تعرف على موقف الهند ودول جنوب شرق آسيا من الحرب الروسية الأوكرانية

آية سيد

ربما تبدو الهند ومنطقة جنوب شرق آسيا بعيدة عن الحرب الروسية الأوكرانية, لكنها تجمعها علاقات اقتصادية وعسكرية بالدولتين ومن المؤكد أن تأثير الحرب سيمتد إليها.


تباينت ردود الأفعال على العدوان الروسي على أوكرانيا، وكانت الهند من أبرز الدول التي أثار موقفها دهشة الجميع، حيث امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن على مشروع قرار بشأن أوكرانيا، ووصف كثيرون هذا الموقف بأنه رد غير كافٍ ومخيب للآمال.

وكتب رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ريتشارد هاس، في تغريدة على تويتر أن “موقف الهند الحريص على عدم إثارة غضب بوتين بأي ثمن يوضح أنها غير مستعدة لتحمل مسؤوليات القوى العظمى أو لأن تكون شريكًا يُعتمد عليه”. ووصف موقفها بأنه مخيب للآمال وضيق الأفق نظرًا لصعود الصين.

توازن بين السياسة الخارجية والدوافع الاستراتيجية

رأت صحيفة تربيون إنديا الهندية، في مقالها الافتتاحي في 28 فبراير 2022، أن نيودلهي، من خلال موقفها في مجلس الأمن والمكالمة الهاتفية بين مودي وبوتين، شددت على الحاجة لاحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها والوقف الفوري للعنف والأعمال العدائية.

وأضافت الصحيفة أن امتناع الهند عن التصويت أظهر عدم استعدادها للانضمام إلى الركب الأمريكي الذي يدعو إلى “رد جماعي قوي” على الغزو الروسي بعد أن شهدت عواقب الردود السابقة في ليبيا والعراق وسوريا وأفغانستان.

التوازن خيار استراتيجي للحفاظ على مشروعاتها ومواطنيها

تابعت الصحيفة قولها، إن امتناع الهند عن التصويت منحها خيار التواصل مع الجانبين للتوصل إلى حل وسط، وكذلك أيضًا ضمان سلامة مواطنيها في أوكرانيا. بالإضافة إلى هذا، تمتلك الهند عدة مشروعات في روسيا في مجالات مثل الدفاع والطاقة.

وقالت الصحيفة، إن الصراع الروسي الأوكراني يجعل الهند توازن بين السياسة الخارجية المبنية على القيم والدوافع الجيوسياسية الصارخة.

خيار براجماتي

في السياق نفسه، ذكرت صحيفة ذي إنديان إكسبريس، في تقرير بتاريخ 26 فبراير 2022، أن روسيا تظل أكبر مزود للمعدات العسكرية للهند وحليفًا موثوقًا في مجلس الأمن. وفي الوقت نفسه، تُعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا شركاء حيويين للهند.

وأشارت الصحيفة إلى أن مناشدة مودي للرئيس بوتين مساء الأربعاء الماضي “بوقف العنف” والعودة إلى طاولة المفاوضات كانت تقدمًا عن موقف الهند المحايد سابقًا. لكن في الوقت الحالي، تتمسك الهند بمسار من التناقض الاستراتيجي وهو خيار براجماتي يعكس تعقيدات العالم الواقعي ومواقف نيودلهي من وحدة الأراضي والسيادة ومخاوفها من مشاكلها الحدودية غير المحسومة وعلاقتها الصعبة مع جارتيها الشماليتين.

اختلاف في المواقف

أشارت الصحفية الهندية سودها راماشاندران في مجلة ذا دبلومات، في 25 فبراير 2022، إلى أن اختلاف المواقف بين الهند والولايات المتحدة حول الأزمة الأوكرانية ظهر في اجتماع الحوار الأمني الرباعي (الذي يضم الهند والولايات المتحدة واليابان وأستراليا) في ميلبورن في فبراير الجاري، عندما اختارت الهند الصمت وعدم انتقاد الحشد الروسي للقوات على حدود أوكرانيا، وخرج البيان المشترك للرباعي بدون أي ذكر لأوكرانيا.

وهذا يؤكد موقف الهند في اجتماع مجلس الأمن يوم 22 فبراير عقب إعلان بوتين استقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك شرقي أوكرانيا، عندما أعرب الممثل الدائم للهند في الأمم المتحدة عن “القلق الشديد من تصعيد التوترات” على الحدود الروسية الأوكرانية لكنه لم يدين أفعال روسيا.

أزمة في وقت حرج

لفتت الكاتبة إلى أن الصراع حول أوكرانيا يضع الهند في مأزق لأنه يجعلها عالقة بين صديقين، الأول هو روسيا الصديق القديم وأضخم مزود للسلاح والدفاع، والثاني هو الولايات المتحدة التي تحتاج لدعمها من أجل مواجهة الصين.

وما يزيد مأزق الهند تعقيدًا هو أن الصراع على أوكرانيا يأتي في وقت تشهد فيه توترات حدودية مع الصين. هذه الأزمة في أوروبا الشرقية من شأنها أن توجه تركيز الولايات المتحدة بعيدًا عن منطقة الهندي-الهادئ، وهو ما تستفيد منه الصين ويعمل ضد مصلحة الهند.

جنوب شرق آسيا وردود أفعال متباينة

تباينت ردود أفعال حكومات جنوب شرق آسيا حول الهجوم الروسي على أوكرانيا تباينًا كبيرًا. بحسب تقرير لمجلة “نيكاي آسيا” المهتمة بشئون القارة الآسيوية تقريرًا، في 25 فبراير 2022، أعربت سنغافورة عن قلقها الشديد من العمليات العسكرية الروسية وقالت وزارة الخارجية، إنها “تدين أي غزو غير مبرر لدولة ذات سيادة تحت أي ذريعة”.

وعلى النهج نفسه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإندونيسية، إن بلاده “قلقة من تصعيد الصراع المسلح”، وإنها “تدين أي عمل يمثل انتهاكًا لسيادة ووحدة أراضي أي دولة” بدون ذكر روسيا.

سلامة المواطنين أولوية للفلبين وماليزيا وميانمار على النقيض

مثَّلت سلامة المواطنين أولوبة للفلبين وماليزيا، فقال المتحدث باسم الرئاسة الفلبينية في بيانه الخميس الماضي، إن “سلامة المواطنين الفلبينيين في أوكرانيا تظل الشاغل الرئيسي للرئيس رودريجو دوتيرتي. تقوم الحكومة بإجراء جهود لإعادة المواطنين الفلبينيين من أوكرانيا”. وقال رئيس الوزراء الماليزي إسماعيل صبري يعقوب: “تشعر الحكومة بالأسى من تطورات الوضع في أوكرانيا، إن أولوية الحكومة هي ضمان سلامة الماليزيين في أوكرانيا”.

وكان موقف ميانمار على النقيض تمامًا، حيث قال المتحدث الرسمي للسلطات العسكرية في ميانمار، الجنرال زو مين تون، في تصريحات لمجلة نيكي آسيا، إنه يرى أن “روسيا تقوم بخطوات لصالح سيادتها”، وأن روسيا “أظهرت للعالم أنها دولة قوية في مجال موازنة السلام”.

بيان آسيان

في السياق نفسه، خرج بيان مشترك من وزراء خارجية رابطة “آسيان”، الأحد 27 فبراير 2022، أعربوا فيه عن شعورهم “بقلق عميق إزاء تطور الوضع والقتال في أوكرانيا”. وقال البيان “ندعو جميع الأطراف إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس وبذل الجهود للحوار عبر جميع القنوات، بما فيها الوسائل الدبلوماسية، لاحتواء الموقف وتهدئة التوتر والسعي إلى حل سلمي وفقًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا”.

وتابع “نرى أنه لا يزال هناك مجال للحوار السلمي للحيلولة دون خروج الوضع عن السيطرة. وجميع الأطراف مسؤولة عن التقيد بمبادئ الاحترام المتبادل لسيادة جميع الدول وسلامتها الإقليمية ومساواتها من أجل تغليب السلام الآمن والتعايش”.

ربما يعجبك أيضا