كورونا يعزل العالم عن أبرز القضايا الدولية

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

بعد تفشي وباء كورونا المستجد في العديد من دول العالم، أُبعدت قضايا أخرى ذات أولوية عن الأجندات المعتادة لوسائل الإعلام، فأصبحت على هامش الأحداث اليومية بشكل يصعب معها التعامل في وقت لاحق، في وقت تسعى فيه بعض الحكومات لاستغلال التشتت الذي أثاره الوباء لتحقيق طموحات طويلة الأمد، وعلى رأس هذه القضايا سباق التسلح والتوتر النووي مع إيران وعمليات الضم في المناطق المحتلة وتغير المناخ.

سباق التسلح النووي

في خضم الإلهاء الدولي بجائحة كورونا، بدأ الوقت ينفد بشأن تجديد معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية الجديدة أو “نيوستارت” التي تحد من الترسانات النووية بعيدة المدى، والتي من المقرر انتهائها في أوائل فبراير من العام المقبل.

وتعد هذه الاتفاقية آخر الاتفاقيات الكبرى للحد من الأسلحة الموروثة من الحرب الباردة، وبدون هذه المعاهدة توجد مخاوف حقيقية من أن يؤدي غياب القيود وانعدام الشفافية إلى سباق تسلح نووي جديد بين الولايات المتحدة وروسيا.

روسيا مستعدة لتجديد الاتفاقية التي سيكون تجديدها بسيطًا من الناحية الإجرائية، إلا أن إدارة ترامب تبدو مصممة على التخلي عن معاهدة نيوستارت ما لم تتمكن من توسيعها لتشمل الصين.

في المقابل، ليس هناك أدنى اهتمام في بكين بالانضمام لهذه المعاهدة، ومع التوترات الأخيرة التي فرضتها تبعات كورونا بين بكين وواشنطن فقد فات الأوان على صياغة وثيقة جديدة شاملة.

ومن ثم فإذا لم يكن هناك تغيير في الموقف الأمريكي الحالي أو إدارة جديدة في واشنطن، فإن معاهدة نيوستارت سوف تصبح تاريخًا ماضيًا، الأمر الذي قد يفتح المجال لسباق تسلح نووي قد يتبعه مخاطر كبرى.

التصعيد مع إيران

مع تجاهل ملف الخلاف الأوروبي على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، فمن المرجح أن تتحول الأمور إلى الأسوأ؛ لأنه بموجب تأييد الأمم المتحدة للاتفاقية التي وقعتها إيران مع الدول الكبرى في 2015 للحد من أنشطتها النووي، فمن المرتقب أن ينتهي حظر بيع الأسلحة المتطورة إلى طهران.

من جانبه، حذر الرئيس الإيراني حسن روحاني من عواقب وخيمة إذا ما تمكنت الولايات المتحدة من تجديد الحظر، في قوت تعاني فيه إدارة ترامب من كوارث داخلية بسبب تفشي كورونا في الولايات المتحدة بعد تفاقم عدد الإصابات والوفيات.

ورغم ذلك، هناك فرصة ضئيلة لموافقة روسيا على تمديد حظر الأسلحة، وفي هذه الحالة، يريد ترامب من الأوروبيين التذرع بآلية في الاتفاق النووي تُعيد فرض عقوبات اقتصادية أوسع نطاقا ضد إيران (وهي العقوبات نفسها التي تم رفعها إلى حد كبير في أعقاب الاتفاقية).

وتعد هذه المناورة من قبل ترامب أقل شيء قامت به الإدارة الأمريكية، فقد انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وسعت منذ ذلك الحين إلى تصعيد الضغط على طهران.

ومن المرتقب أن تتفاقم التوترات بين إيران والولايات المتحدة، وبين الأخيرة وحلفائها الأوروبيين في وقت لا يؤثر حظر الأسلحة على تغيير سلوك إيران الإقليمي أو قدرتها على تسليح وكلائها في الشرق الأوسط.

عمليات الضم تستعر

مع احتفاظ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بمنصبه بعد تقاسم السلطة مع أحد أحزاب المعارضة، فإن أجندته القومية المثيرة للجدل في ضم مناطق الضفة الغربية لجعلها جزءًا من إسرائيل، سيقوض أي إمكانية لفرصة “حل الدولتين”.

ورغم احتجاج الفلسطينيين على هذه الخطوة، ومطالبة العديد من حكومات أوروبا بتوخي الحذر وإمكانية فرض عقوبات محتملة إذا مضت حكومة الاحتلال في هذه السياسة، فلا شك أن انشغال العالم بجائحة كورونا سيفتح المجال أمام الاحتلال للمضي قدمًا في ضم المناطق المحتلة مستغلة تداعيات الفيروس التاجي على دول العالم.

وبالنسبة لموقف الإدارة الأمريكية، فهو يتسم بالغموض مع اقتراح الإدارة الأمريكية بأنها ستربط دعمها لضم مناطق في الضفة الغربية بموافقة إسرائيل على التفاوض بشأن دولة فلسطينية، والتي قد تشهد مرحلة صعبة في ظل التحذيرات الفلسطينية والأردنية والأوروبية من عمليات الضم التي تسعى لها إسرائيل وتسعي لتنفيذها بداية من يوليو القادم، وأكد عليها نتنياهو في تصريحاته اليوم.

تغير المناخ

كان من المفترض أن يكون عام 2020 حاسمًا بالنسبة للمناخ، بيد أن ظاهرة الاحتباس الحراري تراجعت إلى المرتبة الثانية في الاهتمام العالمي بسبب جائحة فيروس كورونا، التي قد تساهم بشكل أو بآخر في مكافحة تغير المناخ والتدهور البيئي.

بسبب الفيروس المستجد، تم تأجيل العديد من الأحداث الدولية، ومن بينها مؤتمر الأمم المتحدة الدولي السادس والعشرين بشأن تغير المناخ، المقرر عقده في شهر نوفمبر 2020، في غلاسكو في اسكتلندا، إلى عام 2021.

ويكمن التحدي في إعادة إطلاق الاقتصاد المتوافق أهداف السياسة الخاصة بتغير المناخ والتنمية المستدامة، في وقت لا يعول فيه كثيرًا على الحكومات لأن أولويتها إحياء الاقتصاد، لتقع المسؤولية على عاتق المجتمع المدني وحركات حماية المناخ لإسماع أصواتهم.

ولعل أعظم درس يستفاد من “كوفيد19” هو “الحيطة”، فقد أظهرت جائحة كورونا أن الديمقراطيات مستعدة لاتخاذ إجراءات مشددة للغاية عندما تكون حماية السكان على المحك.

ربما يعجبك أيضا