الموجة الأسوأ منذ 500 عام.. لماذا يضرب الجفاف أوروبا؟

آية سيد
«أزمة المياه».. هل تشعل حربًا في فرنسا؟

تراجعت مستويات المياه في أوروبا بنحو غير مسبوق، بسبب نقص الأمطار في الشتاء. ومع دخول الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تواجه القارة العجوز خطر الجفاف الشديد، فما حجم الأزمة؟ وكيف تتعامل معها القارة العجوز؟


تشهد قارة أوروبا جفافًا غير مسبوق، وصفه بعض التقارير بأنه الأسوأ منذ 500 عام، ونشر المرصد الأوروبي للجفاف خريطة توضح مقدار انتشاره فيها.

وسجلت أوروبا، الصيف الماضي، ارتفاعًا قياسيًّا في درجات الحرارة، وشهدت جفافًا في فصل الشتاء، ما يثير مخاوف من تعرض القارة العجوز لأزمات جديدة.

الجفاف في فرنسا

أشار تقرير جديد، صادر عن مكتب البحوث الجيولوجية والتعدين الفرنسي، إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية في فرنسا إلى أقل من المستويات الطبيعية. وحسب ما أوردت صحيفة لوموند الفرنسية، توقع التقرير أن يكون الجفاف هذا العام أسوأ بكثير من العام الماضي.

وحذر التقرير، الصادر في 13 مارس 2023، من تأزم الأوضاع مع بدايات الربيع وتفاقمها مع بداية الصيف المقبل، ولفت إلى أن 45% من مخزونات المياه الجوفية وصل إلى مرحلة “منخفض” أو “منخفض بشدة”.

وخلال خريف 2022، كان هطول الأمطار محدودًا، ولم يكن كافيًا لتجديد منسوب المياه الجوفية التي “أضعفتها سنوات العجز المتتالية”، ثم توقفت الأمطار تمامًا في فبراير، حسب التقرير.

اقرأ أيضًا: جفاف غير مسبوق في أوروبا يهدد الأمن الغذائي العالمي

تحذير للقارة

نشر المرصد الأوروبي للجفاف خريطة توضح مقدار انتشار الجفاف في أنحاء القارة الأوروبية. وأظهرت الخريطة انخفاض رطوبة التربة في الكثير من المناطق الجنوبية لأوروبا في شهر يناير، من وسط وجنوبي غرب فرنسا، إلى شمالي إسبانيا، وشمالي إيطاليا، وجنوبي ألمانيا، وأجزاء كبيرة من شمالي اليونان وجنوبي بلغاريا ومعظم تركيا.

وفي تصريحات لشبكة يورو نيوز، قال العالم بمركز الأبحاث المشتركة للمفوضية الأوروبية ومنسق المرصد الأوروبي للجفاف، أندريه توريتي، إن تكرار هذه الأحداث أمر “غير معتاد”. وأضاف: “لقد شهدنا جفافًا شديدًا العام الماضي، وقبلها في 2018، والأمر غير المسبوق هنا هو نمط التكرار”.

مشكلة الجفاف.. أزمة جديدة تواجه القارة الأوروبية

خريطة توضح مناطق نقص هطول الأمطار ونقص رطوبة التربة حتى 23 فبراير 2023

تراجع مستوى المياه

قال الباحث في جامعة بوليتكنيك في ميلان، كارميلو كاماليري، إن الجفاف مشكلة منتشرة في أوروبا الوسطى، وحسب مجلة “وايرد” البريطانية، يُقدِّر كاماليري أن مخزونات المياه في فرنسا وشمالي إيطاليا أقل بـ40% إلى 50% من مستوياتها الطبيعية، ونهر بو، أطول نهر في إيطاليا، أقل بـ60% من مستوياته الطبيعية.

وإضافة إلى هذا، فإن الثلج على جبال الألب أقل بالنصف تقريبًا من المتوقع في هذا التوقت من السنة. وقال كاماليري إن هذه مشكلة ضخمة، لأن معظم أوروبا الوسطى تعتمد على المياه الناتجة عن ذوبان هذه الثلوج. وفي بريطانيا، سجل الكثير من الأنهار مستويات منخفضة على نحو غير مسبوق.

وكذلك سجل نهر الراين، وهو شريان مائي رئيس يصعد في جبال الألب ويتدفق عبر عدة دول باتجاه بحر الشمال، تراجعًا كبيرًا العام الماضي، وفق مجلة وايرد. وحسب بعض التقديرات، فإن مستوى النهر حاليًّا أقل بـ1 إلى 2 متر عن معدله الطبيعي في هذا الوقت من السنة.

مشكلة الجفاف.. أزمة جديدة تواجه القارة الأوروبية

انخفاض منسوب المياه

آثار سلبية

في تصريحات لشبكة رؤية الإخبارية، قال المتخصص في التنمية والسياسات البيئية، الدكتور حسان التليلي، إن موجة الجفاف غير المعهود في أوروبا “انعكست سلبًا على الكثير من القطاعات الحيوية، منها قطاع مياه الشرب، والقطاع الزراعي، والثروة الغابية، وقطاعا النقل والطاقة”.

وأضاف التليلي أن تدني مستويات المياه الجوفية ومياه الأنهار “أثر في منسوب مياه الشرب في دول مثل فرنسا، وأوروبا الوسطى والغربية، حيث وجد بعض البلديات نفسه عاجزًا عن تلبية حاجة السكان من مياه الشرب، ويعاني كذلك سكان مناطق أوروبية متعددة مشكلة غير متوقعة، وهي تشقق منازلهم بسبب الظاهرة عينها”.

تأثر قطاع الطاقة

لفت التليلي إلى أن تراجع مستوى نهر الراين كان له تداعيات على قطاع الطاقة، موضحًا أن أوروبا كانت تحتاج إليه لنقل مواد الطاقة التي أصبحت عملية نقلها بالشاحنات مكلفة جدًّا بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية.

ولكن، وفق المتخصص في التنمية والسياسات البيئية فإن “احتداد الجفاف عطل حركة نقلها عبر نهر الراين بسبب انخفاض منسوب المياه في مواضع كثيرة إلى مستويات لم تكن تسمح للسفن بالتنقل”.

وأضاف التليلي أن من أهم انعكاسات الجفاف الأوروبي الحالي على قطاع الطاقة هو “تدني قدرة محطات توليد الكهرباء من مياه الأنهار والسدود التي أقيمت عليها في عدة بلدان، أبرزها البرتغال”.

قطاع الزراعة

كان من الطبيعي أن تتأثر المزروعات الموسمية بانحباس الأمطار، وأن ينعكس ذلك سلبًا على محاصيل كثيرة، مثل الخضراوات والحبوب. وأشار التليلي إلى أن فرنسا تمثل إحدى الدول الكبرى المتخصصة في إنتاج الحبوب وتصديرها إلى العالم، وقد استفادت بعض الشيء من الأزمة الأوكرانية لتوسيع نطاق البلدان التي تصدر إليها حبوبها.

ولكن موجة الجفاف الحاد، التي تفشّت في أوروبا، تسببت في انخفاض محاصيل القمح والشعير والذرة وعدد من المزروعات الأخرى المُعدّة أساسًا للتغذية الحيوانية في فرنسا وبلدان أوروبية أخرى، حسب التليلي.

الحياة البرية

أضاف المتخصص في التنمية والسياسات البيئية، في تصريحاته لشبكة رؤية الإخبارية، أن انقطاع الأمطار لفترة أطول من المعتاد “أسهم في إلحاق أضرار بالحياة الفطرية والحيوانات البرية”.

وأسهم كذلك في “جعل غابات أوروبا مستهدفة أكثر لحرائق هائلة طالت مساحات قُدرت بأكثر من 60 ألف هكتار خلال الفترة الممتدة من يناير إلى أغسطس 2022، أي ضعف المساحة الغابية التي أتت عليها نيران الحرائق طوال عام 2021 في أوروبا”.

ما الحل؟

حسب التليلي، فإنه يمكن تقسيم الإجراءات المتخذة حتى الآن إلى قسمين، إجراءات على المدى القصير، وتشمل “حملات توعية منتظمة بأهمية ترشيد استخدام المياه المنزلية”.

ويمكن الترشيد، عبر اللجوء إلى فلاتر غير مسرفة في استهلاك المياه، ومنع استخدام المياه أو الحد منه كثيرًا في عدة أغراض، منها إقامة مسابح وغسل السيارات بانتظام، وتخلي كثير من البلديات عن نباتات الحدائق العامة التي تتطلب مياهًا كثيرة وتعويضها بأخرى تتحمل الجفاف.

إجراءات على المدى المتوسط

أوضح التليلي أن القسم الثاني هو إجراءات على المدى المتوسط، وتشمل تطوير منظومة جمع المياه المطرية، أو ما يُسمى “حصاد المياه”، والعمل على الاستفادة بنحو أفضل من مياه الصرف الصحي في ري عدد من المزروعات بعد معالجتها.

وموجة الجفاف الحالية أظهرت أن بلدان الاتحاد الأوروبي “لا تزال إلى حد ما متخلفة في هذا المجال بالقياس إلى بلدان أخرى، مثل إسرائيل وسنغافورة وأمريكا، وأظهرت أيضًا أن أوروبا لم تستثمر بعد بنحو جيد في المقاربة التنموية التي تجمع ثلاثة عناصر، هي الماء والغذاء والطاقة”، حسب التليلي.

ولفت المتخصص في التنمية والسياسات البيئية إلى أن موجة الجفاف الحالية قد يكون لها نقطة إيجابية واحدة، وهي أنها أسهمت في تخفيف الاعتماد على أجهزة تسخين المنازل والمكاتب على خلفية أزمة إمدادات الطاقة، التي يعانيها معظم أوروبا بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

ربما يعجبك أيضا