هل تبصر “موازنة ترامب التقشفية” النور؟

حسام عيد – محلل اقتصادي

تخفيضات كبيرة لم يسبق لها مثيل تصل إلى حد التقشف وضعت الموازنة الأمريكية المقترحة من إدارة دونالد ترامب للعام 2018 في مقارنة بالموازنة التي صدرت عن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ريجان في 1981.

ويريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يوافق المشرعون على تخفيضات بقيمة 3.6 تريليونات دولار في الإنفاق الحكومي على مدى السنوات العشر القادمة، مستهدفا في خطة موازنة تقشفية كشف النقاب عنها برامج الرعاية الصحية والمساعدة الغذائية للفقراء بينما تزيد الإنفاق العسكري.

الملامح الرئيسية للموازنة

الإنفاق العسكري؛ تستهدف الموازنة الأمريكية المقترحة رفع الإنفاق العسكري بنسبة 10.1%، حيث يرغب ترامب في تخصيص 52 مليار دولار إضافية للبنتاجون كجزء من زيادة الإنفاق العام على الدفاع بواقع 54 مليار دولار.

الإنفاق على الأمن القومي؛ ستركز الموازنة الأمريكية للعام 2018 بشكل كبير على الأمن القومي، فمخصصات الأمن القومي سترتفع 6.8%، ودعم قدامي المحاربين سيرتفع بما يقارب 5.8%.

فيما ستشهد القطاعات الأخرى تخفيضات واقتطاعات كبيرة ستصل إلى 142 مليار دولار، ما يعني توفير في النفقات الحكومية غير الرشيدة بشكل كبير.

إهمال قطاع الرعاية الصحية

برنامج الرعاية الصحية لاقى الكثير من الدعم من الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام، كما أن ترامب تعهد بعدم المساس به بأي طريقة.
اليوم، التأمين الصحي في الولايات المتحدة الأمريكية هو الأقل بالمقارنة مع الدول المتقدمة، ودائما ما تثار انتقادات كثيرة لقطاع الرعاية الصحية.

“أوباما كير” حاول تقليص هذه الانتقادات ولكن لا زالت موجودة.

المفارقة الغير متوقعة هنا أن الموازنة المالية الجديدة لم تركز على قطاع الرعاية الصحية، حيث تراجعت مخصصات الإنفاق على الرعاية الصحية وتوفير التأمين الصحي لذوي الدخل المحدود.

الموازنة المقترحة وعلى مدى 10 سنوات سوف تقوم بتخفيض المبالغ المصروفة على قطاع التأمين والرعاية الصحية، ففي عام 2017 تراجع الإنفاق بنسبة 0.8%، في 2018 سيزيد التخفيض إلى 5.9%، و8.5% في 2019، إلى أن تصل نسبة تقليص الإنفاق على الرعاية الصحية إلى 47.2% في 2027.

مستهدف إدارة ترامب للنمو الاقتصادي

يستهدف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الوصول إلى نمو اقتصادي بمعدل 3% بحلول 2020، وهي تفوق كثيرا افتراضات مكتب الميزانية التابع بالكونجرس التي تتوقع نموا قدره 1.9%.

ويركز اليوم على تقليل النفقات العامة بالإضافة إلى نظام ضريبي أبسط، ما يعني استقبال الولايات المتحدة الأمريكية لمزيد من الضرائب ومن ثم مزيد من الإيرادات وبالتالي بلوغ مستويات مرتفعة من النمو الاقتصادي.

لكن إلى اليوم لم تتعد سياسات وتشريعات ترامب الضريبية للنهوض بالاقتصاد مرحلة الاقتراحات، حيث يتطلب تنفيذها موافقة الكونجرس عليها.

كما أن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية أصبح لا يرتكز بشكل أساسي على التشريعات الضريبية، فنمو الفئة العمرية ما بين 25 – 54 عاما آخذة في التراجع بشكل كبير منذ عام 1990، الأمر الذي يؤثر سلبا على أداء الاقتصاد.

بالإضافة إلى التراجع الكبير في متوسط عدد ساعات العمل أسبوعيا بالقطاع الغير الزراعي.

وعلى صعيد معدل نمو الإنتاجية، منذ عام 2006 إلى 2016 هبطت معدلات الإنتاجية بشكل كبير ليس فقط في أمريكا ولكن حتى في دول عظمى مثل ألمانيا “الاقتصاد الأكبر في أوروبا” والسبب في ذلك ارتفاع معدلات الشيخوخة، الأمر الذي دفع الدول الأوروبية إلى جذب المهاجرين الشباب وإلحاقهم بسوق العمل لتصحيح مسار معدلات الإنتاجية ودفع عجلة الاقتصاد.

اليوم، أمريكا تحت إدارة ترامب تسعى للانغلاق والانعزال رافضة فتح أبوابها وحدودها أمام المهاجرين، الأمر الذي سيساهم في تفاقم معدلات الشيخوخة ومن ثم استمرار تراجع معدلات الإنتاجية.

رؤية المستثمرين لخطط ترامب الاقتصادية

عوائد السندات الطويلة الأجل “10 سنوات” دائما ما تكون أعلى بكثير من معدلات العامين، فالمستثمر يتوقع الحصول على عائد أعلى لطول الفترة، وكلما زادت توقعات التضخم على المدى الطويل، كلما ارتفعت مستويات العوائد على السندات “10 سنوات”.

ما يحدث اليوم في الأسواق المالية عكس ما سبق، فالفرق بين عوائد سندات العشر سنوات والعامين هي عند أدنى مستويات لها منذ أكتوبر فقط 0.96% من هذه الفروقات، الأمر الذي يعني بأن المستثمر اليوم لا يتوقع ارتفاع في معدلات التضخم والنمو الاقتصادي على المدى الطويل، ما يعني أن عوائد السندات طويلة الأجل تتراجع حتى وصلت إلى مستويات قريبة جدا من مستويات عوائد سندات العامين.

هل تبصر موازنة ترامب النور؟

تحتاج الموازنة المقترحة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للعام المالي الجديد إلى 60 صوتا على الأقل لتمر عبر الكونجرس.

وأيضا تحتاج إلى 8 أصوات على الأقل من الحزب الديمقراطي، لذلك يعد تمرير هذه الموازنة بهذا الشكل هو أمر مستبعد.

ربما يعجبك أيضا