بعد إهدار الاحتياطي النقدي.. «أردوغان» يواجه أزمات الاقتصاد بالسخرية

عاطف عبداللطيف
الليرة التركية

كتب – عاطف عبداللطيف

قادت سياسات الرئيس التركي رجب أردوغان، الخاطئة تركيا إلى الانهيار، حيث يشهد الوضع الاقتصادي التركي خلال الفترة الحالية انتكاسة لا مثيل لها، وتراجعت الليرة التركية بشكل كبير فضلًا عن ارتفاع معدلات التضخم، حتى أن الحكومة أهدرت 128 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي على مدى عامين– وهي الفترة التي كان فيها صهر أردوغان، بيرات آلبيرق، وزيرًا للخزانة والمالية- في محاولة فاشلة لدعم الليرة، الأمر الذي دفع بيرات آلبيراق صهر أردوغان ووزير المالية والخزانة إلى تقديم استقالته، فضلًا عن إقالة رئيس ​البنك المركزي​، مراد أويصال، من منصبه وتعيين ناجي آغبال، رئيس الإدارة الاستراتيجية والموازنة بالرئاسة، خلفًا له.

وردًا على انتقادات لحزب الشعب الجمهوري، شن أردوغان هجومًا مضادًا، قائلًا في خطاب ألقاه، الأربعاء، إن الرقم كان في الواقع 165 مليار دولار. وأضاف في نبرة تتسم بالتحدي أنه يمكن استخدام الاحتياطيات “مرة أخرى عند الحاجة”. جاء ذلك بعد أسابيع من النفي الغاضب من جانب أردوغان وآلبيرق ومسؤولين كبار آخرين، وجهود خرقاء لمحو الشعار نفسه المتعلق بمصير الاحتياطيات الدولية. وبصرف النظر عن المواقف السياسية، أقرت الحكومة أخيرًا أن السؤال يحتاج إلى إجابة، وألا يكون الرد بالسخرية.

وفي مقابلة متلفزة، الإثنين الماضي، قال خليفة آلبيرق، الوزير لطفي ألوان، سيكون من “المفيد” للبنك المركزي نشر البيانات الخاصة بمعاملات الصرف الأجنبي في عامي 2019 و2020.

رد أردوغان

تراجع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء، عن تصريح سابق برر خلاله اختفاء 128 مليار دولار من الاحتياطي النقدي للبلاد، ونفى الرئيس التركي اختفاء المليارات من خزينة المركزي، متهمًا الغرب بافتعال أزمات في بلاده. وفي وقت سابق وبعد ضغط مستمر من المعارضة، قال أردوغان إنه أنفق هذه الأموال لمواجهة تداعيات تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).

وجدد الرئيس التركي في كلمته أمام اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، الاتهامات لزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال قليجدار أوغلو، بتنفيذ حملات ضد الحكومة وخلق أزمات جديدة وعدم درايته بأمور البنك المركزي، وأن هدفه خلق الأزمات فقط.

وسخر أردوغان في كلمته من مطالب المعارضة له بالكشف عن مصير الـ128 مليار دولار المختفية من البنك المركزي. وقال أردوغان: “احتياطيات تركيا من النقد الأجنبي البالغة 128 مليار دولار لم تذهب لأحد ولم تُهدر”.

وأضاف: “لا الرقم (الخاص بالمبلغ المفقود) صحيح ولا المعنى الذي يحمله الرقم صحيح، ولا الحملة التي أثارتها المعارضة صحيحة”. وأوضح أن “قضية الـ128 مليار دولار يتشبث بها حزب الشعب الجمهوري ومن تبعوه، كأنهم وجدوا كنزًا”.

وكان نواب حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية قد تساءلوا عن عمليات بيع لـ128.3 مليار دولار (1.04 تريليون ليرة تركية) من احتياطيات البنك المركزي، عبر بنوك الدولة في عامي 2019 و2020، خلال فترة وزير الخزانة والمالية السابق براءت آلبيرق، وعن كيفية إدارة المبيعات.

ممارسات خاطئة

سياسات أردوغان في المنطقة أسهمت في تراجع المؤشرات الاقتصادية وانخفاض الليرة، لا سيما حربه التي ورط فيه الجيش التركي في سوريا رغبة منه في الحصول على النفط والانتقام من الأكراد فحصد جزاء سنمار، إذ تراكمت الديون على تركيا نتيجة الإجراءات غير المحسوبة التي أتخذها النظام وتشير التوقعات، أن أيام الرخاء قد ولت.

الأزمة الاقتصادية التركية وانهيار الليرة تعود إلى مشاكل هيكلية في نموذج النمو الاقتصادي التركي الذي اعتمد على ضخ أموال بكثافة من خلال الاقتراض الخارجي الضخم الذي رفع الدين الخارجي التركي من ١٠٠ مليار دولار في بداية عهد أردوغان إلى حوالي ٤٥٠ مليار دولار حاليًا.

أكد البنك المركزي التركي، إن الديون الخارجية على تركيا المستحقة في غضون عام أو أقل بلغت 169.5 مليار دولار، وكذلك الخصخصة الشاملة وبيع أصول الدولة للأجانب مما جعل نسبة كبيرة من عائدات الاقتصاد التركي تذهب للخارج ولا يعاد تدويرها في الاقتصاد، وأدى ذلك إلى عجز ضخم في ميزان المدفوعات والميزان التجاري بعشرات مليارات الدولارات سنويًا.

الاقتصاد وكورونا

الظروف الاقتصادية الدولية أدت إلى تدفق نحو 525 مليار دولار من النقد الأجنبي على تركيا على مدى 15 عامًا، شاملة في ذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والاستثمارات في حافظة الأوراق المالية والقروض الخارجية، لكن مع تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية وخسارته مدن مهمة في انتخابات المحليات عام 2018، هربت رؤوس الأموال الأجنبية ونضبت احتياطيات النقد الأجنبي في البنك المركزي، لتغطية عجز ميزان العمليات الجارية مما أدى لانهيار الليرة أمام العملات الأجنبية، رغم اتفاقيات مبادلة العملة خاصة مع قطر وإيران.

كما أدى تفشى فيروس كورونا وما ترتب عليه من إغلاقات للأنشطة الاقتصادية إلى صدمة اقتصادية تم التخفيف من حدتها بعض الشيء بزيادة منح الائتمان، وكانت تكلفة هذه العملية هي عدم توازن سعر صرف العملة، وهو ما دفع البنك المركزي إلى القيام فعليًا برفع أسعار الفائدة خلال شهر أغسطس الماضي.

ومن أجل مساعدة قطاع الأعمال والمستهلكين على اجتياز الوباء، قامت الحكومة التركية بوضع خطة تحفيز بلغ حجمها 33 مليار دولار، إلى جانب قيام البنوك الحكومية بتعزيز عمليات الإقراض، وفي الوقت ذاته، تبنى البنك المركزي سياسة التيسير النقدي فقام بحقن المزيد من السيولة في الاقتصاد عن طريق شراء السندات الحكومية، وتقديم سلسلة من التخفيضات في أسعار الفائدة كان أكبرها خفض سعر الفائدة بمقدار 1% في مارس 2020.

مؤشرات اقتصادية

يرى الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن التركي، محمود البتاكوشي في تصريحات خاصة لـ”رؤية” أن هذه الإجراءات أدت لزيادة الضغوط التضخمية وتدهور سعر صرف العملة كما انخفضت الصادرات التركية بنسبة 35.3% في الربع الثاني من هذا العام مقارنة بنفس الربع من العام الماضي، بعد أن كانت حققت نموًا هزيلًا يبلغ نحو 0.3% في الربع الأول من العام.

وعلى صعيد الواردات فقد تم تحقيق انخفاض بنسبة 6.3% خلال الربع الثاني من العام، بعد أن حققت انخفاضًا بنسبة 21.9% خلال الربع الأول من العام. واستمر هذا الأداء السيئ للتجارة الخارجية خلال شهر يوليو الماضي، حيث أوضحت مؤخرًا بيانات لمعهد الإحصاءات التركي أن الصادرات قد انخفضت بنسبة 5.8%، كما انخفضت الواردات بنسبة 7.9%.

تدخل البنك المركزي لمحاولة التحكم في سعر الصرف أدى إلى تآكل رصيده من العملات الصعبة، التي اقترضها عن طريق اتفاقيات تبادل العملة بعدما استنزف احتياطاته الخاصة حيث أنفق ما يزيد عن 65 مليار دولار من الاحتياطي النقدي وعمل ذلك على تكثيف خروج المستثمرين الأجانب.

معدلات الانتحار

 اليأس والعجز والغموض الذي يجثم على المجتمع التركي بفضل سياسات حزب العدالة والتنمية، دفع الشعب التركي إلى الإقدام على الانتحار، فليست هذه هي المرة الأولى التي يعاني فيها الاقتصاد التركي ويدفع ثمنه المواطن، من خلال البطالة والفقر والتضخم، ولكن ضيق الأفق السياسي وحالة الاستقطاب التي يغذيها وينفث فيها النظام الحاكم، فضلًا عن غياب المستقبل عزى لتفاقم هذه الظاهرة.

بحسب معهد الإحصاء التركي الرسمي، أقدم 31 ألف تركي على التخلص من حياته في عهد رجب أردوغان، وبلغ عدد محاولات الانتحار في السنوات الخمس الأخيرة 60 ألفًا و850 حالة، لقي 16 ألفًا و28 شخصًا منهم حتفهم.

لذا فتزايد حالات الانتحار الجماعي في تركيا خلال الأسابيع الأخيرة، ليس مستغربًا إذ تخلصت 3 عائلات تركية من حياتهم بشكل جماعي، نتيجة عن قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية، إذ تشير بيانات الإدارة العامة للمساعدات الاجتماعية التابعة لوزارة الأسرة والعمل والخدمات الاجتماعية التركية إلى ارتفاع عدد الأتراك طالبي المساعدات الاجتماعية في 2018 إلى 3 ملايين و494 ألف مواطن، بنسبة زيادة 9.2% تقريبًا مقارنةً مع عام 2017، بينما ارتفع إجمالي نفقات المساعدات الاجتماعية بنحو 1.25 مليار دولار في العام ذاته، وأن الانكماش الذي يشهده الاقتصاد التركي أدى إلى زيادة المساعدات وعدد الأسر المحتاجة بنسب كبيرة.

وفي كل هذه الحالات كان القاسم المشترك بين أصحابها هو الإصابة بالاكتئاب بسبب تراكم الديون والعجز عن إيجاد عمل، والانتحار بمادة «السيانيد» السامة التي تقود إلى الموت السريع، وعثرت الشرطة وأجهزة التحقيق على بقايا هذه المادة في المنازل التي شهدت حالات انتحار العائلات الثلاث.

معدلات البطالة

سياسات أردوغان أدت إلى زيادة معدلات البطالة حيث أظهرت بيانات معهد الإحصاء التركي الرسمية، ارتفاع مخيف في معدلات البطالة بنسبة 13.8%، وصلت إلى 4 ملايين و417 ألف و814 شخصًا ويعتبر هذا الرقم هو الأكبر حتى الآن، إذ كانت أعداد العاطلين المسجلين في تركيا 2 مليون و621 ألف و565 شخصًا عام 2018، وهذا يعني أنه خلال عام واحد ارتفعت أعداد العاطلين عن العمل مليونًا و796 ألف شخص، بمعدل زيادة بلغت نسبته 68.5%..

يشار إلى أن الرئيس التركي رجب أردوغان هاجم العاطلين عن العمل مؤخرًا، مؤكدًا إنه لا يمكن أن يتمكن من إيجاد فرص عمل لخريجي الجامعات، وذلك بالرغم من تأكيداته ووعوده المتواصلة بتوفير المزيد من فرص العمل.

ربما يعجبك أيضا