معركة التهرب الضريبي في الأردن.. الدولة “تنبش عش الدبابير” في زمن كورونا

علاء الدين فايق

رؤية – علاء الدين فايق

عمّان – تكثر الشائعات في الأردن، مع كل حملة ضد التهرب الضريبي تشرع بها الحكومة، وهذه المرة زادت حدتها بشكل كبير في ظل إصرار الحكومة على المضي بمعركتها ضد تقضي على هذه الظاهرة التي تحرم خزينة الدولة مئات الملايين سنويًا.

وطالت هذه الشائعات التي يعتقد بحسب مراقبين، أنها تدار بشكل ممنهج ومن متنفذين متهربين ضريبيًا أسماء بارزة في الدولة الأردنية، كان في مقدمتهم رئيس الوزراء الأسبق عبدالله النسور.

وخرج النسور عن صمته، قبل يومين بعد إشاعة منعه من السفر والحجز على أمواله بتهم فساد وسلب المال العام، وهو ما نفاه، واعتبر أن من يسيئون له هم ” الذباب الإلكتروني”، وقد اعتاد على ذلك منذ سنوات.

وكتب النسور في بيان نشره عبر صفحته على فيسبوك “انطلقت الأبواق الفّارة هذه الأيام تشملنا بتغطيتها المألوفة والمكرورةِ والممجوجة، ولاقت تلك التغطيةُ تَصْديَةً من بعض الذباب الإلكترونيّ المحليّ. وآخر مزاعمهم منع السفر، وتفتيش المنزل، والحجز على ما نملك”.

وأضاف “أنا، وغيري ممن خدم في أصعبِ الظروفِ وأخطرها وأقساها وأطولِها معتادون على هذا وأكثر، وقد بلوناه سِنين طوالاً لا نلقي لهم بالاً، ولا نعيرهم اهتماماً”.

عش الدبابير

في 14 حزيران يونيو الجاري، خرج وزير المالية محمد العسعس في مؤتمر صحفي، يقول إن الوقت حان لما أسماه “نبش عش الدبابير” قاصدًا بذلك المتهربين ضريبيا في الأردن.

وقال العسعس في تصريحات له إن “فتح ملفات التهرب الضريبي والجمركي وهذا التحرك غير مرتبط بأزمة كورونا، التي أخرت من إجراءات الدولة في ذلك”.

ومنذ أكثر من شهر، تسارعت وتيرة الدولة بحملات التفتيش والملاحقة، لدائرة كبيرة من المشتبه بهم بالتهرب الضريبي، وكان من بين الأسماء التي تدوالتها وسائل إعلام محلية، متنفذين كفار وأقارب مسؤولين في الدولة.

وتثور الشبهات حول تورط شخصيات سياسية وبرلمانية كبيرة في هذه الملف، في حين ترفض الحكومة الكشف عن أي أسماء صريحة متورطة بهذا الملف على اعتبار أن قضاياهم منظورة أمام القضاء.

والأسبوع الماضي، قرر مدعي عام مكافحة الفساد، التحفظ على أموال أشقاء مسؤول بارز في البرلمان، والتحفظ على شركات تابعة له، بتهم التهرب الضريبية.

وشمل قرار التحفظ النقود السائلة والمركبات والأسهم والسندات والعقارات، والشركات التابعة والأموال المالية والحسابات لدى شركات الوساطة المالية.

ومن بين الأسماء الكبيرة التي لمع اسمها بقرار التحفظ على أموالها، وزير الأشغال العامة السابق سامي هلسة، على خلفية اختلالات مالية كبيرة حدثت في عهده.

التهرب الضريبي قديم وراسخ

يرى الكاتب الأردني فهد الخيطان، أن “نهج مكافحة التهرب الضريبي يستند لقانون الضريبة الجديد، وكان لا بد من الالتزام بالتشريع الذي استجاب في نصوصه لمطلب شعبي أردني أصيل وقديم”.

ويعتقد الكاتب أن ” التهرب الضريبي والجمركي في الأردن هو أفدح أشكال الفساد الذي يهدر مئات الملايين على خزينة الدولة ويحرم الأردنيين من حقهم في التمتع بعوائد مالية تنعكس على شكل مشاريع بنية تحتية وتنمية ترتقي بحياة الناس ومعيشتهم.

ولا يعتقد الخيطان، أن معركة الدولة الحالية ضد التهرب الضريبي هذه المرة كما كانت في السابق “حملة موسمية، لأن وصفها بهذا الاسم، يعني أنها عملية مؤقتة وانتقائية، ومن هنا ستغدو ضحية لاتهامات تصفية الحسابات مما يجرّدها من مصداقيتها”.

ويرى الكاتب أن “التهرب الضريبي من الظواهر القديمة والراسخة في الحياة الاقتصادية الأردنية، واستفحلت بفعل عجز الإدارات الحكومية عن مجابهتها، والتطور الحاصل في وسائل إخفاء الأموال وتحويلها لخارج البلاد، أو إعادة إنتاجها في دورة الاقتصاد الوطني”.

أرقام رسمية

أظهرت أرقام دائرة ضريبة الدخل والمبيعات أن الحصاد الضريبي ارتفع بنهاية العام 2019 بنحو 170 مليون دينار (280 مليون دولار) وهي نتيجة مباشرة لحملات مكافحة التهرب الضريبي.

وخلال عام 2019 ارتفعت نسب التحصيل الضريبي، لتصل إلى 4.23 مليار دينار (6.11 مليار دولار مقارنة بنحو 4.15 مليار دينار (5.87 مليار دولار) تم تحصيلها خلال عام 2018”.

واستهدفت المطالبات الضريبية بالأساس غير المسجلين، حيث قدرت المبالغ بنحو 239 مليون دولار، والمكلفين المسجلين بدفاتر الضرائب بقيمة 41 مليون دولار.

وتشير أرقام رسمية إلى أن جميع الحملات التفتيشية الضريبية منذ بداية 2020 لغاية حتى منتصف حزيران الجاري، بلغت 510 حملات تفتيشية منها 10 حملات معززة بمرافقة أمنية.

وتقول الحكومة إن تعزيز حملات التفتيش بمرافقة أمنية، هدفها الحفاظ على سلامة العاملين في الضبط الضريبي، بعد عدة حوادث اعتداء تعرضوا لها في حملات سابقة.

ما المطلوب للحد من التهرب الضريبي؟

يقول الكاتب فهد الخيطان مجيبا على هذا السؤال إنه من المهم أن لا تقتصر الحملة على بضعة أسماء لامعة، بل تستمر كنهج دائم بدون تمييز أو تخصيص، وتشمل القطاعات والأنشطة الاقتصادية كافة.

كما ينبغي أن تترافق الحملات مع خطط مستمرة لتحديث إدارات الضريبة والجمارك.

وفي هذا الصدد تخطط وزارة المالية لجملة إصلاحات جذرية على الأنظمة سيلمس الناس آثارها قريبا.

ومن المهم بحسب الخيطان، إطلاع الرأي العام وبشكل دوري على نتائج العمل، وقيمة المبالغ التي يتم تحصيلها بعد إنجاز الخطوات القانونية بشكل كامل وقطعي.

ويرى الخيطان أنه “إذا ما كتب لهذا النهج أن يدوم ولا ينقطع تحت ضغط المتنفذين الكبار من أصحاب المال، فإن محاربة التهرب الضريبي والجمركي ستكون أبرز عناوين المرحلة المقبلة، وأمتن جسور الثقة بين الدولة ومواطنيها، والدليل الحي على احترام الدولة لشعار العدالة الاجتماعية في القول والفعل”.

ربما يعجبك أيضا