ضربة ثلاثية وسط بيروقراطية متصلبة.. توقعات باستمرار أزمات ألمانيا الاقتصادية

آية سيد
هل يستطيع اقتصاد ألمانيا التغلب على التحديات؟

ألمانيا معرضة لضربة ثلاثية، لأن صناعاتها عرضة للمنافسة الأجنبية والنزاعات الجيوسياسية، ورحلتها لتحقيق صفر انبعاثات ستكون صعبة، وقوتها العاملة أصبحت متقدمة في العمر.


شهدت ألمانيا على مدار العقد الماضي ازدهارًا اقتصاديًّا ونموًّا كبيرًا في سوق الوظائف.

لكن يبدو أن النموذج الاقتصادي الألماني لم يعد قادرًا خلال الفترة الماضية على توفير النمو والخدمات العامة التي يتوقعها الشعب والاقتصاديون، حسب تقرير لمجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية.

تغير الظروف

عزا التقرير، المنشور في 17 أغسطس 2023، التغير في ألمانيا جزئيًّا إلى الظروف المحيطة، خصوصًا الحرب في أوروبا والتباطؤ الاقتصادي في الصين، وحسب توقعات صندوق النقد الدولي، ستصبح ألمانيا الدولة الوحيدة من مجموعة الـ7 التي ينكمش اقتصادها هذا العام.

اقرأ أيضًا| تدهور «الحالة المزاجية للاقتصاد».. لماذا يسود الإحباط الشركات الألمانية؟

غير أن ألمانيا معرضة لضربة ثلاثية، لأن صناعاتها عرضة للمنافسة الأجنبية والنزاعات الجيوسياسية، بالإضافة إلى أن مهمة تحقيق صفر انبعاثات ستكون صعبة، وقوتها العاملة أصبحت متقدمة في العمر، وما يفاقم الوضع هو أن الدولة تبدو غير مستعدة لهذه التحديات.

أسعار الفائدة

ارتفعت أسعار الفائدة سريعًا في منطقة اليورو، مثلما حدث في جميع الدول الغنية، للتعامل مع التضخم الناتج عن جائحة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية.

وأشارت المجلة البريطانية، في تقريرها، إلى أن الأسعار المرتفعة بدأت في الإضرار بقطاعي البناء والاستثمار في ألمانيا، إلا أن الدولة تتجه لأن تكون أقل حساسية تجاه زيادات أسعار الفائدة من معظم الدول الأخرى.

عوامل خارجية

تعتمد ألمانيا على الصين أكثر من أي اقتصاد أوروبي آخر، ما يعني أن التعافي الصيني، الأبطأ من المتوقع، من سياسة صفر كوفيد سيزيد من صعوبة الأمر، ولا تزال أصداء صدمة أسعار الغاز من العام الماضي تتردد، وحتى الآن، لم يتعافَ الإنتاج الصناعي كثيف الاستهلاك للطاقة من انخفاضات العام الماضي.

هل يستطيع اقتصاد ألمانيا التغلب على التحديات؟

الصادرات إلى الصين

وأضافت “ذي إيكونوميست” أن المستهلكين الألمان يصارعون، لأن الأجور الحقيقية بدأت في الارتفاع، بعد أن تراجعت إلى مستويات لم تشهدها الدولة منذ 2015.

الحلول المطروحة

يفكر الوزراء الألمان في كيفية التعامل مع الوضع، ويريد حزب الخضر، وهو جزء من الحكومة الائتلافية مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر، إنفاق 30 مليار يورو (33 مليار دولار، أو 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي) على دعم الكهرباء للاستخدام الصناعي وتمويل البناء الأخضر والإسكان الاجتماعي.

اقرأ أيضًا| حوار| خبير ألماني لـ«رؤية»: الانفصال عن الصين اقتصاديًّا باهظ التكلفة

وعلى الجانب الآخر، يريد الحزب الديمقراطي الحر خفض الضرائب، وخلق حوافز للقطاع الخاص كي يستثمر، ولفتت المجلة البريطانية إلى أن الخطتين ستؤديان إلى عجز مالي أوسع، وبالتالي ستنطوي على خداع محاسبي للالتفاف على قيود العجز الصارمة لألمانيا.

استمرار الوضع

رجّحت “ذي إيكونوميست” أن تستمر أزمات ألمانيا لفترة، بصرف النظر عن الرد الذي يتفق عليه السياسيون. وبلغ مؤشر مديري المشتريات أدنى مستوى منذ الأشهر الأولى لجائحة كوفيد، وتُظهر استطلاعات، مثل مؤشر معهد IFO، أن قادة الأعمال الألمان غير متفائلين بشأن المستقبل.

هل يستطيع اقتصاد ألمانيا التغلب على التحديات؟

توقعات النمو الاقتصادي من 2019 حتى 2028

وتستمر التوقعات لـ6 أشهر مقبلة في التدهور، ويعتقد صندوق النقد الدولي أن اقتصاد ألمانيا سينمو 8% فقط في الفترة بين 2019 و2028، ومن المتوقع أن تنمو فرنسا 10%، وهولندا 15%، وأمريكا 17%، في الفترة نفسها.

التغلب على التحديات

لفتت المجلة إلى أن التغلب على التحديات النابعة من الجيوسياسية، وتغير المناخ، والتركيبة السكانية، سيحتاج إلى دولة تتمتع بقدر كبير من الذكاء والبراعة الرقمية، لكن الدولة الألمانية لا تتمتع بأي من هذه الأشياء، وفق تقديرها.

وفي ما يتعلق بالتحول الرقمي، أشارت “ذي إيكونوميست” إلى أن الألمان لا يفضلون استخدام الخدمات الحكومية الرقمية، وهذه ستصبح أزمة في ظل انكماش القوى العاملة.

مشكلة البيروقراطية

تمثل البيروقراطية المتصلبة أزمة، عندما يتحتم على الشركات التكيف مع الاقتصاد العالمي المتغير بسرعة، ويحتاج مخزون رأس المال الذي يخدم الوقود الأحفوري إلى الاستبدال.

اقرأ أيضًا| نمو ألمانيا الاقتصادي في خطر.. ما السبب؟

وفي الوقت الحالي، تحتاج الشركات الألمانية إلى أكثر من 120 يومًا للحصول على رخصة تشغيل، مقارنة بأقل من 40 يومًا في إيطاليا واليونان، وتستغرق تصاريح البناء وقتًا أطول بـ50% من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وأضافت المجلة أن التجارب السريرية صعبة حتى إن شركات التكنولوجيا الحيوية تنشئ مراكز بحثية بالخارج، ويعتقد نحو 70% من الألمان أن الدولة مثقلة، ودون إجراء تحسينات ضخمة، ستواجه الدولة مأزقًا في أثناء محاولة التكيف.

الإصلاح العميق

حسب “ذي إيكونوميست”، تكمن المشكلة في طبيعة الإدارة نفسها، وليس غياب الأموال، ويرسم المراقبون صورة لحكومة مليئة بالمحامين، وغير قادرة على توجيه السياسة، أو حتى مراقبة المستشارين بنحو جيد.

وحتى الآن، لم يُظهر المستشار الألماني، أولاف شولتز، اهتمامًا كبيرًا بالإصلاح العميق للدولة، ويبدو حريصًا على القواعد المالية أكثر من التغيير الجريء.

ولم تشهد ألمانيا مثل هذه الفوضى منذ أواخر التسعينيات، وحينها، شرع السياسيون في إصلاحات مؤلمة، ساعدتها الظروف المواتية في الاقتصاد العالمي وازدهار الأسواق الناشئة، لكن لا يوجد مثل هذا الازدهار الآن، وفق تقديرات المجلة.

ربما يعجبك أيضا