كيف تسعى إيران لتحقيق التوازن في علاقتها مع روسيا والغرب؟

آية سيد
إيران وروسيا

نظرًا لانعدام الثقة في روسيا والغرب، ناصر صناع القرار الإيرانيون الاستراتيجية المتوازنة للسياسة الخارجية التي تحافظ على الروابط مع كل الأطراف.


في ظل العقوبات الغربية الصارمة على إيران والعداء المتزايد مع الولايات المتحدة، سعت طهران إلى تعزيز علاقاتها مع موسكو.

ولكن الحرب الروسية الأوكرانية والعودة المحتملة إلى الاتفاق النووي أثارت جدلًا في إيران، بشأن إلى أي مدى يجب أن تميل طهران إلى موسكو. وفي هذا الشأن، ترى المحللة الإيرانية، فايزة فوروتان، أن هذه التطورات تمنح إيران مساحة أكبر لتطبيق سياسة خارجية متوازنة.

التقارب بين إيران وروسيا

يضيف فوروتان: “تتيح هذه التطورات لإيران الاستمرار في النهوض بالعلاقات مع روسيا مع متابعة المشاركة السياسية والاقتصادية مع الغرب، وفق مقال نشره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في 2 سبتمبر 2022. وعلى مدار العقد الماضي، دفعت العقوبات الغربية المتزايدة والعداء مع أمريكا، إيران إلى السعي لتنمية العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع روسيا.

وبحسب فوروتان، تشارك روسيا رؤية إيران لنظام عالمي متعدد الأقطاب يكون دور الولايات المتحدة فيه ضئيلًا. وفي هذا الصيف، اجتمع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، وأطلقت روسيا قمرًا صناعيًّا إيرانيًّا للمرة الأولى، وزودت إيران روسيا بمسيرات لاستخدامها في أوكرانيا.

شركاء مصلحة

تقول فوروتان إن هذه التطورات أشعلت الجدل في طهران بشأن إلى أي مدى ينبغي أن تميل تجاه موسكو، بالنظر إلى أن الغرب سيخفف العقوبات عن إيران في حالة العودة إلى الاتفاق النووي، المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة. وتلفت فوروتان إلى أن إيران وروسيا يتعاملان كشريكي مصلحة في كثير من الأحيان عندما تتعقد الأمور مع الغرب.

وتتابع بأن توقيت لقاء بوتين وخامنئي في يوليو الماضي، على هامش قمة في طهران، كان يهدف إلى إرسال إشارة للاعبين الخارجيين، فزيارة بوتين لإيران كانت الأولى لبلد خارج الاتحاد السوفيتي السابق منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، 24 فيراير الماضي 2022.

ضغوط غربية على طهران

على الجانب الآخر، كانت هذه الزيارة مفيدة لطهران في الوقت الذي كانت تتعرض فيه لضغوط غربية متزايدة للالتزام بالعودة إلى الاتفاق النووي. وعن طريق استضافة القمة في طهران والتوقيع على اتفاقيات طاقة مع روسيا، أشارت إيران إلى أنها تمتلك خيارات أخرى، وأنها ليست في حاجة إلى توقيع اتفاق مع الغرب.

وفيما يزعم بعض المنافذ الإعلامية الأمريكية أن إيران بدأت في تزويد روسيا بالمسيرات لاستخدامها في أوكرانيا، وأن القمر الصناعي الإيراني الذي أطلقته روسيا الشهر الماضي، سيشارك في جمع المعلومات الاستخباراتية في أوكرانيا، ونفت الحكومة الإيرانية هذه التقارير. وبحسب فوروتان، لا يوجد دليل حتى الآن على أن إيران تخطط للتورط في الحرب الروسية الأوكرانية.

كيف تنظر النخب الإيرانية إلى روسيا؟

تذكر فوروتان أن الكثير من القادة الإيرانيين يظلون متشككين بشدة تجاه روسيا، وهو شعور متأصل في تاريخ من الخيانة. ومن هذا المنطلق، تنقسم النخب السياسية الإيرانية إلى مجموعتين رئيستين. وتفضل المجموعة الأولى علاقات قوية مع روسيا كوسيلة لبقاء النظام الإيراني وكثقل موازن للوجود العسكري الأمريكي بالقرب من الحدود الإيرانية.

وتقول فوروتان إن هذه المجموعة تشارك مخاوف الكرملين بشأن التهديد الذي يمثله الغرب (ويشمل توسع حلف شمال الأطلسي، الناتو) وتسعى للتعاون الثنائي الأقوى، لتحصين إيران من العقوبات الغربية والضربات العسكرية.  وهذه المجموعة تشمل خامنئي، والمقربين منه مثل مستشار السياسة الخارجية علي أكبر ولايتي ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وكبار القادة في الحرس الثوري الإيراني.

مجموعة البراجماتيين

تضم المجموعة الثانية، مجموعة “البراجماتيين”، رجال السياسة المعتدلين والمحافظين الذين يعدون روسيا جارة مهمة، لكن يرفضون جهود تعزيز العلاقات الاستراتيجية معها. وتؤمن هذه المجموعة بأنه من المفيد لإيران الحفاظ على خياراتها مفتوحة مع الغرب وتجنب الاعتماد المفرط على روسيا، ويدعون إلى خفض التصعيد مع الغرب.

وهذه المجموعة تشمل وزير الخارجية السابق جواد ظريف، والرئيس السابق حسن روحاني، والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، والقائد السابق في الحرس الثوري الإيراني، حسين علائي، الذي تحدى سلوك روسيا تجاه إيران إزاء الحرب في سوريا، وكذلك في قطاع الطاقة، والتصويت في مجلس الأمن، وصفقات السلاح.

سياسة خارجية متوازنة

نظرًا لانعدام الثقة في روسيا والغرب، ناصر صناع القرار الإيرانيون الاستراتيجية المتوازنة للسياسة الخارجية التي تحافظ على الروابط مع كل الأطراف. وتشير فوروتان إلى أن إدارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، طورت علاقتها مع الكرملين مع إبقاء الباب مفتوحًا أمام الغرب.

وفي هذا الإطار، رفض وزير الخارجية الإيراني، أمير حسين عبداللهيان، فكرة أن مصير إيران مرتبط بروسيا، وقال: “أوروبا ستحظى بمكان في نهج السياسة الخارجية المتوازن للحكومة، ويجب أن نختار الأفضل في كل من الغرب والشرق”.

الاستفادة من الحرب الروسية الأوكرانية

تذكر فوروتان أن الحرب الروسية الأوكرانية خلقت فرصًا جديدة لإيران كي تعزز مصالحها مع كل من روسيا والغرب، فمحاولات إيران تطوير شراكاتها العسكرية مع روسيا أتاحت لها استعراض تكنولوجياتها الدفاعية والفضائية الجوية. واستغلت إيران أيضًا الخلاف بين روسيا والغرب، لمحاولة إضعاف الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط.

وصرّح المسؤولون في طهران بأنهم مستعدون لطرح النفط الإيراني في الأسواق الدولية مقابل إلغاء بعض العقوبات الأمريكية على إيران. وتلفت فوروتان إلى أن إيران تستطيع الآن تقديم حلول لموسكو، إما عن طريق استيراد النفط والغاز الروسيين لتلبية احتياجاتها المحلية أو إعادة تصدير المنتجات الروسية لمشترين غير أوروبيين نيابة عن موسكو.

ربما يعجبك أيضا