كيف تضغط أزمة البحر الأحمر على البنوك المركزية في أوروبا؟

ولاء السيد
البحر الأحمر

توسع اضطرابات البحر الأحمر من مداها الذي من الواضح عدم اقتصاره على دول بعينها أو مجموعة من السلع، إذ قد يمتد إلى البنوك المركزية في أوروبا، وخاصة قراراتها المتعلقة بسعر الفائدة المرتقب تخفيضه خلال العام الجاري.

وتكشف البيانات الحالية عن ارتفاع تكاليف الشحن، وبطء الإمدادات بأنحاء العالم بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وتجنب أغلب السفن العبور بها، يُنتظر أن تطال هذه الاضطرابات معدلات التضخم في أوروبا، وفق “بلومبرج إنتليجنس”.

تحويل المسار

اجبرت الهجمات في البحر الأحمر عدداً من السفن على تحاشي مضيق باب المندب وقناة السويس، لتسلك مساراً أطول حول رأس الرجاء الصالح. وسبب ذلك ارتفاعاً بأكثر من 300% في أسعار شحن الحاويات من آسيا إلى أوروبا.

وتعيد الظروف الحالية إلى الأذهان الذكرى المريرة في 2021 و2022، عندما قفزت أسعار الشحن بما يزيد عن 700%، ووصل التضخم الأساسي إلى 8% في المملكة المتحدة، ونحو 7% في منطقة اليورو حينها، بحسب تقرير نشرته بلومبرج الشرق، اليوم السبت 20 يناير 2024.

لكن فيما تسعى البنوك المركزية في أوروبا إلى التأكد من عودة الضغوط السعرية الضمنية إلى المستهدفات المحددة، قد تدعم المخاطر الصعودية الناتجة عن تكاليف الشحن رغبة هذه البنوك في الإبقاء على أسعار الفائدة كما هي في الفترة الحالية.

أثر ارتفاع التكاليف على التضخم

عملت “بلومبرج إنتليجنس” على تحليل أثر ارتفاع تكاليف الشحن على معدلات التضخم في المملكة المتحدة ومنطقة اليورو، وتبعاته على قرارات البنكين المركزيين العودة إلى التيسير النقدي.

شهدت أسعار شحن الحاويات المتجهة من آسيا إلى أوروبا ارتفاعاً حاداً بعد الهجمات في البحر الأحمر، وبالنظر إلى تركيبة الطلب على السلع الاستهلاكية في أوروبا وأثرها على الإنفاق العائلي، تقدّر “بلومبرج إنتليجنس” أن تكلفة شحن تلك البضائع في 2023 مسؤولة عن نحو 0.13% من ارتفاع أسعار سلة السلع المكونة لمؤشر التضخم الأساسي في المملكة المتحدة، و0.10% في منطقة اليورو.

ووسط فرضية بقاء أسعار الشحن عند مستواها الحالي، وتحميل المستهلكين كامل الزيادة في التكاليف، تتجه التوقعات إلى أن ذلك قد يرفع معدل التضخم الكلي في المملكة المتحدة بمقدار 0.42 نقطة مئوية، وفي منطقة اليورو 0.33 نقطة مئوية بدءاً من أواخر 2024 ومطلع 2025، ما سيضيف إلى توقعات التضخم قدراً ضئيلاً من المخاطر الصعودية.

طريق ممهدة لبنك إنجلترا

في كلا الاقتصادين، لن يؤدي ذلك إلى زيادة معدل التضخم الكلي فوق 2% خلال العام الجاري. وتتوقع المؤسسة أن ذلك سيمهد الطريق لخفض “بنك إنجلترا” أسعار الفائدة في مايو، ولبدء “البنك المركزي الأوروبي” التيسير النقدي في يونيو. يُرجح أن تمثل زيادة تكاليف الشحن خطراً صعودياً آخر لمعدل التضخم، ما يبرر التراجع عن خفض أسعار الفائدة في موعد سابق لأوانه وبمعدل كبير، خلال الفترة الحالية.

الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي في البحر الأحمر أسفرت عن تحويل واسع النطاق لمسار السفن التي عادةً ما تمر عبر قناة السويس، وأصبحت الآن تسلك مساراً أطول حول رأس الرجاء الصالح.

وترى “بلومبرج إنتليجنس” أن يسبب تحويل المسار زيادة مسافة الرحلة بنحو 40%، ما من شأنه أن يزيد وقت الرحلة ويرفع تكلفة الوقود والتأمين، فضلاً عن ذلك، فإن المسارات الأطول تقلل من السعة الكلية للشحن، ما يفاقم الضغوط الصعودية على أسعار الشحن.

ميرسك تحول مسار حاوياتها

مع بداية الشهر الجاري، أعلنت شركة الشحن الدنماركية العملاقة ميرسك، أن اسطولها لن يستأنف عبور مضيق بابا المندب الاستراتيجي في البحر الأحمر بعد تعليق هذا الأمر، الأحد، إثر هجوم الحوثيين على إحدى سفنها، حسب وكالة أنباء رويترز.

وقالت الشركة في بيان “قررنا وقف جميع عمليات العبور في البحر الأحمر وخليج عدن حتى إشعار آخر”، مضيفة أن التحقيق جار، وكانت الشركة أفادت في وقت سابق بأن سفينة الحاويات “ميرسك هانجتشو” الدنماركية أصيبت بصاروخ أثناء مرورها عبر مضيق باب المندب ثم تعرضت لهجوم من 4 سفن تابعة للمتمردين الحوثيين كانوا يحاولون الصعود على متنها.

وأشار الجيش الأميركي بعد ذلك إلى أنه أغرق 3 سفن للحوثيين بعد هجمات على سفينة حاويات تابعة للشركة الدنماركية ميرسك، وقتل عشرة منهم في هذه الضربة بحسب المتحدث باسمهم، فيما قالت ميرسك إنه: “في الحالات التي يكون فيها الأمر أكثر منطقية بالنسبة لعملائنا سيتم إعادة توجيه السفن (عبر) رأس الرجاء الصالح” في أقصى جنوب أفريقيا.

أوروبا تعاني الضرر الأكبر

يتمركز هذا التحدي على الدول الأوروبية في الأغلب، إذ تشير البيانات التي نشرها الباحثون بجامعة أوكسفورد والتي يستخدمها صندوق النقد الدولي أيضاً في دعم منصة “بورت ووتش”  إلى أن ما يزيد عن 20% من إجمالي قيمة الواردات التي تدخل موانئ أوروبا مرت أولاً عبر قناة السويس.

نتيجة لذلك، كانت أسعار الشحن الفوري بين آسيا وأوروبا الأشد تضرراً من الاضطرابات التي وقعت في الآونة الأخيرة، مقارنة بأسعار الشحن بين آسيا وأميركا، أو الأسعار السارية لناقلات النفط والبضائع الجافة.

بالنظر إلى أن زيادة مسافة الرحلات التي غيرت مسارها للمرور عبر رأس الرجاء الصالح تصل إلى 40%، إلا أن تكاليف الشحن قفزت 320% بين آسيا وأوروبا مقارنة بنوفمبر 2023، وهو ما يمثل مبالغة مفرطة لتأثيرات العوامل المؤثرة الأساسية.

ربما يعجبك أيضا