إذا بلغ “الحُصري” جزء الذاريات في المصحف المرتل لإذاعة القرآن الكريم فاجلس وأنصت، وخاصة سورة الرحمن فهو أشدُّ ما يكون من الإبداع. وإذا بلغ “مصطفى إسماعيل” جزء قد سمع فلا تحرّك ساكنًا فأنت على وشك الإقلاع، وإذا بلغ “عبد الباسط عبد الصمد” سورة يوسف ثم الرعد فإبراهيم فالزم مكانك؛ فالشيخ على وشْك أن يحكي الآيات وكأنك تراها رؤيا العين، أما إذا بلغ “البنا” سورة الأعراف فالزم الصمت؛ فكأنما عاش القصة لحظة بلحظة ويقص عليك ما حدث. أما إذا افتتح المنشاوي مُصحفه المرتل فأنصتْ حتى تنتهي الخَتْمة؛ فالقلب يكاد يخرج من مكانه!!
في أسرة عريقة اشتهرت بتلاوة وتجويد القرآن الكريم، خرج الشيخ “محمد صديق المنشاوى”، ليكون واحدًا من عمالقة القرّاء في مصر والعالم العربي، حيث نشأ في أسرة قرآنية عريقة؛ فوالده الشيخ صديق المنشاوي، وشقيقه الشيخ محمود صديق المنشاوي عَلَمان من أعلام دولة التلاوة المصرية.
للشيخ المنشاوي تسجيل كامل للقرآن الكريم مرتلًا، وله أيضًا العديد من التسجيلات في المسجد الأقصى و الكويت و سوريا و ليبيا وغيرها، كما سجل ختمة قرآنية مجودة بالإذاعة، وله كذلك قراءة مشتركة برواية الدوري مع القارئين كامل يوسفالبهتيمي وفؤاد العروسي.
وقد تميَّزت تلاوات وحفلات المنشاوي بالتَّنويع في القِراءات القرآنيَّة؛ فأنت تَسمعُه يتلو آيةً بقراءة أحد الأئمَّة السَّبعة أو العشرة، مثلاً يقرأ برواية الدّوري ثم يُتْبِعها برواية السّوسي – وكلاهُما راويا الإمام أبي عمرو البصري – أو ورش وقالون عن نافع، أو يتلو آيةً واحدة بكل القِراءات قراءة بعد أخرى؛ حتَّى يتمكَّن المستمع من استيعاب المعنى، وتارةً يَجمع في آية واحدة كلّ القِراءات الواردة في الآية، لا سيما أصول الأئمَّة المختلفة، مثل تلاوة سورة الإسراء المشْهورة في المسجِد الأقصى، وسورة التوبة بالمسجِد الأموي، وكذلك أواخر سورة المؤمنون.
وفي مثل هذا اليوم (20 يونيو) من عام 1969 رحل عن دنيانا الشيخ المنشاوي عن عمر ناهز 49 عامًا؛ تاركًا إرثًا قرآنيًا ومصحفًا مرتلًا كاملًا ومُصحفًا مُعلِّمًا، ورغم هذا العمر الذي يبدو قصيرًا للكثيرين، بيد أنه لا يزال له أثرٌ باقٍ حتى الآن؛ بل إلى أن يقال للشيخ يوم القيامة (اقرأ وارتقِ ورتِّلْ كَمَا كُنتَ تُرتِّلُ في الدنيا..).
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=331695