فرنسا ومعضلة التعامل مع المقاتلين الأجانب

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

يشكل “الجهاديون” العائدون من مناطق الصراعات هاجسًا أمنيًا يؤرق المسؤولين الفرنسيين الذين يرون في “العائدين” تهديدًا أمنيًا جديًا نظرًا لما عرفوه في سوريا والعراق ولآيديولوجيتهم الجهادية وللخبرات التي اكتسبوها في القتال، وتباينت مواقف الحكومة الفرنسية حول كيفية التعامل مع عودة المقاتلين الأجانب وذويهم. وأعتمدت الحكومة الفرنسية خطة جديدة في مواجهة الإرهاب وهي الضربات الاستباقية والوقائية ضد الخلايا الإرهابية من أجل تفكيكها.

أبرز المداهمات التي نفذتها أجهزة الاستخبارات الفرنسية

يوم 29 إبريل 2019: أعلنت النيابة العامة الفرنسية في باريس، اعتقال عدد من الأشخاص بشبهة التورط فى خطة للهجوم على قوات الأمن “في أجل قصير”، وذلك في إطار تحقيق مفتوح حول تشكيل “خلية إجرامية وإرهابية”.

وقال وزير الداخلية الفرنسية كريستوف كاستنر إن “أربعة أشخاص تم وضعهم قيد الاحتجاز في “ليفلوا ــ بيري، لتخطيطهم لهجوم ضد ضباط الشرطة، وذلك في إطار التحقيق من قبل النائب العام في باريس، بعد معلومات تلقاها من جهاز المخابرات الداخلية الفرنسية في قضية خلية إجرامية وإرهابية تخطط لأعمال عنف على المدى القصير، يحتمل أن يكون هدفهم قوات الأمن.

يوم 3 إبريل 2019: داهمت القوات الأمنية الفرنسية شابا يبلغ من العمر (21) عامًا، في منزل ذويه داخل إقليم “السين ومارن”. وكان يخطط لشن هجوم إرهابي على رياض أطفال ورجال الأمن في فرنسا، ثم أعتقلته واعترف الشاب بالتخطيط لهذه لهجمات وفقا لـ”روسيااليوم”.

يوم 7 نوفمبر 2019: أوقفت أجهزة الأمن الفرنسية شابًا سوريًا البالغ (19) عامًا من عمره، إلى جانب ستة أشخاص آخرين، يعتقد المحققون أنهم خططوا لشن هجوم في غرب فرنسا. وتم العثور، أثناء تفتيش منزله، على أسلحة ومواد فيديو تكشف “مبايعته” لتنظيم “داعش” وفقا لـ”روسيااليوم”.

عمليات الاعتقال هذه التي تنفذها أجهزة الشرطة، والإستخبارات تعتبر نقلة نوعية في عمل الاستخبارات الفرنسية، بالانتقال من صد الهجمات وردود الأفعال، إلى إجراءات استباقية ووقائية بضرب خلايا تنظيم داعش وتفكيكها.

الضربات الاستباقية مؤشر إيجابي يعكس قدرة أجهزة فرنسا بتعقب المطلوبين وتنفيذ عمليات إلقاء القبض وفق معلومات استخبارية.

المقاتلون الأجانب الفرنسيون في سوريا والعراق

كشف  تقرير  صادر من الحكومة الفرنسية أنه لقي قرابة ( 300 ) مسلح فرنسي مصرعهم في العراق وسوريا، بينهم (12) امرأة، وأن (256) شخصًا عادوا إلى فرنسا بعدما انضموا إلى صفوف تنظيم داعش، يضاف إليهم ( 78) قاصر، ونحو (1700) فرنسي توجهوا إلى مناطق المسلحين، في العراق وسوريا، ولا يزال (730) شخصًا و(500) طفل في المنطقة المذكورة، وذكرتقرير فرنسي آخر في ديسمبر 2017 أن هناك (80) رغبوا في السفر أو حاولوا السفر، وتم إيقافهم في فرنسا أو على طريق السفر في سوريا، و(690) يتواجدون حاليًا في سوريا والعراق، منهم (295) امرأة، وإجمالي القُصَّر ما بين (400) و(500) بينهم، وثمة (173) في طريقهم للعودة،إجمالي 465 قضية مطروحة أمام المحاكم تخص 1469 من الأشخاص.

التعاون الأمني بين فرنسا وسوريا والعراق

صرحت وزارة الخارجية الفرنسية أن القوات الكردية التي تقاتل تنظيم “داعش” في شمال شرق سوريا أوقفت حوالي (100) “جهادي” فرنسي، وإنهم سيحاكمون من قبل السلطات القضائية المحلية، ولن يرحلوا إلى فرنسا، ولكن  من الممكن إعادة أولادهم وحدهم إلى فرنسا عبر الصليب الأحمر، وأوضحت أنه في  حالة سوريا فإن الجهاديين الفرنسيين سيكونون تحت سلطة “قوات سوريا الديمقراطية”.

كشفت وزارة الدفاع الفرنسية أن فرنسا لن تغادر سوريا والعراق بعد القضاء على تنظيم “داعش” مشيرة إلى هذه المنطقة ستمثل خطرًا محتملا في المستقبل المنظور، كما يجب التعاون الأمني مع العراق وسوريا لدحر تنظيم داعش الإرهابي، وأعلن الفريق الركن “عبد الغني الأسدي” قائد قوات مكافحة الإرهاب العراقية لباري ماتش في يونيو 2017 أنهم لديهم اتفاق ضمني مع الفرنسيين (..) لنتجنب قدر الإمكان أن يخرج فرنسي حيا من الموصل”.

موقف الحكومة الفرنسية من عودة المقاتلين الأجانب وعائلاتهم

أعلنت  الحكومة الفرنسية في فبراير 2018 أن الحكومة الفرنسية “ستتدخل” في حال حكم على “جهاديين” فرنسيين بالإعدام في سوريا أو في العراق، وفي ما يتعلق بالموقوفين في العراق حيث تطبق عقوبة الإعدام، فإن فرنسا ستؤكد معارضتها لأي حكم يؤدي إلى العقوبة القصوى.

أوضح “بنجامين غريفو “الناطق باسم الحكومة الفرنسية فى يناير 2018 أن “الجهاديات” الفرنسيات اللواتي أوقفن في “كردستان السورية” ستتم “محاكمتهن هناك”، إذا كانت “المؤسسات القضائية قادرة على ضمان محاكمة عادلة” لهن مع احترام حقوق الدفاع، وأكد أنه  يجب ضمان الدفاع للمواطنات الفرنسيات في الخارج”،و يخضع كل من يتم القبض عليه في العراق،  من المقاتلين الفرنسيين وزوجاتهم للمحاكمة حيث يواجهون احتمال عقوبة الإعدام “.

تقول “فلورانس بارلي” وزيرة الجيوش الفرنسية  إنه يجب “القضاء على أكبر عدد من الجهاديين” وأنهم “إذا قضوا في المعارك (…) فهذا أفضل” وعلقت وزارة الخارجية  عن موقفها من الأسر الفرنسية فى سوريا  قائلة إن “أولويتنا اليوم هي تحقيق النصر التام على داعش،و أكدت وزارة الخارجية الفرنسية ، أن مقاتلي تنظيم “داعش”  من الفرنسيين المسجونين في العراق سيحاكمون في هذا البلد في حين ستعالج حالات الأطفال من بينهم كل حالة بشكل منفصل.

طالبت منظمات حقوقية، بأن يخضع الفرنسيون الجهاديون الموقوفون في سوريا والعراق إلى محاكمة عادلة في فرنسا، وذلك ردا على موقف الحكومة الفرنسية التي أعلنت في أنه ستتم محاكمة الأشخاص الذين أوقفتهم القوات الكردية في سوريا هناك، وأضاف بيان الاتحاد والرابطة الفرنسية أن “دولة القانون تتطلب خصوصا أن يتمكن كل فرد من أن يحاكم أمام محكمة مستقلة ومحايدة تحترم فيها حقوق الدفاع ، كما يجب أن يستفيدوا بالفعل من محاكمة عادلة بغض النظر عن الأفعال المنسوبة إليهم.

التوصيات

منذ عام 2015 وموجات الإرهاب تضرب أوروبا، رغم حالة الإنذار والتأهب، ربما حل المشكلة لا تكمن بنشر القوات على الأرض، بقدر ما يتعلق بضرورة تعزيز العمل الاستخباراتي: جمع المعلومات حول المطلوبين والقدرة على تصنيفهم حسب درجة خطورتهم. ان تصنيف العناصر الخطرة حسب خطورتها، يوفر الكثير من الجهود والكلف لاجهزة الإستخبارات، التصنيف الدقيق، يعني تحديد مصادر التهديدات.

ما تحتاجه فرنسا في الوقت الحاضر، هو إيجاد برامج خاصة في محاربة التطرف تحديدًا، وردع التطرف داخل أوروبا، فمازالت هناك مساجد وبيوتات ومراكز تدار من قبل “أئمة التطرف” تدعو إلى عدم الاندماج الاجتماعي وإلى رفض التعايش السلمي ورفض البرامج الحكومية.

يبقى التعاون الاستخباري ما بين مجمع الاستخبارات الفرنسية داخليا وكذلك مع دول أوروبا ومع الدول التي تواجه الإرهاب في معاقله مطلوبًا. تبقى مقولة “لا يوجد أمن مطلق” هي السائدة في مشهد الأمن في فرنسا، وهذا يعني أن حالة التأهب وإعلان التحذيرات سوف تبقى مستمرة .

ربما يعجبك أيضا