في حرب العملات.. الجميع قد يرفع الراية البيضاء

حسام عيد – محلل اقتصادي

فصل جديد من التوترات التي تفرض معطيات مختلفة على الأسواق والأوساط الاقتصادية في العالم، فالرئيس الأمريكي الذي بدأ حربًا تجارية ضد كل شركاء أمريكا التقليديين صعد بشكل كبير ضد القطب الثاني الأكبر بالعالم، الصين.

مجموعة من الرسوم الجمركية التي فرضت على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية انتهت بجولة أخيرة شملت كل الصادرات.

حرب اتفق خبراء الاقتصاد بالعالم على تداعياتها السلبية الخطيرة والتي ستطال الجميع، واليوم ما أقدمت عليه الصين بتخفيضها لعملتها اليوان مقابل الدولار يؤكد أن العالم مقبل على نمط شرس جديد من الحرب التجارية، وهي حرب العملات.

ماذا تعني حرب العملات؟

تسعى كثير من الدول لتحفيز اقتصادها، لذا تلجأ لبعض الوسائل منها تخفيض قيمة العملة كي تمنح منتجاتها ميزة تنافسية ، ومما يعطي الأمر وصف “الحرب” هو تدافع عدد كبير من الدول لإتباع نفس السياسة في وقت واحد.

إنه تحرك ضد قوى السوق التي من المفترض أن تكون هي المحدد الرئيس للعرض والطلب، لكن بدلًا من ذلك تتحرك الدول لخفض العملة لدعم الصادرات ومن ثم دعم الصناعات وتشغيل المزيد من العمال على حساب دول أخرى.

ويعد المثال الأشهر لحرب العملات كان خلال ثلاثينيات القرن الماضي بسبب الكساد الكبير الذي ضرب الولايات المتحدة، وتخلي العديد من الدول عن معيار الذهب الذي كان يحدد قيمة العملة.

وكان الهدف تخفيض أسعار صرف تلك العملات وهو ما دعا الشركاء التجاريين لتحرك مماثل، وهو ما أثر سلبًا على حركة التجارة بشكل عام وخفض معدلاتها.

وخلال السنوات الأخيرة عانت الدول الناشئة مرتين: أولهما ارتفاع أسعار صرف عملاتها مع اطلاق التيسير الكمي الأمريكي ومنعها من تعظيم الإستفادة من الصادرات، وعكس الأمر حاليا بتراجع أسعار الصرف لعملاتها لكن ذلك لا يبدو ناجعاً مع ضعف النمو وتباطؤ الطلب العالمي.

أزمة صدرتها أمريكا

بعد أزمة مالية طاحنة كالتي انتقلت شرارتها الأولى من أمريكا إلى العالم 2007-2008 تحرك البنك الفيدرالي لدعم اقتصاد بلاده، لكن في المقابل صدر للعالم أزمته.

في ذلك الوقت عمد وزير الخزانة الأمريكي “تيموثي جايتنر” في معظم المناسبات واللقاءات إلى الضغط على الصين التي تبقى عملتها مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية، واعطاء مصدريها ميزة تنافسية ومنح سوق العمل مزيدًا من الوظائف على حساب الولايات المتحدة.

واليوم العالم مهدد بدفع فاتورة “الأزمة” التي صنعتها الولايات المتحدة، فالجميع مرتبط بشكل أو آخر مع الدولار الأمريكي لا سيما في سوق السندات التي تستثمر البنوك المركزية جانبا كبيرا من احتياطياتها داخله.

الطرق والآليات

يمكن خفض قيمة العملة عبر عدة طرق وآليات منها:

– التدخل المباشر؛ وهي طريقة تقليدية تقوم بها البنوك المركزية عن طريق بيع العملة المحلية وشراء نظيرتها الأجنبية، مما يساهم في خفض قيمة الأولى.

– توظيف معدل الفائدة؛ يساهم خفض معدل الفائدة في الضغط على العملة المحلية والتخلي عنها نظرًا لأنها لا تشجع الاقتراض بها أو تكون بمثابة أموال رخيصة لا تعطي صاحبها ميزة.

– التيسير الكمي؛ أداة شهيرة وظفها البنك المركزي الأمريكي عن طريق شراء الديون والسندات السيادية وغيرها من الأصول مقابل ضخ سيولة.

تخفيض اليوان سلاح الصين

الصين التي كانت تقوم في السنوات الأخيرة بالمحافظة على سعر اليوان، تركت هذه المرة عملتها المحلية لتتراجع ما دون 7 يوان للدولار الواحد، وهي المرة الأولى التي تلامس فيها هذه المستويات منذ الأزمة المالية العالمية (منذ 11 عامًا)، وهو مستوى يعتبره بعض المتعاملين في السوق مستوى “نفسيًا”.

أمر دفع بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلان الصين متلاعبة بالعملة، وهو أمر سيؤدي إلى إضعاف الصين مع مرور الوقت.

ويأتي القرار الأمريكي بتصنيف الصين متلاعبًا بالعملة بعد أقل من ثلاثة أسابيع على إعلان صندوق النقد الدولي أن قيمة اليوان تتماشى مع العوامل الاقتصادية الأساسية للصين بينما يزيد الدولار الأمريكي عن قيمته الفعلية بنسبة بين ستة و12%.

خطوة تخفيض الصين لعملتها المحلية “اليوان”؛ فُسرت بأنها محاولة لتخفيف الضغط الذي تشكله الرسوم الجمركية وأيضا قامت بإيقاف شراء المنتجات الزراعية الأمريكية.

بكين لجأت إلى تفعيل أسلحتها لمواجهة تهديدات ترامب، لكن بعض هذه الأسلحة قد لا تكون في صالح الصين نفسها، فتخفيض العملة قد يهز الثقة بالاقتصاد ويؤدي إلى هروب رؤوس الأموال.

حرب العملات تحدث عادة عندما تشتري دولة عملات أخرى على نطاق واسع، كالدولار على سبيل المثال، من أجل الحفاظ على نقدها بمعدل منخفض للغاية، وبالتالي تعزيز القدرة التنافسية لصادراتها. وفي هذه العملية، تتفاعل الدول الأخرى من خلال تقليدها، فينجر العالم إلى دوامة من التخفيضات التنافسية التي لا يكون فيها فائز.

ربما يعجبك أيضا