هل يغير الركود الاقتصادي مسار بوتين في أوكرانيا؟

آية سيد
روسيا

توقعت الدول الغربية أن تأثير العقوبات الاقتصادية على روسيا سيدفع الرئيس الروسي للتراجع عن غزوه لأوكرانيا. لكن يبدو أن هذه العقوبات لم تأتي ثمارها حتى الآن.


على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت في 24 فبراير 2022، فرضت الدول الغربية مجموعة من العقوبات غير المسبوقة على روسيا، آملين أنها ستؤدي إلى ركود اقتصادي.

ورغم أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين لم يتوقع أن يفرض الغرب هذا النظام القوي والمنسق للعقوبات على بلاده، لم يتوقع الغرب كذلك أن تستطيع روسيا الصمود اقتصاديًا حتى الآن، وفق مقال للزميل في معهد ديفينس برايوريتيس والكاتب في مجلة نيوزويك الأمريكية، دانيال ديبتريس. و

كيف تتعامل روسيا مع العقوبات؟

راى ديبتريس أن بوتين يبدو منفتحًا على تحمل تكاليف الركود إذا كان ذلك يعني تحقيق أهدافه العسكرية في أوكرانيا، مبينًا أن روسيا تحاول التكيف مع العقوبات وتجنبها، لتخفيف آثارها. وردًا على قطع سلسلة الإمداد والقيود الأمريكية على الصادرات، تحاول موسكو استبدال البضائع المحلية بالبضائع الأجنبية. هذه الإجراءات حققت نجاحًا مختلطًا، وجودة المنتجات ستكون أقل بكثير مقارنة بالبضائع المتوفرة عادةً.

بحسب ديبتريس، هذه الإصلاحات قصيرة المدى ستمنح بوتين بضعة سنوات للتكيف وتسمح له بتقليل الإحباط في الشارع الروسي. بالإضافة إلى هذا، تعيد موسكو توجيه أنماطها التجارية ردًا على العقوبات الغربية. فمثلًا تعيد روسيا توجيه النفط الخام من أوروبا إلى آسيا، فلا يمانع المشترون شراء الوقود الأحفوري الروسي إذا كانت الشروط مغرية.

أسعار مغرية للنفط

ذكر ديبتريس أن روسيا تعرض تخفيضات على النفط تصل إلى 30 و35 دولار للبرميل، ما جعله أرخص بكثير من السعر المرجعي الذي يساوي 120 دولار تقريبًا للبرميل. هذا يجعل روسيا تحقق أرباحًا ضخمة، وتجعله أفضل بكثير من البديل بالنسبة إلى الدول المتعطشة للطاقة مثل الهند والصين.

وبحسب أسوشيتد برس، اشترت الهند نحو 60 مليون برميل من النفط الروسي في 2022 حتى الآن، مقارنة بـ12 مليون برميل في 2021. وزادت شحنات الدول الآسيوية الأخرى، مثل الصين، في الشهور الأخيرة. وأفاد تقرير لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف الفنلندي، بأن روسيا حققت عائدات بقيمة 93 مليار يورو، نحو 97.4 مليار دولار من صادرات الوقود الأحفوري في أول 100 يوم من الحرب في أوكرانيا.

ارتفاع الأسعار العالمية

لفت ديبتريس إلى أن ارتفاع الأسعار العالمية يضعف ما أمل الغرب في أن تحققه العقوبات. ففي حين أن شحنات النفط الخام الروسي تتراجع، يعني سعر النفط المرتفع أن موسكو تجني عوائد أعلى.

ويُقدِّر تقرير لمعهد التمويل الدولي أنه إذا ظلت أسعار السلع مرتفعة واستمرت صادرات روسيا من النفط والغاز، قد تجني موسكو أكثر من 300 مليار دولار من مبيعات الطاقة هذا العام، ما يساوي تقريبًا الاحتياطيات الأجنبية الروسية التي جمدتها العقوبات الغربية، وفق  وول ستريت جورنال.

تحدي للدول الغربية

أشار ديبتريس إلى أن “هذا يفرض مشكلة لواشنطن، لكن الحل ليس واضحًا كما يظن البعض. فالولايات المتحدة تستطيع فرض عقوبات ثانوية على صناعة النفط الروسي، مثلما فعلت مع إيران. لكن هذا سيكون له عواقب دبلوماسية هائلة وسيضر بأولويات السياسة الخارجية الأخرى التي تأمل إدارة بايدن تحقيقها”.

وذكر تقرير وول ستريت جورنال أن التحدي أمام الدول الغربية يتضاعف بحقيقة أنها كلما زادت العقوبات على روسيا، فإنها تخاطر بالتسبب بأضرار جانبية لاقتصاداتها. لذلك، تتحرك الدول الغربية ببطء في ما يتعلق بعقوبات الطاقة. وكانت واحدة من أهم الخطوات حتى الآن هي اتفاق الاتحاد الأوروبي على وقف واردات النفط، الذي سيغطي 90% من الشحنات الروسية السابقة.

عقوبات الطاقة ليست مجدية

أضاف الخبير في الاقتصاد الروسي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، جانيس كلوج: “لم يعد يوجد الكثير في ترسانة الغرب ما عدا العقوبات على صادرات الطاقة الروسية، وهي ليست مُجدية سياسيًا للحكومات الغربية في ظل الظروف الحالية للتضخم وأسواق الطاقة الضيقة”، مضيفًا أن العقوبات تدمر النظرة المستقبلية الاقتصادية لروسيا على المدى البعيد، لكنها لم تقوض قبضة بوتين على السلطة حتى الآن.

تأثير العقوبات

بحسب تقرير وول ستريت جورنال، كان تأثير العقوبات الغربية متفاوتًا. ففي حين أن الإجراءات المتعلقة بالقطاع المالي، كان لها تأثيرًا مباشرًا، يقول المحللون إن تأثير الاقتصاد الكلي سيستغرق وقتًا. وذكر تقرير معهد التمويل الدولي أن “العقوبات الاقتصادية لم تكن لتمنع أفعال روسيا بين ليلة وضحاها، لكن هدفها رفع ثمن استمرارها.. وربما يصل الثمن إلى مستوى تصبح عنده حرب روسيا على أوكرانيا باهظة التكلفة”.

وأوضح وول ستريت جورنال أن ارتفاع التضخم يؤثر في الدخول الحقيقية المتاحة، التي هبطت 1.2% في الربع الأول من 2022 مقارنةً بـ2021، بالإضافة إلى ارتفع معدل الفقر. وأدى نقص القطع المستوردة إلى إغلاق مصانع سيارات كاملة. ومتوقع أن تزيد الآثار الاقتصادية في النصف الثاني من العام. قال كلوج، “ستزيد مشكلات الاقتصاد الروسي على مدار الصيف وفي الخريف، تدريجيًا”.

تطبيع الوضع الاقتصادي

توقع تقرير معهد التمويل الدولي انكماش اقتصاد موسكو 15% هذا العام، ثم 3% أخرى في 2023، من جانبه، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن التوقعات القاتمة للاقتصاد الروسي لم تتحقق، واصفًا إياها بأنها سلاح في حرب المعلومات، بحسب وكالة الأنباء الروسية “تاس”.

وأضاف بوتين في منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي، يوم الجمعة الماضي 17 يونيو: “نحن نعمل على تطبيع الوضع الاقتصادي، خطوة بخطوة. أولًا، حققنا الاستقرار في الأسواق المالية والنظام المصرفي والشبكة التجارية، ثم بدأنا في ملء الاقتصاد بالسيولة ورأس المال العامل للحفاظ على استقرار الشركات والتوظيف وفرص العمل”.

ربما يعجبك أيضا