وثائق أمريكية مسربة.. بنوك كبرى تنقل المال القذر دون حسيب ولا رقيب

ولاء عدلان
كتبت – ولاء عدلان 

داخل أروقة بنوك كبرى وتحديدا في الفترة ما بين عامي 2000 و2017 نُفذت عمليات مصرفية “مشبوهة” تتجاوز قيمتها نحو 2 تريليون دولار، وكانت الحكومة الأمريكية على علم بالأمر إلا أنها لم تحرك ساكنا لوقف تلك العمليات، هذا ما أكدته وئائق نشرها أخيرا الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، تحولت إلى عنوان لفضيحة جديدة في عالم المال.

نشر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين مجموعة من الوئاثق المسربة من وكالة مكافحة الجرائم المالية FinCEN”” التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية، تكشف الوثائق كيف سمحت بنوك كبرى لمجرمين حول العالم بتحويل أموالهم القذرة عبر عمليات مصرفية مشبوهة تتجاوز قيمتها نحو 2 تريليون دولار.

تفاصيل مثيرة تكشفها الوثائق

تتكون وثائق “FinCEN” المسربة من أكثر من 2500 وثيقة، حصل عليها موقع “باز فيد نيوز” وقرر مشاركتها مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين الذي شكل فريقا من نحو 400 صحفي حول العالم للتحقق من التسريبات قبل نشرها، وقال الاتحاد إن هذا الكم من الوثائق لا يشكل سوى 0.02% من أكثر من 12 مليون وثيقة قدمتها البنوك لوكالة مكافحة الجرائم المالية الأمريكية في الفترة من 2000 إلى 2017.

هذه الوثائق تؤكد أن بنوكًا كبرى مثل دويتشه بنك، وجيه بي مورجان، وإتش إس بي سي، وستاندرد تشارترد وبنك أوف نيويورك قامت خلال العقدين الماضيين بنقل أموال مشبوهة لأشخاص وكيانات تورطوا في أعمال إجرامية أو خاضعين بالفعل لعقوبات دولية، على الرغم من وقوع هذه المؤسسات المالية لأكثر من مرة تحت طائلة العقوبات الأمريكية بسبب شبهات غسيل الأموال.

يقول الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين إن مسؤولي هذه البنوك وبحسب ما كشفته الوثائق قدموا هذه المعلومات لكشف عمليات غسيل أموال أو للاشتباه في تورط عملاء لديهم في أعمال أجرامية، إلا أن هذه الخطوة جاءت بعد فوات الأوان حيث يصعب تتبع مسار تحويلات الأموال القذرة وتحديد مصدرها الأصلي بعد مضي فترة طويلة على المعاملة البنكية، كما أن الحكومة الاتحادية الأمريكية لم تفعل شيئًا لإجبار هذه البنوك لوقف مثل هذه العمليات.  
تكشف الوثائق – بحسب ما ذكرته وكالة “بلومبرج”- أن أكبر بنكين تورطوا في عمليات غسيل أموال هما دويتشه بنك، الذي كشف عن 1.3 تريليون دولار من الأموال المشبوهة في ملفاته، و”جيه بي مورجان” الذي كشف عن 514 مليار دولار.

تسلط الوثائق الضوء على دور “جي بي مورجان” في قضية الصندوق السيادي الماليزي الشهيرة، حيث نقل أكثر من مليار دولار لأحد المتهمين الرئيسيين وفق ما قدمه من سجلات، كما تورط البنك الشهير في  معالجة مدفوعات مشبوهة لـ”بول مانافورت” المدير السابق لحملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية، والذي استقال وسط مزاعم غسيل الأموال وفساد.

أيضا تكشف الوثائق كيف تورطت بنوك “ستاندرد تشارترد” و”أوف نيويورك” و”باركليز” في تنفيذ عمليات بنكية مشبوهة بأكثر من 20 مليار دولار.

البنوك تدافع: لا يمكنا منع تدفق “المال القذر” بالكامل
“جيه بي مورجان” أكد للاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن البنوك يُحظر عليها قانونيا مناقشة بيانات العملاء، لكنه أكد أنه قام خلال السنوات الماضية بدور قيادي في مكافحة جرائم غسيل الأموال.

وفي بيان لـ”رويترز” قال “إتش إس بي سي”: إن جميع المعلومات التي قدمها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين “تاريخية”، وإنه منذ 2012 شرع في عملية عاجلة لإصلاح قدرته على مكافحة الجرائم المالية عبر التعاون مع أكثر من 60 سلطة قضائية.

من جانبه قال بنك “ستاندرد تشارترد” في بيان: نحن نتحمل مسؤوليتنا في مكافحة الجرائم المالية، واستثمرنا بشكل كبير في كوادرنا لنعزز من جهود التعاون مع الجهات القانونية والتنظيمية.

“دويتشه بنك” أكد في بيان تلقته “بلومبرج” أن الوثائق المنشورة تتحدث عن عدد من القضايا التاريخية وتلك المعروفة جيدًا للمنظمين، وأنه تم بالفعل التحقيق في هذه القضايا وصدرت قرارات تنظيمية تم فيها الاعتراف علنا بتعاونا مع جهات إنفاذ القانون.

جيم ريتشاردز، الرئيس السابق لمكافحة غسيل الأموال في بنك أوف أمريكا قال لـ”بلومبرج”: ما تكشفه الوثائق التي بين أيدينا هو طبيعة العمل المصرفي، ففي البنوك نقوم بنقل الأموال، وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة للقضاء على الجرائم المالية، سيكون هناك دائمًا بعض الأموال القذرة التي تنتقل عبر النظام المصرفي، لكنها في النهاية جزء صغير جدًا من تريليونات الدولارات التي تتعامل فيها البنوك كل يوم.

 وثائق “فين سين” لا تسلط الضوء فقط على ما يحدث في الظلام داخل البنوك، لكنها من جهة أخرى تسلط الضوء على التحديات التي تواجه عمل المؤسسات المالية والتنظيمية على حد السواء، والتي تحاول جاهدة وقف تدفق الأموال القذرة إلا أنها في النهاية لا تستطيع سوى التصدي لجزء من الظاهرة، نظرا لصعوبة رصد وتحديد هوية كل عميل بنكي، وبحسب الأمم المتحدة لم يصادر من الأموال غير المشروعة في النظام المصرفي العالمي سوى 1% فقط، حتى يومنا هذا.

وخلال العقد الماضي وظفت البنوك آلاف الموظفين لتعزيز قدراتها على مكافحة ظاهرة غسيل الأموال والجرائم المالية، وأنهى بعضها أنشطته في بعض البلدان المعروف عنها أنها تشكل ملاذات للمجرمين والمتهربين من الضرائب، كما شددت من قيود قبول العملاء الأجانب الجدد، لكن جميع العاملين في القطاع المصرفي يؤكدون أنهم لن يكونوا قادرين على وقف جميع الأنشطة المشروعة بشكل تام، فهذا مستحيل في زمن كل ما فيه يدار بكبسة زر وزمن البنوك متعددة الجنسيات.

ساهمت إلى حد كبير الغرامات الكبرى التي فرضتها الحكومة الأمريكية على “إتش أس بي سي” و”ستاندرد تشارترد” في 2012، على خلفية خرقهما للعقوبات على إيران وقواعد مكافحة غسيل الأموال، في زيادة تعاون البنوك مع الجهات القانونية والتنظيمية، إذ ارتفعت تقارير البنوك المقدمة لهذه الجهات عن العمليات المشبوهة من 60 ألف في العام المذكور إلى أكثر من 2 مليون سنويًا في السنوات الأخيرة، ومع ذلك فإن وكالات إنفاذ القانون تتقصى سوى عن 4٪ فقط من تلك التقارير في أغلب الأحيان، ما يعني أنه بالإضافة إلى ضرورة أن تتحمل البنوك مسؤولياتها فيما يتعلق بمكافحة الجرائم المالية يجب أن تشدد الحكومات من الرقابة وتفعل عقوبات رادعة للمخالفين. 

ربما يعجبك أيضا