في تونس.. “عتيق” أكثر من مجرد اسم

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

قبل 173 عاما، سبقت تونس الولايات المتحدة وبعض بلدان أوروبا، إلى إلغاء العبودية، تحت شعارات إصلاحية كالحرية والمساواة، والآن عاد الجدل حول جذور العبودية الباقية في المجتمع، والتمييز العنصري الذي يتعرض له أحفاد العتقاء، الذي دفعهم لرفع دعاوى قضائية لتغيير أسمائهم، إلا أن القضاء أيضا وقف عاجزا أمام مشكلتهم.

تونس تاريخيا كانت مركزا لتجارة الرقيق، ونقلهم إلى أوروبا، وكان من الطبيعي أن تجد فيها أسواق للعبيد وسط العاصمة، إلى أن جاء أحمد باشا باي، وأصدر أمرا في ديسمبر من العام 1846 بتحرير كل العبيد وإلغاء تجارة الرق نهائيا، وذلك بمصادقة من مشايخ الزيتونة، ودفعا للضرر الواقع على هؤلاء الرقيق.

ألغيت العبودية وبقيت الوصمة
في بداية الأمر واجه القرار معارضة شديدة من الشرائح العليا بالمجتمع، فقرر أحمد باشا توقيع غرامات مالية على المخالفين للقرار، وأتاح لمن تعرض للاسترقاق أن يرفع مظلمة للحاكم للحصول على حقوقه، وبالتدريح وبمساندة من المشايخ والعلماء تقبل المجتمع الأمر وتطوعت العائلات الكبرى لعتق ما لديها من عبيد.

وقتها كان العبيد يصنفون إلى قسمين، فئة الرقيق الأبيض وأغلبهم أوروبيين وقع اختطافه عن طريق قراصنة، وكانوا يباعون في أسواق الرقيق، لكن أغلبهم كان يعمل بمؤسسات الحكم والقصر الملكي، ما أتاح الفرصة لبعضهم بالارتقاء إلى رتب عليا، لا سيما بعد قرار إلغاء العبودية.

القسم الثاني، هم فئة العبيد أصحاب البشرة السمراء، ويعود حضورهم في تونس إلى القرن الخامس عشر، وغالبا ما كانت تخصص هذه الفئة للعمل في الأعمال الزراعيّة أو المنزلية،  أحفاد هذه الفئة يريدون اليوم القطع من تاريخ أجدادهم فلماذا؟

عندما قررت بعض العائلات التونسية عتق ما لديها من عبيد، منحتهم لقبها، إلا أن هذه لم تكن مكرمة، بل كانت وصمة تحمل تميزا عنصريا، إذ جعلت اللقب مسبوقا باسم “عتيق”، يقول كريم حمدان عتيق دالي، -في وثائقي لـ”فرانس 24”- كل شخص يسمع لقب عائلتي يعرف فورا خلفيته التاريخية وما يرمز له من عبودية.

وأضاف فضلا عن التمييز العنصري الذي يحمله اسم “عتيق”، فهو يمثل مشكلة عند الحاجة لإنجاز بعض المعاملات الرسمية، إذ يظن البعض أن اسم “عتيق” هو اسم الجد فقط، فحين أن اسمه هو “عتيق دالي” أي مركب، وعندما حاولت تغيير لقبي بحذف كلمة عتيق والإبقاء على دالي -اسم العائلة التي حررت جدي قبل نحو 200 عام- تم رفض الطلب لإلغاء المؤسسات المعنية بالنظر في هذا النوع من القضايا المتعلقة بحقبة العبودية.

هل القضاء يمكنه تحرير “عتيق”؟

تقول صبرا المنصر، معدة الوثائقي: كريم واحد من كثيرين يحملون لقب “عتيق”، وينتشرون في تونس خاصة في مناطق الجنوب الشرقي، ومطلبهم بالتخلص من هذا اللقب اصطدم بعائق قانوني، فقديما وبحسب قانون يعود للعام 1964، يجوز للشخص تغيير اسمه أو لقبه، إذا لم يكن اسما عربيا أو مغاربيا، وإن كان الاسم محل التباس أو سخرية، وحديثا وبعد ثورة 2011 أصبح تغيير اللقب يرضخ لأوامر خاصة تصدر عن رئيس الحكومة بطلب من وزير العدل وبناء على قانون1964.

وأضافت وزارة العدل أخيرا بعد 2011 أولت هذا القانون، لتعتبر أن كلمة عتيق لا تتضمن إيحاءات قد تدل على السخرية، وبالتالي بات صعبا تغيير ألقاب أحفاد “العتقاء”، إلا بتدخل من رئيس الحكومة، فبحسب وزارة العدل، يمكن لأي مواطن تغيير لقبه أو اسمه، بموجب قرار من رئيس الحكومة يأتي بناء على توصية منها ترى فيها أن هذا الأسم يحمل سخرية أو تميزا عنصريا.

تتابع رغم ذلك، إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة البعض يعتبر قضايا مثل جذور العبودية والتميز العنصري في تونس، من المسكوت عنه، والحديث عنه من المحرمات، بل أن البعض يعتبر أن الوقت غير مناسب لإثارة مثل هذه القضايا، وسط حالة الانقسام السياسي التي تعيشها البلد في الوقت الراهن قبيل الانتخابات الرئاسية.

إلى ذلك يؤكد تقرير نشرته أخيرا “franceinfo”، أن تونس تشهد الآن عودة لشكل من أشكال الرق والتميز العنصري ضد المهاجرات من جنوب الصحراء الكبرى تحديدا من ساحل العاج، والكاميرون ونيجيريا، إذ يقدمن إلى البلاد وفق وعود من مهربين بالحصول على وظيفة لائقة، لكن بمجرد وصولهم المطار يتم تسليمهم لعائلات تعزلهم عن العالم وتستغلهم في خدمة المنازل، والجزء الأكثر ظلمة في قصصهم يتعلق بمن قدموا إلى تونس بشكل غير رسمي أملا في الهروب إلى أوروبا، فهؤلاء يتم استغلالهم من قبل المهربين وبيعهم لبعض الأثرياء.

ربما يعجبك أيضا