روسيا طلبت انعقاد مجلس الأمن.. هل فجرت واشنطن خطي غاز نورد ستريم؟

محمد النحاس

صحفي أمريكي شهير يزعم أن الولايات المتحدة فجرت خط غاز نورد ستريم الروسي، والنرويج ساعدتها.. ما مدى صحة هذا؟


زعمت تقارير إعلامية تورط الولايات المتحدة في تفجير خطي غاز “نوردستريم”، وطالب الروس على أثرها بعقد اجتماع لمجلس الأمن.

وبطبيعة الحال ترفض واشنطن الاتهامات، وترجح تورط موسكو في تفجير الخطين اللذين كانا يحملان الغاز الروسي إلى أوروبا.. فمن المستفيد من الحادثة؟ ولماذا يرجح صحفي استقصائي أمريكي شهير ضلوع الولايات المتحدة فيها؟

طلب انعقاد مجلس الأمن

أعاد تقرير للصحفي الاستقصائي البارز، سيمور هيرش، الجدل حول تفجير خطي غاز “نوردستريم 1 و2″، وقد خلص إلى أن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن تفجير خطوط الغاز التي كانت تمد أوروبا بجزء كبير من احتياجاتها من الطاقة.

KqU0 IOmNs4

أثار تقرير الصحفي الأمريكي سيمور هيرش جدلاً واسعًا حول قضية نورد ستريم

هذا التحقيق المنشور بتاريخ 8 فبراير 2023، دفع روسيا لطلب إجراء جلسة لمجلس الأمن في 22 من فبراير الجاري، بهذا الخصوص، في الوقت الذي تنعقد فيه دورة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة لطرح قرار مناهض لروسيا، في ظل اقتراب الذكرى السنوية الأولى اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير.

روسيا تعقب

النائب الأول للممثل الروسي الدائم للأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، قال أمس الأربعاء إنه “في ضوء المعلومات الجديدة المتعلقة بتفجير خطي الغاز طلبنا عقد اجتماع للأمم المتحدة بتاريخ 22 من هذا الشهر، في الثالثة بعد الظهر بتوقيت نيويورك”، وفقًا لوكالة أنباء سبوتنيك الروسية.

ودعا المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إلى “فتح تحقيق دولي بخصوص هذا الهجوم غير المسبوق على البنية التحتية الحيوية لدولة أخرى”، مبديًا دهشته من عدم تغطية الإعلام الغربي تقرير هيرش بقدر كافٍ، وطالب بمحاسبة المسؤول.

a08e8c8a c33f 481c a20e db50593c22fb

بيسكوف طالب بمحاسبة المسؤول عن تخريب خطوط نورد ستريم

تبادل الاتهامات

يتهم وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الغرب بالكذب بشأن تفجيرات نورد ستريم. وقال المتحدث باسم الكرملين، إن على العالم أن يعرف حقيقة ما حدث، مضيفًا أن “من نفذ مثل هذا الهجوم مرة يمكن أن يفعلها مجددًا”.

1381779

يتهم وزير الخارجية الروسي الغرب بالكذب

ولطالما تبادل الروس والأمريكيين الاتهامات الضمنية بتفجير خطي الغاز، وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، “إن “القوى الأنجلو ساكسونية تقف وراء هذا الهجوم”، في إشارة منه إلى دول حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ما هو «نورد ستريم»؟

نوردستريم هو شبكة من خطوط الغاز، تنطلق من روسيا مرورًا بالبلطيق وحتى ألمانيا، وكان خط نوردستريم 1 يمد أوروبا بالغاز الروسي الرخيص نسبيًّا منذ 2011، متجاوزًا خط سيره الطبيعي عن طريق أوكرانيا، وتبلغ سعته 55 مليار متر مكعب سنويًّا.

وكان من المخطط أن يحمل نوردستريم 2 ما يقرب من ضعف الكمية التي يضخها الخط الأول. وقد بدأ إنشاء الخط الثاني عام 2018.

موقف الولايات المتحدة من نورد ستريم

كانت الولايات المتحدة تعارض مشاريع خطوط نورد ستريم بشدة، لأنها ترى الغاز الروسي بمثابة “حصان طروادة” الذي يسهم في تعزيز قوة روسيا على حساب القارة الأوروبية.

وعلاوةً على ذلك، يعطي الغاز الروسي الرخيص لأوروبا ميزة تنافسية بالأسواق العالمية. وترغب واشنطن أيضًا في بيع غازها إلى أوروبا، وهو ما حدث بالفعل، وبدأ الغاز الأمريكي يتدفق إلى أوروبا بعد انقطاع إمدادات الغاز الروسي، إثر الحرب الروسية الأوكرانية.

عمل تخريبي متعمد

منذ 26 وحتى 29 من سبتمبر العام الماضي، ضربت خطوط نورد ستريم سلسلة من التفجيرات أدت إلى تسريبات غاز. وخلصت تحقيقات دول المنطقة إلى أن التفجيرات “أعمال تخريبية متعمدة”، وهو ما تتفق عليه روسيا من جهة والولايات المتحدة وحلفاؤها من جهة أخرى، غير أن الخلاف حول هوية المنفذ.

وفي يونيو الماضي، أجرت البحرية الأمريكية تدريبات مشتركة، شارك بها 7000 جندي من 16 دولة، ببحر البلطيق، وبعدها بـ3 أشهر وقعت تفجيرات خطي الغاز.

ويزعم الصحفي الاستقصائي هيرش، أن الولايات المتحدة استغلت هذه المناورات، وزرعت قنابل يمكن تفجيرها عن بعد من خلال فرق الغواصين التابعة للبحرية الأمريكية، وتحت إشراف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وبمساعدة من النرويج.

تخطيط أمريكي؟

في تدوينة بعنوان “كيف استطاعت الولايات المتحدة تعطيل نوردستريم؟”، قال هيرش إن واشنطن وضعت خطة عام 2021 على أعلى المستويات، لاستهداف خط الغاز، وإخراجه عن الخدمة.

وتابع هيرش بأن الولايات المتحدة تفكر في هذه القضية منذ أشهر، وكان آخر ما يهم الأمريكيين ليس قرار التنفيذ، لكن كان الشاغل الأهم مساعي التغطية على الهجوم حتى لا ينكشف، وتقنيات الهجوم الأنجع التي توفر السرية والغموض حول العملية.

نعمة للاقتصاد الألماني

بعد 9 أشهر من التخطيط، قرر الرئيس الأمريكي جو بايدن ضرب خطي الغاز لوقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، وفق سيمور هيرش، الحائز على جائزة بوليتزر الصحفية.

ويرى الصحفي الأمريكي أن الغاز الروسي الرخيص كان بمثابة نعمة للاقتصاد الألماني، فقد حصلت برلين على الغاز بسعر زهيد للغاية مقارنة بالسعر العالمي، ما أعطى الاقتصاد الألماني ميزة تنافسية عن غيره من الاقتصادات الصناعية المتقدمة.

مخاوف جمة

منذ أيامه الأولى، اعتبرت واشنطن وحلفائها بالناتو أن نوردستريم 1 يمثل تهديدًا للهيمنة الغربية. ويرى هيرش أن المخاوف الأمريكية كانت حقيقية، لأن خط الغاز سيوفر دخلًا إضافيًّا لرجل الكرملين المناهض للغرب، فلاديمير بوتين، وسيجعل من أوروبا “مدمنة على الغاز الروسي”، وسيقلل اعتمادها على الولايات المتحدة.

ووفق هيرش، كان بايدن عازمًا على “الوقوف في وجه الألمان فيما يتعلق بنوردستريم 2”. وكان خط الغاز أحد أكثر نقاط الخلاف حضورًا على الساحة بين برلين وواشنطن، وفرضت الأخيرة عقوبات على الشركة المنفذة لخط الغاز، غير أن الإدارة الأمريكية تراجعت عنها على نحوٍ مفاجئ، في شهر مايو 2021.

قلق أمريكي

بحلول العام التالي، علقت ألمانيا العمل بـخط نوردستريم 2، وكان المستشار الألماني، أولاف شولتز، الذي تولى المنصب في ديسمبر 2021، بدأ يدعو إلى سياسة أوروبية موحدة ومستقلة، ما أقلق واشنطن في وقت كان فيه آلاف الجنود الروس يحتشدون على الحدود مع أوكرانيا، وبدا أن الحرب باتت وشيكة.

المستشار الألماني أولاف شولتز

المستشار الألماني أولاف شولتز دعا إلى “أوروبا مستقلة وموحدة”.

وبعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، خشيت الإدارة الأمريكية أن “ألمانيا الغنية قد تحجم عن دعم أوكرانيا في ظل تواصل إمدادات الغاز”، وفي هذه الأثناء كانت واشنطن قد حسمت أمرها في ما يتعلق بضرب خطوط الغاز، وفق الصحفي الاستقصائي الأمريكي.

اعتراف غير مباشر

في غضون ذلك، كان المسؤولون بواشنطن يخططون لما يمكن أن يكون عليه الهجوم المحتمل. وقبل 3 أسابيع من بدء الحرب الروسية الأوكرانية، قال بايدن في مؤتمر صحفي جمعه مع شولتز: “أريد أن أكون واضحًا.. إذا غزت روسيا أوكرانيا لن يوجد نورد ستريم 2”.

8da17e97f45d23fb833f58665e5ad956f71f98b8ويشدد هيرش على أن هذا التصريح أشعر مسؤولي تخطيط التفجير بالفزع، لأنه بدا اعترافًا مبطنًا بما سيحدث، وإشارة غير مباشرة إلى الهجوم المرتقب.

النرويج شريكًا

يشير هيرش في تقريره إلى أن النرويج كانت “الشريك الأمثل” لتنفيذ هذه العملية، فالبلد الأوروبي لديه الموقع الأفضل جغرافيًّا ليضطلع بمثل هذه المهمة، وتجمعه مع الولايات المتحدة روابط وعلاقات عسكرية زادت وتيرتها على مدار السنوات الماضية.

seymour hersh cc img 0 680x430 1

هيرش يرى أن الولايات المتحدة هي المتسفيد الأكبر من ضرب خطوط الغاز الروسية

وفضلًا عن ذلك، من شأن وقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، توفير سوق مهمة للغاز النرويجي باهظ التكلفة مقارنةً بنظيره الروسي. ويري خبير العلاقات الدولية المصري، طارق البرديسي، أنه كان من المتوقع تورط الولايات المتحدة في هذا التفجير.

خبير يرجح

في حديث مع شبكة رؤية الإخبارية، قال البرديسي إن الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر من حادثة تفجير نورد ستريم، لأنها تبيع الغاز الطبيعي إلى دول الاتحاد الأوروبي، بأربع أضعاف السعر الذي كانت تحصل عليه روسيا مقابل غازها.

ومن الفوائد الأخرى العائدة على الولايات المتحدة، استنزاف مقدرات روسيا التي تخوض حربًا مكلفة، تجهدها اقتصاديًّا وعسكريًّا، وفقًا للبرديسي، الذي شدد على أنه من المستبعد أن تكون روسيا مسؤولة عن الهجوم، لأنه لا فائدة تعود عليها من ذلك.

رد أمريكي

الولايات المتحدة الأمريكية من جانبها نفت هذه “المزاعم الكاذبة” التي “لا يوجد برهان عليها”. وكانت موسكو طالبت واشنطن بإظهار دليل عدم تورطها في هذة الحادثة، وفقًا لوكالة أنباء رويترز.

ومن جانبها، قالت النرويج، التي اتهمها هيرش بالمشاركة في العملية، إن هذه المزاعم “محض هراء”، وقال البيت الأبيض، “إنها خيالية وأبعد ما تكون عن الحقيقة”.

ربما يعجبك أيضا