فرص وتحديات.. لماذا لن تغادر فاجنر إفريقيا؟

آية سيد
لماذا لن تغادر فاجنر إفريقيا؟ فورين بوليسي تشرح الأسباب

تمثل فاجنر انعكاسًا للنظام الذي بناه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ولذلك لن يستطيع تفكيكها دون التأثير في نفوذ موسكو العالمي.


نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية تحليلًا عن مجموعة فاجنر العسكرية الروسية بعد محاولة تمرد قائدها، يفجيني بريجوجين، في يونيو الماضي.

وفي التحليل، أوضح المحلل المختص في سياسات روسيا وتركيا والدول الإفريقية، جون ليشنر، والقيادي السابق لمجموعة فاجنر في سوريا، مارات جابيدولين، أن فاجنر تمثل انعكاسًا للنظام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لذا لن يستطيع تفكيكها دون التأثير في نفوذ موسكو العالمي.

نظام بوتين

قال المحللان، في التحليل المنشور أمس الثلاثاء 8 أغسطس 2023، إن الفرص والتحديات التي خلقت فاجنر هي نفسها التي ستقيد رغبة الدولة الروسية وقدرتها على استبدالها.

وأوضح المحللان أن النظام الروسي عبارة عن مزيج من المؤسسات والأفراد المتنافسين الذي يصورون مشروعاتهم في إطار “مصالح” الدولة، لافتين إلى أن التوجيه من المركز، أي الكرملين، نادر.

لذا يتبع أصحاب المشروعات السياسية ما يعتقدون أنه جيد لروسيا وحساباتهم البنكية، لكنهم يواجهون خطر إساءة تفسير المركز، أو أن يعيد المركز تفسير مصالحه.

بداية فاجنر

بدأت مجموعة فاجنر في بداية الحرب في أوكرانيا، وأشار المحللان إلى أنه على الرغم من أن ضم القرم في 2014 كان بتوجيه من الكرملين، فالمرحلة الأولية من الحرب في دونباس لم تكن هكذا.

وعملت العناصر المتشددة داخل الحكومة الروسية لجر الكرملين إلى الصراع، ولم يكن بوتين مهتمًا بالضم، لذا اتجه الكرملين إلى خليط من الجنود غير النظاميين، والمتطوعين، والمرتزقة لتدعيم المليشيات المحلية.

نشأة المجموعة

في 2013، كان ضابط القوات الخاصة المتقاعد في مديرية المخابرات الرئيسة، ديمتري أوتكين، جزءًا من جماعة المرتزقة “الفيلق السلافي”، التي تعارضت مع جهاز الأمن الفيدرالي الروسي بسبب أفعالها في سوريا.

وبعد بضعة أشهر، كان يقود كتيبة عسكرية في أوكرانيا مكونة من المرتزقة السابقين في “الفيلق السلافي”. وحسب المحللين، هذه الكتيبة ستشكل الأساس لبريجوجين ووزارة الدفاع الروسية لتطوير شركة عسكرية خاصة، التي أصبحت فاجنر في ما بعد.

اقرأ أيضًا| ظهور نادر لأحد أفراد «فاجنر».. كيف يعمل جيش بوتين الخفي؟

وعمل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي لتنظيم الحكم في جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين غير المعترف بهما، في حين نظمت مديرية المخابرات الرئيسة، وجهّزت وحدات المليشيات، ونسقت الجهود المشتركة بين المرتزقة والمليشيات.

دور بريجوجين

احتاجت جمهورية لوهانسك الشعبية، حيث كانت كتيبة أوتكين نشطة، إلى المزيد من المرتزقة. ووفق المحللين، كان بريجوجين نشطًا في لوهانسك، وأدرك إمكانية إنشاء شركة عسكرية خاصة على الطراز الغربي في روسيا. وجلب بريجوجين ضباطًا رفيعي المستوى من مديرية المخابرات الرئيسة، كمستشارين غير رسميين للمشروع.

ونشأت فاجنر، في جوهرها، نتيجة حاجة حكومية، لكن بريجوجين وشبكات غير رسمية من مؤسسات الدولة، تولوا زمام المبادرة لتطويرها في المستقبل. وأشار المحللان إلى أن العلاقة بين فاجنر والدولة كانت معتمدة دائمًا على السياق السياسي.

تعزيز الدور

ضرب المحللان مثالًا بالدور الذي لعبته فاجنر في سوريا، كجزء من تدخل الجيش الروسي في 2016. وعملت شبكة فاجنر لدمج نفسها داخل بنية الأمن القومي لروسيا، التي كانت شبكة من جماعات المصلحة القوية. ووقعت المجموعة عقودًا مع حكومات أجنبية.

لكن بريجوجين أراد رواية لتصوير التعاقدات الخارجية على أنها تعزز “المصالح القومية” لروسيا. وفي 2017، اتجه إلى إفريقيا، حيث ينتشر استخدام المتعاقدين. وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، انفصلت فاجنر عن كل النماذج السابقة للشركات العسكرية الخاصة، بسبب الدبلوماسية.

وفي 2019، بحسب أشخاص مطلعين، حققت فاجنر وبريجوجين شخصيًّا انتصارًا آخر في السياسة الخارجية لروسيا، لأنهم جلبوا حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى و14 جماعة مسلحة معًا لتوقيع اتفاقية سلام، اتفاقية الخرطوم 2019، ورغم عدم استمرارها، لا يزال المجتمع الدولي يدعمها.

ترسيخ الوجود

بعد الانتخابات الرئاسية في جمهورية إفريقيا الوسطى في أواخر 2020، شكّلت 6 جماعات مسلحة من الموقعين على اتفاقية الخرطوم تحالفًا جديدًا “تحالف الوطنيين للتغيير”، وتقدمت باتجاه العاصمة بانجي. ووفق المحللين، اعتقد المتمردون أنهم سيطردون فاجنر، لكنهم عززوها أكثر.

وارتفع عدد المتعاقدين في جمهورية إفريقيا الوسطى من بضعة مئات إلى نحو 2000، وتحولت المهمة بالكامل إلى مكافحة التمرد.

ونتيجة لهذا، عادت معظم المدن الكبرى إلى سيطرة الحكومة وضعفت الجماعات المسلحة بدرجة كبيرة. وهذا عمّق علاقات فاجنر بالدولة، وخلق فرصًا اقتصادية لكليهما.

وقال المحللان إن فاجنر لم تعد قوة “يمكن إنكارها” للدولة الروسية في جمهورية إفريقيا الوسطى، بل كانت تمثل الدولة الروسية في جمهورية إفريقيا الوسطى.

الظروف العالمية

كان نجاح فاجنر بالخارج ممكنًا فقط بفضل ظروف عالمية معينة، وفق المحللين، لأن فاجنر صادفت اتجاهًا عالميًّا في خصخصة الحروب، وأزمة وجودية في مهام حفظ السلام الأممية، وتدخلات غربية فاشلة في إفريقيا.

وفي إفريقيا، تحوّلت فاجنر من كيان تدعمه الدولة إلى كيان يشبه الدولة، لكن في أوكرانيا، عقب الحرب، اضطر بريجوجين إلى التعامل مع المؤسسات نفسها والأشخاص الذين تحدوه في الماضي.

تمرد فاجنر

قال المحللان “عندما قطع أعداء بريجوجين إمكانية وصوله إلى بوتين، كان التمرد الناتج محاولة عنيفة لجذب انتباه بوتين والإطاحة بوزير الدفاع، سيرجي شويجو، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الروسي، الجنرال فاليري جيراسيموف. ونجح بريجوجين في الاجتماع ببوتين، لكن شويجو وجيراسيموف باقيان في مناصبهما”.

وعلى الرغم من نقل مقر فاجنر إلى بيلاروسيا، ستظل شبكتها كما هي. وفي أوكرانيا، ربما تحاول وزارة الدفاع الروسية إنشاء شركة عسكرية خاصة جديدة بقيادة عضو سابق في فاجنر، مثل أندريه تروشيف.

اقرأ أيضًا| بعد التمرد.. ما مصير إمبراطورية فاجنر في إفريقيا؟

لكن سيظل تروشيف داخل شبكة فاجنر، وعندما يصبح الوضع حرجًا على الجبهة، يمكن لبوتين أن ينشر رجال بريجوجين من بيلاروسيا دون تفسير.

مستقبل المقاتلين

بعد التمرد، عاد بعض مقاتلي فاجنر أدراجهم أو وقعوا عقودًا مع وزارة الدفاع، وليس من الواضح كيف سيؤثر تجنيد آلاف السجناء في تكوين فاجنر بعد انتهاء حرب أوكرانيا، لكن يظل القادة المهمون، مثل أوتكين وألكسندر كوزنيتسوف، الذين يمثلون الموهبة العسكرية لفاجنر، مع بريجوجين.

وفي سوريا، رأى المحللان أن أي محاولة من وزارة الدفاع الروسية لاستبدال وحدات فاجنر ستقلل الفاعلية القتالية. وستعمل فاجنر للحفاظ على أصولها في ليبيا والسودان. وفي إفريقيا، تحتاج الدولة الروسية إلى فاجنر أكثر من حاجة فاجنر إلى الدولة، لأن وجود وزارة الدفاع في إفريقيا يقتصر على ممثلين فرديين.

وختامًا، قال المحللان إن فاجنر تتطور وتتكيف سريعًا بناءً على الوضع والظروف. وفي ما يتعلق بالعمليات في إفريقيا، يمكن أن تقدم بيلاروسيا المعدات ودعم الدولة، وتحصل في المقابل على حصة في بعض المشروعات في إفريقيا وتعزز جيشها بالتدريب، وستواصل فاجنر مشروعاتها، وتصور جهودها على أنها تدعم المصالح القومية لبيلاروسيا.

ربما يعجبك أيضا