت أنفق كل أوقات الفراغ في ترتيب المكتبة حتى إذا حان وقت النوم كنت أصطحب معي كتابًا خلسة إلى غرفة النوم، وأغرق في قراءته على نور السلم المتسلل من خارج الغرفة”.

وتابعت: “في تلك المرحلة، اغتنمت فرصة لم تكن متاحة لي من قبل، فكانت مطالعاتي الأولى قصاصات صحف، أو الكتاب المقدس الذي لم أكن أفهم منه شيئًا.. ولعلي فعلت ذلك تعويضًا عمّا فاتني، حتى أنني كنت أهرب من المشاركة في الرحلات المدرسية وألجأ إلى المطالعة”.

روائية وصحفية وناشطة

ولدت نصرالله عام 1931 في قرية الكفير بجنوب لبنان ونشرت عددًا من الروايات والمجموعات القصصية للأطفال، وعملت كروائية وصحفية وكاتبة ومعلمة ومحاضرة وبرزت كناشطة في مجال حقوق المرأة العربية، وتزوجت من الكيميائي فيليب نصرالله، وأنجبت منه أطفال. ولم تغادر بيروت قط وبقيت فيها خلال الحرب الأهلية رغم قساوة الأوضاع حينها ومشقة العيش.

من مؤلفاتها في مجال الرواية “شجرة الدفلى، والرهينة، والجمر الغافي” وفي مجال القصة القصيرة “روت لي الأيام، الينبوع، وخبزنا اليومي، والطاحونة الضائعة”. ورحلت عنا عام 2018، بعد صراع مع مرض السرطان، عن عمر ناهز 78 عامًا.

شرفة تشاهد من خلالها جمال الحياة

كان أكثر ما يقلق نصرالله أن يحين موعد رحيلها قبل أن تروي حكايتها الأخيرة، ولكن الأمل لديها ظل أكبر، فكلما ازداد القلق تضاعف الأمل، وهذا سر الزمن الذي فتح بابه لكلماتها. كانت الرواية التي تكتبها هي نشاط روحي بامتياز لا يفارقها أبدًا، بل يساعدها على الأمل. لذلك تتواصل مع الكلمة والكتابة بدون توقف، وتستعد دائمًا للجديد في الكتابة.

تقول في حوار سابق لمجلة “لها“: “رغم كل هذا النشاط الروحي المتوقد في الكتابة، أجدني لا أزال عند نقطة البدء في محاولة الكتابة.. الجدوى كل الجدوى تكمن في الكتابة، ألا يكفي أن الكتابة تضعك على شرفة يمكنك من خلالها رؤية الحياة بكل ألوانها وأشكالها؟”.

متعة كبيرة في ترجمة الحياة العامة في قالب روائي أو أي شكل من أشكال الكتابة، كانت تجدها نصر الله التي ترى “الحياة جميلة كيفما نظرنا إليها. سنرى ما يسعدنا، فلا تيأس أيها الإنسان”.

طيور أيلول

340842Image1 1180x677 d

إميلي نصر الله

نشرت نصر الله، أولي رواياتها “طيور أيلول” عام 1962، والتي كرست مكانتها كروائية، وصنفت ضمن أفضل 100 رواية عربية، وحصلت على 3 جوائز أدبية. وفيها تركز على الهجرة والنشأة في وعي القرية. تدور الأحداث في ضيعة لبنانية جنوبية، بين البحر وجبل حرمون، في حقبة بين خمسينات وستينات القرن العشرين، وهجرة شبابها كطيور أيلول التي تهاجر جنوبًا.

وتقول في روايتها “بيروت حقًا مسكينة، خصوصًا بيروت هذه الأيام.. الناس يعبرون منها ليهربوا فوق متن طائرة أو فوق ظهر باخرة. وفي زمان مضى كانت بيروت ربة الجمال وأم المخازن ومحط الأنظار والرحال”.

جمال وأحزان الضيعة

تحكي الرواية قصص الضيعة وأهلها، جمالها وحزنها، تأخذنا في طرقاتها وأزقتها ودروبها وبساتينها وتلالها. حب يرفضه أهل الشابة وينتهي بمأساة مروعة. فتاة ترضى بالعريس الآتي من المهجر، وفتاة أخرى تغرم بشاب يسعى للخروج من الضيعة، فتضطر للحاق به إلى المهجر، حب مستحيل بين شاب وشابة على مذهبين مختلفين.

في الرواية التي تعتبر دراسة اجتماعية لعادات وتقاليد أهل الريف اللبناني، تمتزج فيها الهموم والمشاغل والحزن، أحلام البطلة وطموحها مع أحلام رفيقاتها وحزنهن، مع شوق الأب لابنه المهاجر.

ربما يعجبك أيضا