كورونا ينسف حصون الرأسمالية ويهدم أسطورة القطب الأوحد

كتبت – علياء عصام الدين

عرى الفيروس التاجي كثيرًا من القوى الدولية وكشف عن هشاشتها وخوائها ومن المتوقع حسب المراقبين أن يتسبب الفيروس العالمي القاتل في تغيير موازين القوى الدولية، حيث برهن على أن أسطورة القطب الأوحد الأول والأخير، أسطورة خاوية، لا سيما بعد أن زلزل دولًا كبرى تبكي خسائرها المتتالية.
تمكن الفيروس التاجي أن يوجه صفعة للنظام الرأسمالي ليدفع به إلى ردة اقتصادية كبرى، حيث أجبر الوباء القوى الرأسمالية على العودة للوراء وتوجيه المنتجين نحو إنتاج سلع محددة للتحكم في عوامل الإنتاج الأمر الذي يشكك في قدرة النظام الرأسمالي على الاستمرار في مواجهة التحديات القادمة.

وبعد أن أعلن صندوق النقد الدولي دخول العالم في أسوأ حالة ركود منذ 2008 سارع الصندوق لتدشين منصة لمتابعة تداعيات تفشي الوباء العالمي لا سيما على الأوضاع الاقتصادية التي باتت عند مفترق طرق وتنذر بتحولات هائلة في العالم.

تداعي قلعة الرأسمالية

كشفت الأزمة المالية عن هشاشة قلعة الرأسمالية وقطبها الأول والمتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية حيث ألزمتها الأزمة التدخل لتوجيه السوق، فقام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإلزام شركات السيارات نحو إنتاج أجهزة التنفس الاصطناعي بغية إنقاذ مرضى كورونا بعد أن تفاقمت أعداد المصابين بشكل كبير.
 وجهت فرنسا هي الأخرى شركات السيارات الكبرى مثل بيجو وستروين وأوبل لإنتاج الأجهزة الطبية لإنعاش المرضى.
كما أعلن أشهر مصنع لأجهزة التنفس “ميدترونك” عن إسقاط حقوق الملكية الخاصة بالأجهزة التي تملكها ومشاركة التصميمات مع الدول للبدء في تصنيعها في محاولة لحل الأزمة، الأمر الذي جعل كثيرًا من مبادئ الرأسمالية التي تضمن حقوق الملكية تتداعى هي الأخرى.
هُرعت الكثير من الدول التي كانت قلاعًا حصينة للنظام الرأسمالي إلى التغاضي عن مبادئ حرية التجارة، حيث قامت مجبرة بغلق كثير من الطرق لسد فجوات السوق وتلبية احتياجات شعوبها في المقام الأول، ففرضت قيودًا على التصدير وباتت الأزمة ذات سُلطة قاهرة فرضت نفسها على طبيعة وشكل التعاقدات التجارية الكبرى.
وبسبب استمرار حالة الركود قدرت منظمة العمل الدولية حجم الوظائف التي سيفقدها العالم بنحو 25 مليون وظيفة مرشحة للارتفاع.
وتوقع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد” ضغطًا تنازليًا بنسبة 30 % إلى 40 % على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، كما توقع الاتحاد الدولي للاتصالات أن ينقطع 3.6 مليار شخص عن الإنترنت، فضلًا عن تسرب 1.5 مليار طالب من المدارس.
كل هذه التحولات انعكست على شكل التعامل العالمي وطريقته وخلقت نماذج جديدة مختلفة لم نعرفها من قبل.

قرصنة البضائع

فاقمت أزمة كورونا من الردة الاقتصادية للنظام الرأسمالي إذ أظهرت نوعًا جديدًا من القرصنة والمناوشات بين الدول لا سيما حول الشحنات الأكثر أهمية الخاصة بالكمامات والمعدات الطبية.
فقام النظام التركي على سبيل المثال بالاستيلاء على شحنة أجهزة التنفس الصناعي القادمة من الصين إلى إسبانيا وتكرر هذا السيناريو في عدد كبير من الدول بحجة التشريعات الطارئة التي تمنع تصدير المعدات واللوازم الطبية على أراضي تلك الدول.
فقد جعلت الأزمة من الأقنعة وأجهزة التنفس بضاعة مغرية جراء تصاعد الطلب العالمي عليها كإحدى وسائل الوقاية من الفيروس.

وتطرح هذه المناوشات مخاوف من اندلاع أزمة غذاء بسبب تبني الدول إجراءات احترازية من أجل بناء مخزون استراتيجي لديها يفوق المستويات في الأحوال العادية خشية من طول أمد المعركة.

موازين القوى

لم تكترث كثير من الدول لمخاطر الأوبئة على النظام الاقتصادي في الوقت الذي حذر فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتحولات وخيمة طويلة الأجل على الاقتصاد العالمي، حيث وصف الوباء بأنه أعظم اختبار منذ تشكيل المنظمة، فهذه الأزمة الإنسانية تتطلب اتخاذ إجراءات سياسية شاملة ومبتكرة وحاسمة وذات حدود قصوى من الدعم المالي والتقني لمساعدة البلدان الأكثر فقرًا.
ويرى محللون أن موازين القوى تتجه شرقًا لا سيما بعد أن فضحت أزمة كورونا هشاشة النظام الغربي الذي سالت دماؤه على أعتاب الأزمة بعد أن خرجت عن السيطرة لتجعل النظام الرأسمالي العالمي على المحك.
وسوف تخلق الأزمة شكلًا جديدًا للعولمة يشهد فيه العالم نوعًا من فك الارتباط والبدء في توطين الصناعات داخل الدول، كما أن الشكل الجديد للعالم سيخلو من المسميات التقليدية لدول العالم الأول والثاني والثالث وسيتم سحب البساط من الغرب الذي يشهد أزمات صحية وركودا في الاقتصاد العالمي وتفاقمًا للديون وأزمات مالية تتعلق بأسواق السلع الغذائية وموارد الطاقة.
وأضحى الدرس المستفاد من الأزمة بكافة تداعياتها هو التوجه نحو بناء نظام صحي قوي وتأمين طبي شامل لا سيما أن الدول الكبرى أولت العناية القصوى للصحة العلاجية على حساب الصحة الوقائية.

ووسط سيل التوقعات السوداوية التي تستبيح دماء النظام الرأسمالي يبقى السؤال هل ستتمكن الرأسمالية من تجديد نفسها قبل أن تتآكل أعمدتها الأساسية؟

ربما يعجبك أيضا