«ليست مجرد هزيمة».. ماذا تعني سيطرة الروس على مدينة باخموت؟

محمد النحاس

هل يحسم الروس معركة باخموت أخيرًا؟


بعد عام من الحرب الروسية الأوكرانية، تتواصل المعارك شرقي البلاد، وتشتد على أطراف مدينة باخموت التي أحكم الروس عليها الخناق.

وفي غضون ذلك، يحاول طرفا النزاع تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الميدانية، والحفاظ على ما حققه من إنجازات خلال العام الماضي، فأين وصلت المعارك ميدانيًّا؟ وما أبعاد معارك باخموت؟ وإلى أين تتجه مستقبلًا؟ وإلى مَن تميل كفة الصراع؟

«حرب مدن».. ماذا يعني ذلك؟

لفهم سياق المعارك الجارية، وتكوين صورة كليّة عن طبيعة سير العمليات ميدانيًّا، والأهمية الاستراتيجية والعسكرية لباخموت، تحدثت شبكة رؤية الإخبارية مع أستاذ العلاقات الدولية، وخبير الشؤون الأمنية والاستراتيجية، أكرم حسام.

20210827 unnamed jpgfbbdc0 imageوبين “استماتة” كييف في الدفاع عن باخموت شرقي أوكرانيا، و”العزم” الروسي على السيطرة على المدينة المحاصرة، تتواصل المعارك، في حين يتقدم الروس ببطء ولكن بثبات، فكيف تبدو طبيعة الصراع في الوقت الآني؟

ويوضح الخبير الاستراتيجي، أكرم حسام، طبيعة الوضع الميداني حاليًّا في أوكرانيا، الذي تحول إلى “حرب مُدن”، لافتًا إلى أن هذا النوع من المعارك يمثل أصعب أنواع الحروب.

أهمية حيوية للمدينة المحاصرة

مواكبةً لهذه الطبيعة الميدانية، يعتمد الكرملين في الوقت الحالي، على مجموعة فاجنر شبه العسكرية الخاصة بدرجة متزايدة، والتي أبدت مرونةً في ميدان القتال رغم تكبد خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.

ومن المرجح، وفقًا لخبير الشؤون الأمنية، أن ينتقل الصراع من مدينة إلى أخرى، تبعًا للأهمية الاستراتيجية، ويوضح حسام أن مدينة باخموت ذات أهمية حيوية لجانبي الصراع.

نقطة دفاع متقدمة

يضيف أكرم حسام أنه بالنسبة لأوكرانيا تمثل المدينة المحاصرة “نقطة دفاعية متقدمة”، لافتًا إلى أنها باتت موضع انطلاق للأسلحة الآتية من الغرب إلى الجبهة الشرقية المشتعلة بين القوات المدافعة، والقوات المهاجمة.

2022 03 01T170756Z 744715044 RC2OTS9CALUX RTRMADP 3 UKRAINE CRISIS EAST scaled e1646158775412

ويبيّن أنه إذا ما تمكن الروس من الاستيلاء على المدينة، فإن من شأن ذلك أن يفتح الطريق على مصراعيه للسيطرة على باقي أجزاء إقليم دونباس.

حيوية الموقع الجغرافي

يلفت خبير العلاقات الدولية إلى أنه في ما يتعلق بالموقع الجغرافي، تقع باخموت بين لوغسانك شمالًا ودونيتسك جنوبًا، لذلك ركّزت كييف مبكرًا على تحصين المدينة الاستراتيجية، وتعد مركز التقاء، وتجمع لخطوط السكك الحديدية شرقي أوكرانيا.

وفي غضون ذلك، تتواصل الضربات الروسية كذلك على مناطق متفرقة من إقليم لوغانسك، وفقًا لما نقلته “سي إن إن”، عن التليفزيون الأوكراني، أمس الثلاثاء 7 مارس 2023، في مواصلةٍ لنهج الضغط على عدة مناطق في ذات التوقيت.

إضعاف خطوط الإمداد

يتابع أستاذ العلاقات الدولية بأن السيطرة الروسية تعني إضعاف القدرات اللوجيستية (خطوط الإمداد)، للمنطقة الواقعة شرقي البلاد، ما يعني السيطرة على مناطق واسعة بالإقليم (دونباس).

والأهم من ذلك، كما يضيف محاضر العلوم السياسية والاستراتيجية، أكرم حسام، أن مثل هذه السيطرة تعني فتح جبهة شمالية شرقية جديدة بمدينة خاركيف الحيوية.

ما أهمية خاركيف؟

تمثل خاركيف أهمية استراتيجية، فهي ثاني أكبر مدينة بأوكرانيا، مساحةً وسكانًا، علاوةً على الأهمية الرمزية للمدينة التي سيطر الروس على أجزاء شاسعة منها، العام الماضي.

ولكن القوات الأوكرانية عادت واستعادت هذه الأجزاء، في سبتمبر الماضي، في هجوم مضاد مثّل أبرز تحول لميزان القوى ميدانيًّا منذ بدء النزاع.

فتح جبهات جديدة

يضيف الخبير الاستراتيجي كذلك، أن سيطرة الروس على باخموت إذا ما تمت، ستفتح جبهات جديدة للانطلاق جنوبًا، لافتًا إلى الدور الحيوي الذي تنفذه قوات مجموعة فاجنر شبه العسكرية الخاصة.

وفي سؤاله عن مدى مصداقية التقارير الغربية التي تتحدث عن صراع بين قيادة الجيش، والمجموعة الخاصة، استبعد أكرم حسام ذلك.

وأردف بأن قوات فاجنر تمكنت من تحقيق نجاحات بارزة في باخموت، خاصة أن الصراع تحول إلى “حروب ميليشيات”، ما عزز دور المجموعة الروسية الخاصة، التي تتعامل بتنسيق كامل مع القيادة الروسية وتحت جناحيها.

انسحاب وشيك للقوات الأوكرانية؟

في سؤاله عن التقارير التي تحدثت عن انسحاب محتمل للقوات الأوكرانية، رجح الخبير الاستراتيجي أكرم حسام، حدوث ذلك، وقد نصحت الاستخبارات الغربية كييف بالانسحاب، مؤكدًا أن باخموت أوشكت على السقوط، وباتت السيطرة الروسية أقرب من أي وقت مضى.

ويؤكد هذه الترجيحات، تصريح أدلى به الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة في المملكة المتحدة، ريتشارد دانات، فقال إنه من المنطقي أن تنسحب القوات الأوكرانية إلى خطوط خلفية أكثر تحصينًا.

التوغل داخل أوكرانيا

قلل المسؤول الغربي السابق في حديثه مع شبكة سكاي نيوز البريطانية، من الأهمية العسكرية، والاستراتيجية للمدينة، ما يشي بأنه يقلل من شأن الانسحاب الأوكراني المحتمل.

وفي المقابل، تقول تقارير روسية إن السيطرة الكاملة على مدينة باخموت، أضحت “مسألة وقت فحسب”. ومن جانبه قال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، إن الاستيلاء على باخموت سيفتح الطريق أمام مزيد من التوغل داخل أوكرانيا.

تباطؤ عمليات الإجلاء

بحسب “سي إن إن”، تبقّى من سكان باخموت المحاصرة 4000 مدني، في المدينة البالغ تعداد سكانها 70 ألف نسمة، وفي غضون ذلك تتواصل عمليات إجلاء السكان، إلا أن تقارير محلية أوكرانية أفادت تباطؤ إخلاء المدنيين في ظل اشتداد الضربات الروسية.

9d87474f f50c 41f1 8a92 6db5bd1bb100 1 scaled وتعني هذه الأرقام أن السلطات الأوكرانية، أجلت ما يقرب من 95% من السكان، وقالت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني إيرينا فيريشوك، إن 80% من البنية التحتية للمدينة أصبحت مدمرة.

وقالت وكالة الأنباء الفرنسية، إن المدينة الواقعة شرقي البلاد صارت ركامًا بعد أطول معركة دموية في تاريخ الحرب.

3000

رأي آخر

لا يتفق أكرم حسام مع طرح المسؤول الغربي، الذي قلل من شأن الانسحاب الأوكراني، فيرى أنه فضلًا عن الأهمية الاستراتيجية للمدينة الواقعة شرقي أوكرانيا، فإن خسارة باخموت لا تمثل مجرد هزيمة عسكرية، فقد دفعت كييف بخيرة أبنائها من القوات الخاصة، إلى معارك باخموت.

20221130 ukraine fighting 2 nyt ac 1 وقد خسرت أوكرانيا أعدادًا كبيرة منهم، وكان الجيش الأوكراني، قد قال مطلع الأسبوع الحالي، إن القوات الروسية صعدت هجومها على المدينة من ثلاثة محاور مختلفة، وتعهدت كييف بـ”الدفاع عن المدينة”، بعد تقارير رجحت انسحابًا مرتقبًا.

ما بعد باخموت

علاوةً على فتح جبهة خاركيف (شمال شرق)، ستقود السيطرة على باخموت لتغيرات مهمة، وفتح جبهات أخرى جديدة، وكذلك جبهة دينبرو (وسط)، وجبهة زابوروجيا (جنوبي وسط أوكرانيا)، وفقًا للخبير الاستراتيجي.

وأردف مؤكدًا أن “نمط المعارك سوف يتغير من العمليات العسكرية المحدودة إلى حرب شاملة”، في حين ستتزامن محاولات السيطرة على المدن الثلاث (دينبرو، خاركيف، زابوروجيا)، بغية تشتيت القوات الأوكرانية، وفق تقدير أكرم حسام.

تواصل الدعم الغربي

من المقرر أن يذهب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش، إلى أوكرانيا هذا الأسبوع، وفقًا لـ”سي إن إن”، في وقت تتضافر فيه الجهود الغربية لدعم أوكرانيا.

وأعلنت واشنطن الأسبوع الماضي، عن حزم مساعدات عسكرية تقدر بـ400 مليون دلاور، وأبدى البيت الأبيض والمستشارية الألمانية، الالتزام بمواصلة دعم أوكرانيا، وذلك في زيارة خلال لقاء جمع الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالمستشار الألماني أولاف شولتز، يوم الجمعة بالولايات المتحدة.

وعودةً إلى ميدان الصراع في أوكرانيا، جرت أمس الثلاثاء، عملية تبادل للأسرى بين موسكو وكييف، وقال الكرملين إنه أعاد 90 من مقاتلي الجيش الروسي إلى أرض الوطن، وأعلنت كييف من جانبها استرداد 130 مقاتلًا أوكرانيًّا خلال عملية التبادل.

اقرأ أيضًا: باخموت على وشك السقوط.. معارك عنيفة بين قوات فاجنر والجيش الأوكراني

ربما يعجبك أيضا