خبير ونشط سياسيًّا.. هل اقتربت رحلة تحديث الجيش الصيني من نهايتها؟

شروق صبري
الرئيس الصيني شي جين بينغ وأعضاء جيش التحرير الشعبي

التكهنات الإعلامية بشأن التغييرات الكبيرة للمسؤولين العسكريين الصينيين لا ينبغي لها أن تصرف الانتباه عن أن الجيش يخطو خطوات مبهرة في مجال التحديث.


سلطت مجلة فورين أفيرز الأمريكية الضوء على الاضطرابات، التي يواجهها كبار الموظفين في الجيش الصيني، على مدار الأشهر الماضية.

وأشارت إلى أن وزير الدفاع الصيني، لي شانغ فو، لم يظهر علنًا منذ أسابيع، ما أثار تساؤلات بشأن ما إذا كان لا يزال بمنصبه، واستبدل قائد القوة الصاروخية في الجيش، لي يو تشاو، الذي يشرف على ترسانة الصين من الصواريخ التقليدية والنووية.

الجيش الصيني

الجيش الصيني

سلسلة من الإصلاحات

في تقرير لها يوم الأربعاء 4 أكتوبر 2023، قالت المجلة إن العديد من المراقبين فسروا هذه التغييرات على أنها علامة على أن المشاكل العميقة، التي تعاني منها أعلى المستويات بالمؤسسة العسكرية الصينية، أو أن الرئيس، شي جين بينج، يعتزم الاستمرار في تعزيز سلطته.

وأشارت إلى أنه منذ وصول شي إلى السلطة في العام 2012، أشرف على سلسلة من الإصلاحات لتعزيز وتحديث القدرات القتالية لجيش التحرير الشعبي، للتأكيد على دوره السياسي، على اعتباره “الجناح المسلح للحزب الشيوعي الصيني”.

 

وفق التقرير، لم يكن تحقيق تلك الإصلاحات بالأمر السهل، خاصة أن الجهود التي بذلها القادة الصينيون السابقون لإصلاح جيش التحرير الشعبي كثيرًا ما باءت بالفشل، بسبب عزلة المؤسسة العسكرية.

وطوال أواخر السبعينات والثمانينات، سعى الرئيس الصيني السابق، دينج شياو بينج، إلى إعادة تسليح وإعادة تنظيم جيش التحرير الشعبي للدفاع بنحو أفضل عن الحدود البرية، في مواجهة الوجود العسكري السوفييتي الخطير في الشمال، وفيتنام في الجنوب، لكن أكبر التحديات العسكرية التي تواجهها الصين، اليوم، تكمن في مناطق أبعد.

إنشاء جيش جديد

نتيجة لذلك، سعى شي وجنرالاته إلى إنشاء جيش أكثر تكاملًا وانفتاحًا على الخارج، وقادر على تشكيل البيئة الأمنية الخارجية للبلاد في آسيا، وتأمين المطالبات البحرية الواسعة لبكين، ودعم أهداف شي السياسية والاقتصادية العالمية، وتحدي الجيوش الأخرى بمنطقة الهندوباسيفيك.

باختصار، جيش صيني قادر على إبراز القوة العسكرية على مقربة من الوطن وبعيدًا، لدعم أجندة بكين العالمية الأكبر. وكان التقدم الذي أحرزه شي حتى الآن في تجديد المؤسسة العسكرية مثيرًا للإعجاب، لكن على الرغم من أن جهوده جعلت جيش التحرير الشعبي الصيني أقوى، إلا أنها ولدت مخاطر جديدة.

مخاوف متزايدة

رأت فورين أفيرز أن القدرات المحسنة للجيش الصيني، إلى جانب المخاوف المتزايدة لدى القادة الأجانب بشأن الكيفية التي تعتزم بها بكين توظيف جيشها، أدت إلى ظهور درجة من المقاومة من الخارج، ربما لم تكن بكين تتوقعها.

وعلاوة على ذلك، قد تكون إصلاحات القيادة، التي أجراها شي جين بينج، سببًا في إثارة غضب المسؤولين العسكريين المكلفين بالدفاع في الصين، وفي حين يُعد شي جيشًا للمستقبل، يجب عليه أن يعترف بأن التحديث العسكري وحده لا يمكن أن يجعل الصين أكثر أمنًا، وأنه إذا فشل في مرافقة التحديث بالاتصالات المناسبة، خاصة مع الولايات المتحدة، فقد يأتي ذلك بنتائج عكسية.

الجيش الصيني

الجيش الصيني

إعادة تأكيد السيطرة

خضع جيش التحرير الشعبي الصيني تحديث على مدار عقود، بدءًا بالجهود التي بذلها دنج شياو بينج لإصلاح المؤسسة في السنوات التي أعقبت الثورة الثقافية. وفي تسعينات القرن العشرين، أجرى الرئيس جيانج زيمين تعديلات كبيرة على الاستراتيجية العسكرية الوطنية، فأعاد توجيه جيش التحرير الشعبي لمواجهة التهديدات البحرية، وزيادة ميزانية الدفاع في البلاد.

أدرك هو جين تاو، سلف شي جين بينج، أنه إلى جانب مهامه التقليدية بالدفاع عن سيادة الصين الإقليمية والحزب الشيوعي، كان لزامًا على جيش التحرير الشعبي التحول إلى قوة تدعم طموحات بكين العالمية، وأعلن هيو، في تقرير قدمه إلى المؤتمر الثامن عشر للحزب، عام 2012، أن البلاد تحتاج إلى “قوات مسلحة قوية تتناسب مع مكانة الصين الدولية”.

عيوب هيكلية

ونتيجة لهذه الجهود، أصبحت القوات المسلحة تدريجيًّا أكثر قدرة، ومع ذلك، فإن المؤسسة العسكرية، التي ورثها شي، لا تزال تعاني من عيوب هيكلية رئيسة. وعلى الرغم من أنها تمتلك الآن مخزونًا مثيرًا للإعجاب من الأسلحة، فإن هيكلها التنظيمي لم يكن مناسبًا لمحاربة الحملات البحرية متعددة الخدمات، التي من المحتمل أن تظهر في صراعات بكين المستقبلية.

والأمر الأكثر إثارة للقلق أن جيش التحرير الشعبي كان يدار بنحو غير متساو، وكان التلقين السياسي داخل القوات المسلحة يُنظر إليه على أنه ضعيف، والفساد منتشر في كل مكان. وفي مواجهة هذه التحديات، قاد شي عملية إعادة تجهيز الجيش الأكثر أهمية منذ تأسيس الجمهورية عام 1949، سعيًا لصبغه بفكر الحزب الشيوعي، وخبيرًا أو قادرًا على خوض حرب حديثة متقدمة.

ويرى شي أن بناء جيش يتمتع بقدرات عالية ويعاد تنشيطه سياسيًّا، يشكل عنصرًا حاسمًا في سعيه الأعظم لتجديد شباب الأمة الصينية. وانخرط شخصيًّا أكثر بكثير من هو جين تاو في الجهود التي تبذلها بكين لتنشيط الجيش، ومن المرجح أن مشاركته المباشرة في شؤون المؤسسة العسكرية سمحت له بالنجاح في مجالات لم يتمكن أسلافه من تحقيقها.

اقرأ أيضًا: بأكثر من 300 نموذج.. الصين تستعرض مسيّراتها العسكرية

اقرأ أيضًا: ترسانة أمريكا النووية.. حائط صد ضد أحلام الصين وروسيا بالهيمنة

ربما يعجبك أيضا