نقص السائقين يزيد مخاوف الاحتلال من مواجهة برية في غزة!

محمد عبد الدايم

كتب – د.محمد عبدالدايم

ضمن عشرات التحليلات التي تفحص في العملية الإسرائيلية الأخيرة على غزة، المعروفة بعملية “حارس الأسوار” (سيف القدس) (6- 21 مايو 2021)، تحدث محلل الشئون العسكرية بالقناة 13 العبرية عن استخلاصات هذه العملية، منها أن الجيش الإسرائيلي مستعد دائما لإرسال سلاح الجو ليضرب غزة، ومستعد لأن يدفع الثمن في المقابل بتلقي زخات الصواريخ على المدن الإسرائيلية ونشر الذعر في الجبهة الداخلية، لكنه – أي الجيش- ما يزال مذعورا- من مجرد التفكير في إرسال قواته البرية إلى هذا المكان الذي سيأخذ منه ضحايا بكل تأكيد.

images 3

هذه النجاحات التي تحققت – من المنظور الإسرائيلي للعملية- خلال الحرب الأخيرة على غزة من شأنها أن تزيد نزعة الجيش للاعتماد شبه الكامل على سلاحي الاستخبارات والجو، على حساب سلاح المشاة.

لا شك أن تراجع الاعتماد على قوات سلاح المشاة بالجيش خلال العمليات العسكرية التي تنفذها إسرائيل يعود إلى الضعف الذي يعتري هذا السلاح، وهو ضعف على مستوى المهارات العسكرية، والقدرات اللوجستية، وقبل هذا يعود إلى المستوى النفسي المتراجع لجنود سلاح المشاة، وهو الأمر المعروف حاليا، حيث تبرز نقطة الضعف الأكبر في عزوف الشباب من المجندين على الالتحاق بالأسلحة القتالية بالمشاة والمدرعات، في مقابل تزاحم على أسلحة الحرب الإلكترونية وأنظمة السايبر والوحدات المتخصصة في التجسس والاستخبارات إضافة لسلاح الجو، بينما يتراجع الإقبال على سلاح المشاة بشكل بات يمثل هاجسا لإسرائيل.

بسبب الخوف من الاختطاف والأسر، ونظرا لطبيعة العمليات العسكرية التي ينفذها جيش الاحتلال ضد أطراف مدنية، أو منظمات مقاومة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، أو ضد حزب الله في لبنان، فإن كابوس “حرب الشوارع” ما زال ماثلا أمام أعين قادة الجيش الإسرائيلي، يكفي أنه بعد 15 عاما من الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان (2006) ما زال الحديث عن ضعف سلاح المشاة، وتمكن قوات نصر الله من أسر جنود إسرائيليين، كما أن إسرائيل لم تستخلص حتى الآن المختطفين الأربعة لدى حماس في غزة.

إلى جانب تراجع سلاح المشاة، يبدو أن قسم اللوجستيات بالجيش الإسرائيلي يعاني من تراجع شديد في إمكانياته، وهذا التراجع يعود إلى النقص الكبير في عدد الأفراد العاملين بالقطاعات اللوجستية بقواعد الجيش الإسرائيلي، في وجود تقارير عن ترهل في هذه الأقسام، على مستوى الآليات العسكرية بل والمباني نفسها، وكذلك أدت الزيادة المفرطة في الإنفاق على سلاحي الجو والاستخبارات إلى تضاؤل المخصصات التي تنفق على الأقسام اللوجستية.

خلال عملية “حارس الأسوار” وقعت أحداث عنف بين الإسرائيليين اليهود والمواطنين من فلسطيني الداخل، مما عرقل القدرات التشغيلية للجيش الإسرائيلي، لأن الصدامات في الجبهة الداخلية أدت إلى تأخر وصول سائقي الشاحنات للعمل.

030118 tank1 1026x684 1

جدير بالذكر أن جزء كبير من سائقي الشاحنات العاملين في شركات النقل الإسرائيلية من فلسطيني الداخل، وهذه الشركات تعمل في نقل المركبات الثقيلة للجيش، وكذلك نقل الجنود بحافلات في حالات الطوارئ.

نتيجة للصدامات الداخلية، تأخر وصول السائقين، حيث أفادت تقارير للجيش أن 40 سائقا فقط وصلوا من مجموع 500، ونتيجة لذلك أطلق الجيش الإسرائيلي برنامج “طوارئ” تم فيه تجنيد سائقين من وحدات أخرى للقيام بمهمات نقل الدبابات والمدافع المضادة للطائرات من مرتفعات الجولان شمالا إلى غزة جنوبا، وأثار الأمر قلقا كبيرا مع التفكير في إمكانية وقوع عمليات عسكرية في الوقت نفسه على الحدود الشمالية.

في هذه الأثناء يعد رئيس قسم اللوجستيات بالجيش، إيتسيك نورجمان” تقريرا بالأمر سيقدمه خلال أسبوعين لرئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي، الذي يتعين عليه إيجاد حلول سريعة، مع تأخر التنفيذ العملي لخطته متعددة السنوات لتطوير الجيش “تنوفا”.

التقارير حول استعداد إسرائيل لاجتياح غزة بريا خلال أحداث “حارس الأسوار” ثبت أنها مجرد مراوغة، بهدف اجتذاب عناصر حماس إلى الأنفاق المعروفة بـ”المترو”، ثم الهجوم من الجو لتدمير الأنفاق وتصفية هذه العناصر تحت الأرض، لكن لم تنجح عملية المراوغة هذه، واتضح أن الجيش الإسرائيلي لم يستعد لتوغل بري، فبالإضافة للخوف الشديد من تكرار اجتياح القطاع المحاصر، والمغامرة بسقوط جنود قتلى أو مختطفين، فإن الجيش لم يملك عددا كافيا من السائقين لينقل معداته الثقيلة وآلياته وجنوده إلى نقاط المعارك على حدود غزة.

منذ سنوات تحذر نقابل السائقين في إسرائيل من النقص الحاد في عدد سائقي الحافلات والمركبات الثقيلة، خصوصا في أوقات الطوارئ العسكرية، فمنذ عامين أرسل رئيس النقابة رسالة إلى مفوضية قبول الجنود الجدد (هيئة غير عسكرية تأسست عام 1972) يحذر فيها من النقص في القوة البشرية بالجيش، وهو ما يبرز بطبيعة الحال في النقص الحاد في عدد سائقي المركبات الثقيلة، خصوصا في حالات الطوارئ، والنتيجة هي عدم وجود سائقين شبه متنقلين مع قوات الجيش.

أثبتت عملية “حارس الأسوار” أن قوات الجيش الإسرائيلي لم تكن على مستوى الجاهزية المطلوب، بسبب نقص الإمدادات مع قلة عدد سائقي الحافلات الذين ينقلون الآليات والذخائر والمجندين، إلى جانب قوات الشرطة التي لم تملك قوة بشرية كافية للسيطرة على الصدامات العنيفة بالمدن المحتلة.

من جانبه أوصى اللواء أهرون حاليفا، رئيس قسم العمليات المنتهية ولايته بالجيش الإسرائيلي، بإنشاء “حرس وطني” مبني على وجود قدرات احتياطية كبيرة تكون تابعة لأقسام الشرطة، تساعد في حالات الطوارئ، لفتح ممرات العبور لمركبات الجيش، خصوصا إذا ما وقعت اشتباكات في الوقت نفسه على جانبي الحدود، شمالا مع حزب الله أو على هضبة الجولان، وجنوبا عند غزة، وفي حالة عدم توفير عدد كاف من السائقين والقدرات البشرية لن تستطيع القوات البرية الوصول إلى وجهتها لإتمام مهام المناورة أو التوغل والاشتباك.

2502107 46

ربما يعجبك أيضا