ناشيونال إنترست | مبادرة الحزام والطريق الصينية.. مشاريع لا تراعي المعايير البيئية

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

صرّح الرئيس الصيني "شي جين بينغ" في عام 2019، أن مبادرة "الحزام والطريق" يجب أن تكون خضراء ومستدامة، لكن معظم ما تقدمه بكين للبُلدان المشاركة في المبادرة هو عكس ذلك تمامًا. لقد موّل بنك الصين للتنمية وبنك التصدير والاستيراد الصيني محطات طاقة في ثمانية وثلاثين بلدًا منذ عام 2013، نصفها تقريبًا تستخدم الوقود الأحفوري.
إن معظم محطات الطاقة التي تستخدم الفحم والمموّلة صينيًّا في الخارج، تستخدم تكنولوجيا فحم منخفضة الكفاءة، تنتج بعضًا من أعلى نسب الانبعاثات مقارنة بأي شكل آخر من أشكال توليد الطاقة؛ ما يساهم في زيادة مستويات الانبعاث الوطنية، ولا شك أن الوضع أسوأ في الدول التي كثفت فيها الصين أنشطتها.  
في باكستان، على سبيل المثال، حيث أنفقت بكين كميات هائلة من أموال مبادرة الحزام والطريق على مشروع "الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان"، موّلت الصين العديد من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، لدرجة أن انبعاثات استثمارات الطاقة هناك باتت تساوي ضعفَي انبعاثات الشبكة الكهربائية لباكستان عام 2012.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فجزء كبير من مبادرة الحزام والطريق لا يمر فقط عبر مناطق ذات حساسية إيكولوجية في العالم، لكن جميع مشاريع الطاقة الصينية تقريبًا القائمة على الوقود غير الأحفوري في المبادرة المذكورة لا تستعمل طاقة الشمس أو الرياح، ولكنها تعتمد على سدود توليد الطاقة الكهرومائية، والتي تصاحبها تكاليف بيئية كبيرة على الأرض والحيوانات والناس.
ربما لا تكون الولايات المتحدة أفضل حارس للبيئة العالمية، لكنها أيضًا لا تشن حملة عالمية شعواء لبناء بنية تحتية تتناقض مع فلسفتها ومعاييرها البيئية.
ما تفعله بكين هو مساعدة مصارفها التنموية والتجارية وشركاتها المتخصصة في البناء والهندسة على تحقيق مكاسب عبر تصدير تكنولوجيا قذرة (ونشر "دبلوماسية فخ الديون" حول العالم، مع عجز الكثير من هذه الدول التي تصدّر لها تلك التكنولوجيا القذرة عن تسديد تلك الديون).

تستخدم الصين في الأساس مشاريع بنى تحتية ضارة بيئيًّا واجتماعيًّا للحصول على مكاسب دبلوماسية لمواجهة الوجود العسكري الأمريكي في منطقة المحيط الهندي – الهادئ، وتحاول في الوقت ذاته إعطاء نفسها ميزة تنافسية عن الولايات المتحدة في أسواق ناشئة مهمة. تساعد مشاريع الفحم المدعومة من بكين، على سبيل المثال، الحزب الشيوعي الصيني في توسيع تعاونه الدفاعي مع إسلام آباد، ومساعدتها في الوقت ذاته على الإضرار بالبيئة. إن قادة باكستان – وقادة الدول النامية الأخرى حيث تفعل بكين الشيء ذاته – إما أنهم لا يرون هذا الرابط، أو أنهم باتوا مدمنين للغاية على الأموال الصينية؛ ما يمنعهم من الاعتراض على نهج الصين في علاقتها مع باكستان.

تتضمن مبادرة الحزام والطريق "خطة التعاون الإيكولوجي والبيئي"، والتي تنصّ على أن التعاون في حماية البيئة هو شرط أساسي للمبادرة، وأن هذا التعاون حيوي للتحول المراعي للبيئة للاقتصاد الصيني. تنصّ الخطة على أنه من الضروري أن تلتزم المبادرة بالمعايير البيئية التي تطمح إليها الصين في الداخل.
لكن من الواضح أنهم لا يفعلون هذا دائمًا. في عام 2017، نشرت الحكومة الصينية سياسات إرشادية إضافية مصممة لتعزيز مبدأ الاستدامة في مبادرة الحزام والطريق، مثل "توجيهات بشأن تعزيز مشروع الحزام والطريق الأخضر" و"تصورات وتدابير للتعاون في مجال الطاقة فيما يخص البناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين". تنصّ هذه الوثائق تحديدًا على أن مشاريع المبادرة ستُستخدم لتعزيز اتفاقية باريس للمناخ وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030.

وأثناء انعقاد "المنتدى الثاني لمبادرة الحزام والطريق" عام 2019، أصدر الحاضرون المُقبلِون من جميع أنحاء العالم بيانًا مشتركًا يتضمن 283 منجزًا مستهدفًا، ركز العديد منها على تعزيز التنمية المستدامة اجتماعيًّا وبيئيًّا في مشاريع المبادرة، كما جرى إطلاق طائفة من المبادرات، من بينها مبادرتان ركّزتا على تحقيق أقصى قدر ممكن من الكفاءة في عمليات الإضاءة والتبريد لتقليل استخدام الطاقة، وبناء مدن مستدامة.. ولكن يبقى التساؤل: هل من الممكن تحقيق تلك الأهداف؟

تهدف ثمانية وثلاثون دولة مشاركة في المبادرة لتوليد 644 غيغا وات من الطاقة المتجددة بين عامي 2020 و2030، ما سيتطلب استثمارات قدرها 644 مليار دولار. واقترحت مصارف ومقرضون حكوميون صينيون تمويلاً لتوليد 120 من هذه الغيغاوات عبر إنشاء محطات تعمل بالفحم؛ ما يشكّل نسبة 26 بالمائة من قدرات الفحم العالمية التي يجري تطويرها خارج الصين.
وفي الفترة الزمنية بين 2014 حتى 2017، جرى استخدام ما نسبته 91 بالمائة من القروض التي قدمتها أكبر ستة مصارف في الصين لمشاريع الطاقة في مبادرة الحزام والطريق، لتمويل مشاريع طاقة تعمل بالوقود الأحفوري.
إن محطة طاقة جديدة تعمل بالفحم لديها متوسط عمر اقتصادي يبلغ ثلاثين عامًا، كما أن بناء هذه المحطات يزيد من الانبعاثات ويرفع مستويات تلوث الهواء في الدول النامية لعقود مقبلة في المستقبل، فضلاً عن أن محطات الطاقة التي تعمل بالفحم معرّضة بدرجة كبيرة لخطر أن تصبح "أصولاً مهجورة" مع تواصل هبوط أسعار الطاقة المتجددة.

مع ذلك، فإن مبادرة الحزام والطريق ليست مجرد حزام ناقل للفحم؛ فالصين تصدّر أيضًا طاقة متجددة للخارج، إذ أصبحت مصارفها التجارية نشطة في هذا المجال، كما وفّرت التمويل والأعمال الهندسية والمعدات والبناء للعديد من مشاريع الطاقة الشمسية الأكبر في العالم، من بينها مجمّع "نور" للطاقة الشمسية في المغرب وحديقة محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في الإمارات (وكلاهما مشروعان تابعان لمبادرة الحزام والطريق). كما جرى بناء مزارع رياح مهمة ضمن هذه المبادرة، من بينها "مزرعة داوود لطاقة الرياح" في باكستان.

وبالإضافة لارتفاع تكاليف التمويل بسبب المخاطر الكبيرة المتصورة في العديد من بلدان مبادرة الحزام والطريق، لا يوجد هناك أيضًا دعم سياساتي لتشجيع جانب كبير من الاستثمارات المطلوبة في مجال الطاقة المتجددة. إن السبب الأكبر وراء نجاح مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية في الصين، يعود إلى الدعم الذي تقدمه الحكومة الصينية لجعل أسعار الطاقة المتجددة منافسة لأسعار الفحم؛ حيث إن العديد من بلدان المبادرة لا تملك الرسوم الجمركية أو أسواق الائتمان الكربوني (Carbon credit market) والآليات المالية الأخرى المطلوبة لإنشاء سوق ذي جدوى للطاقة المتجددة.

ونظرًا للموارد والأساليب المتطورة المطلوبة لإنشاء هذا السوق، فمن المتوقع أن يظل ذلك هدفًا صعب التحقيق بالنسبة للعديد من الدول النامية لفترة طويلة من الزمن. ولو كانت الصين تتمتع بالذكاء، لتعاملت مع مصارف التنمية متعددة الأطراف لتوفير البيئة القادرة على دعم هذه البيئات المحلية ضمن الخطة الكبرى لمبادرة الحزام والطريق. لكن في الوقت الراهن، سيظل هذا الطموح مجالاً قاصرًا على المؤسسات المالية والتنموية الصينية.    
      
  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا