شرفشتاين لـ«رؤية»: لا أقدم علمًا شعبويًّا والمحتوى العربي يفتقد المنهجية

ياسمين سعد
شرفشتاين

هل يوجد عوالم موازية؟ هل يمكننا التواصل مع كائنات فضائية؟ وهل صور جيمس ويب مفبركة بالفعل؟ كل هذا وأكثر يجيب عليه مؤسس قناة شرفشتاين العلمية خلال هذا الحوار.


يكتسب المحتوى العلمي عبر الإنترنت مزيدًا من الجمهور حاليًّا، ومن بين القنوات العلمية المتخصصة التي لاقت رواجًا على اليوتيوب عربيًّا قناة شرفشتاين.

وتواصلت شبكة رؤية الإخبارية مع مؤسس القناة، الحاصل على شهادة الدكتوراه في تخصص البيولوجيا الجزيئية، والأستاذية في الكيمياء الحيوية، والإجازة في الهندسة الكيميائية، الدكتور محمد شرف، ليشرح لنا أهمية المحتوى العلمي للعرب، وما الدافع وراء تقديمه؟

من أين جاءت فكرة تأسيس القناة؟

يرى شرف أن طريق تدريس المناهج ليست صحيحة، تعتمد فقط على تقديم النظرية دون شرح تفاصيلها أو ربطها بالواقع، موضحًا أن الإنسان بطبعه براجماتي يبحث عن منفعته، فعندما يعلم أن الغاز يتمدد بالحرارة وينكمش بالبرودة لن يهتم، ولكن عندما نعلم أننا سنستخدم هذه النظرية في محرك السيارة سنتهم بكل تأكيد، وبالتالي العلم سيكون شيقًا عندما نعلم القصة وراءه وفيم يستخدم.

شرفشتاين يشرح الفيزياء

وحاول شرف تقديم المحتوى الذي رآه ينقص المناهج الدراسية عن طريق شرح المنفعة خلف النظريات العلمية، وبدأ الكتابة عبر صفحاته الشخصية على تطبيقات التواصل الاجتماعي، ولكنه رأى أن تفسير النظريات يحتاج شرحًا مطوّلًا، فلجأ لتدشين قناته على اليوتيوب في عام 2017.

ويقول شرف: “القصص وراء الفيزياء جميلة ولا أحد يرويها، فالعالم جاليليو واجه الانتقادات عندما قال، إننا لسنا مركز الكون، ونيوتن واجه الانتقادات أيضًا، ولكنهما فندوها بأطروحات فكرية واضحة، وهذه المناقشات تعلم الناس كيف تفكر، وما الطريقة المنهجية للتفكير، وكل هذا غائب عن جيلي وعن الأجيال التي تلتني، ولذلك أريد نقل تجربة هؤلاء العلماء للناس، لنتعلم كيف نفكر”.

كيف بدأت أولى خطوات شرفشتاين؟

بدأ شرف نشاطه عبر منصة اليوتيوب بنشر فيديوهات مفردة عن أكثر من موضوع قصير، ثم قرر أن تكون وفقًا لسلاسل علمية محددة، على سبيل المثال، سلسلة تشرح النظرية النسبية، وأخرى تشرح نظريات الكم، مشددًا على أنه لا يقدم علمًا شعبويًّا، بل كان عازمًا على أن يكون كل ما يقدمه علومًا متخصصة لكي يفهم الناس أشياءً جديدةً.

وقال شرف إنه يكاد يكون الوحيد الذي يضع معادلات فيزيائية في شرح فيديوهاته العلمية دون خوف من أن يقاطعه الناس لصعوبة المعادلات، لأنه يرى أن هذه المعادلات هي لغة الفيزياء الخاصة، مثل العربية والإنجليزية، بل بالعكس هي التي تشرح كل شيء.

كيف نجح شرفشتاين في تقديم مادة علمية بعيدة عن مجال دراسته؟

تخصص شرف في الكيمياء والكيمياء الحيوية، وحصل على شهادة الدكتوراه في البيولوجيا الجزيئية، إلا أنه يناقش الفيزياء في تسجيلاته، وعن ذلك يقول: “أحب الرياضة والفيزياء، ودرست الفيزياء في كلية العلوم فهي ليست علمًا غريبًا عني، فإنها شاملة لكل العلوم، فيمكن أن تفسر الفيزياء علم الكيمياء والبيولوجيا، ولكن العكس غير صحيح، وأنا باحث لدي الأدوات التي تجعلني قادرًا على فهم الفيزياء وشرحها للناس على نحو علمي صحيح”.

الدكتور محمد شرف

الدكتور محمد شرف

نفى شرف أن تكون فيديوهاته مجرد هواية، مشددًا على أنها فيديوهات علمية متخصصة جدًا، ولذلك يستغرق البحث لتنفيذ الفيديو الواحد ما يتجاوز شهرًا ونصف الشهر، واستشهد بسلسلة مكونات الكون التي قال إنها جمع معلومات من الوثائق والكتب، ودرس مراسلات العلماء بعضهم البعض، وقرأ مناقشاتهم العلمية، ليحصل على المعلومات من المصادر نفسها.

هل الهدف من الفيديوهات الربحية فقط؟

يعمل شرف 4 ساعات يوميًّا على الأقل لمدة شهر ونصف الشهر حتى يحصل على فيديو متكامل يمكن إتاحته للجمهور، وكل ذلك لهدف واحد أن تصبح هذه الفيديوهات مكتبة علمية للناس، فيطمح شرف أن تدرس مقاطعه المصورة كطريقة لمنهجية البحث يتبعها أي باحث في المستقبل.

ويقول مؤسس قناة شرفشتاين: “أشعر بالرضا عندما أرى ما أتركه للناس وهي مكتبة تصلح لأن تدرس بنفس منهجيتها وترتيبها في شرح النظريات العلمية، وأعلم أن فيديوهاتي تشاهد على المدى الطويل، فمن الممكن أن يشاهد أحدها 100 ألف شخص خلال شهر، ولا يفهمه، فيشاهد المحتويات العلمية الأخرى، ليعلم أن فيديوهاتي هي المتخصصة والجامعة لكل شيء، فيعود لها مجددًا، ولذلك مع الوقت تصبح مشاهدات فيديوهاتي بالملايين”.

هل لديك مخاوف تتعلق بعدم شعبوية المحتوى؟

شدد شرف على أن المجهود الحقيقي لا يضيع، فهو غير متخوف من تقديمه لمحتوى علمي متخصص غير شعبوي، فالجمهور لن يتركه، مشيرًا إلى تطوع بعض الباحثين للعمل معه في القناة، ولكنهم عندما علموا طريقة بحثه وصعوبة المحتوى ومستوى الجهد المبذول في الفيديو الواحد لم يستطيعوا إكمال المهمة، موضحًا أنه لن يتنازل عن المستوى الذي يقدمه للناس تحت أي ظرف.

وعن اختيار الموضوعات، قال شرف إنه يختار العلوم الأكاديمية، فيبدأ بشرح نظرية تلو الأخرى، مبتعدًا عن النظريات الجدلية، والطريقة التي يتبعها هي شرح النظرية من أساسها إلى ما وصلت إليه حتى وقتنا الحالي، موضحًا أن الشغف داخله تجاه كل نظرية هو ما يحركه خلال البحث عنها، وكشف عن أن الفيديوهات المقبلة ستكون عن الفيزياء الكهربية والديناميكا الحرارية.

كيف عرض شرفشتاين تفاصيل صور جيمس ويب؟

قدم شرف فيديوهات عن تليسكوب جيمس ويب الذي التقط مؤخرًا صورًا تكشف للمرة الأولى في التاريخ عن عمر الكون الذي يقول العلماء أنه يبلغ 13 مليار سنة، قبل أن تعرض هذه الصور بما يقرب من 6 أشهر، ولعلمه بأهمية هذا التليسكوب، فما كان من جمهور شرف إلا أن طالبه بشرح صور التليسكوب بعد إعلان ناسا عنها، وهو ما فعله في سلسلة فيديوهاته الأخيرة.

أوضح شرف أنه لكي نرى الضوء في الفضاء الخارجي نحتاج تليسكوب قويًّا يستطيع تجميع هذا الضوء والتقاطه، وفي هذه الحالة هو “جيمس ويب”، مشيرًا إلى أن ما شاهدناه في صورة الفضاء ليس شيئًا واحدًا، بل مجرات ونجوم كانت أمام عدسة التليسكوب، ومجرات ونجوم وراءها، ومجرات ونجوم عند العدسة، فرأينا أشياء كثيرةً جدًّا لأزمان مختلفة من عمر الأرض.

شرفشتاين يتحدث عن جيمس ويب

شرفشتاين يتحدث عن جيمس ويب

كيف فسر صور جيمس ويب؟

يقول شرف: “رأينا في صورة واحدة عدة أزمان لكوكب الأرض، فيوجد مجرات عمرها 13 مليار سنة، وأخرى لم تتجاوز 40 ألف سنة، وجميعها بجانب بعضها البعض، فنرى في زمننا الحاضر كل ما فات من أزمنة لم نعشها لعمر الأرض، وميزة تليسكوب جيمس ويب أنه التقط لنا هذه الصور بالأشعة تحت الحمراء”.

وأضاف “رؤية الإنسان ضعيفة، فبنطاق رؤيتنا الحالية كأننا لا نرى، فيوجد ضوء بالأشعة تحت الحمراء، والأشعة فوق البنفسجية، وأشعة الإكس والجاما، وكل ذلك لا نراه ولكن تراه التليسكوبات مثل تليسكوب جيمس ويب”.

لحظة خلق الكون

نفى شرف أن تكون صور جيمس ويب مفبركة كما ادعى البعض، مشيرًا إلى أن الصور التقطت بالأشعة الحمراء ولا يستطيع الإنسان رؤيتها، ولذلك غيّر التليسكوب الأطوال الموجية للصورة الحقيقية، وحولها لأطوال موجية أخرى يستطيع رؤيتها الانسان، فهذه الألوان قد تكون ليست الألوان الحقيقية لما يوجد في العالم الخارجي، ولكنها الألوان التي نستطيع رؤيتها بأعيننا.

صورة جيمس ويب للكون

صورة جيمس ويب للكون

وشدد على أننا لن نستطيع رؤية أبعد من ذلك عن الكون، قاصدًا بحديثه لحظة الانفجار العظيم أو ما يطلع عليه Big Bang Theory، قائلًا: “هذه اللحظة ستظل سرًّا من أسرار الكون، حكم علينا ألا نراها، وذلك لأن قوانين الفيزياء تشرح أن النور كان محبوسًا داخل الكون لمدة 380 ألف سنة دون أي حركة، فستظل هذه السنوات غامضة استحالة لنا أن نراها”.

هل العلم لا يخطئ؟

وبسؤاله عن تغير النظريات العلمية التي ربما تثبت وجود الضوء خلال 380 ألف سنة الغامضة في بداية عمر الكون، شرح شرف أن المنهجية العلمية حتى اللحظة الحالية تسير وفق نظريتين، الأولى هي النسبية التي تتعامل مع الأجسام الكبيرة مثل الكواكب، والثانية هي ميكانيكا الكم التي تتعامل مع الجسيمات الصغيرة مثل الذرة والإليكترون، فكل ما يوجد حولنا يفسر وفقًا لهاتين النظرتين.

وأوضح شرف أن النظريتين اتفقتا على عدم وجود الضوء خلال 380 سنة من بداية عمر الأرض، ولذلك لا نستطيع أن نراها أو نعلم ماذا حدث خلالها، ومع ذلك العلم لن يتوقف، فهو يتطور يوميًّا، وهدفه الأسمى تحويل نظريتي تفسير الكون إلى نظرية واحدة تكمن فيها الحقيقة المطلقة التي لن تتغير.

هل يوجد ما يسمى بالعوالم الموازية بالفعل؟

خلقت صور جيمس ويب بعض التساؤلات عند الناس، وعلى رأسها هل رؤيتنا لعدة أزمنة في صورة واحدة تعني وجود عوالم موازية على أرض الواقع؟ وعن ذلك قال شرف: “صور جيمس ويب لا تثبت وجود عوالم موازية، لأننا نرى من خلال الصور أكثر من زمن، ولكن لنفس الكون، الفترات الزمنية مختلفة، ولكنها متواترة وليست متكررة”.

وفرّق شرف بين العلم وفلسفة العلم وهما مختلفان، وفكرة الأكوان والعوالم الموازية تقع ضمن الأطروحات العلمية التي لا نستطيع إثبات وجودها، مشيرًا إلى أن احتمالية وجود كوكب مثل الأرض كبيرة وفقًا للعلماء، “ولكن كيف نثبت ذلك؟”

وشرح شرف أن الـMirror Image التي اكتشفها العلماء، أو وجود كل شيء وعكسه كان المفتاح لانطلاق فكرة وجود العوالم الموازية التي يوجد فيها لكل إنسان شخصيته المختلفة عن واقعه الحالي، فيصبح الطيب شريرًا في العالم الموازي والعكس، ولكن شرف شدد في الوقت ذاته على أن كل هذه النظريات فلسفة وخيالات علمية، على عكس حقيقة المادة والإليكترون، ولم يستطع أحد إثباتها حتى الآن.

كيف يرى شرفشتاين مصير الأرض خلال 55 عامًا؟

ناقش شرف أيضًا في فيديوهاته قضية الاحتباس الحراري التي تشغل الملايين حول العالم لخطورتها، مشيرًا إلى أن الاحتباس الحراري بدأ مع الثورة الصناعة وحرق الوقود الذي نتج عنه ثاني أكسيد الكربون، الذي بدوره يمتص الأشعة تحت الحمراء ويزيد من حرارة كوكب الأرض.

شدد شرف على أن السؤال الآن هو من سيسبق؟ هل ستسبقنا انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، أم نسبقها باتخاذ إجراءات تحدّ من هذه الانبعاثات، فالعالم يحاول التخلص منها، ولكن يجب أن يسبق، لأنه إذا استمر معدل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الحالي، ستتضرر الأرض خلال 50 سنة مقبلة، وسنشهد غرق مدن ساحلية كثيرة، وسنتجاوز مرحلة الخطر.

كيف يواجه التعليقات على تعارض العلم مع الدين؟

ربط البعض العلم بالدين مؤخرًا، خصوصًا خلال التعليق على صور تليسكوب جيمس ويب للفضاء، وقال شرف إنه يستقبل عديدًا من هذه التعليقات، سواء لأشخاص متدينة تهاجم العلم وتكفره، أو من يحاول إثبات عدم وجود الله من خلال فيديوهاته.

ويقول شرف: “كل شخص يرى الفيديوهات بأيدولوجية معينة، فيحاول أن يجعل أي معادلة ونظرية علمية تناسب أفكاره، وإضافة بعد ديني لها، ولكن الإيمان مكانه القلب، في حين العلم تجريبي، والدين ثابت، والعلم متغير، فلا يمكن ربط الأمرين بعضهما البعض”.

وأضاف: “لا أخاف من هذه التعليقات، بل أستمر في تقديم فيديوهاتي على نحو علمي بحت دون إضفاء أيدولوجيتي الخاصة عليها، وأعلم أنه لا يوجد شخص ستتفق عليه الناس، ولكنني أقدم العلم بالعلم، فالله تعالى أمرنا في كتابه الكريم بالتفكّر في كيفية بدء الخلق وأمرنا بالسعي، وأنا أفعل ذلك، سأظل أبحث وأسعى وراء الحقيقة”.

ربما يعجبك أيضا