وسط اتهامات دولية بالتحايل.. مخاض عسير لــ”مكافحة غسيل الأمول” في إيران

يوسف بنده

رؤية

الأربعاء الماضي، 24/ 10/ 2018، قام رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني بإرسال مشروعي قرار منفصلين إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام بشأن التحاق إيران باتفاقية المنظمة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود (باليرمو)، وتعديل قانون مكافحة غسيل الأموال.

وفي خطاب موجه إلى رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام ‘آية الله سيد محمود هاشمي شاهرودي’ حول اتفاقية باليرمو، أشار لاريجاني إلى أنه ‘وفقا للمادة 112 من الدستور، مرسل (إليكم) القرار المصادق عليه خلال الجلسة العلنية للبرلمان بتاريخ الثلاثاء 25 سبتمبر 2018 والذي كان قد أرسل إلى البرلمان تحت عنوان التحاق الجمهورية الإسلامية باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجرائم المنظمة العابرة للحدود؛ وذلك نظرا لمصلحة النظام وعدم الحصول علي تأييد مجلس صيانة الدستور وأيضا إلحاح البرلمان علي قراره هذا’.

وفي رسالة أخري إلى آية الله هاشمي شاهرودي، أحال لاريجاني مشروع قرار تعديل مكافحة غسيل الأموال إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام للنظر فيه.

وكان المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور في إيران ‘عباس كدخدائي’ قد أشار -في تغريدة له- إلى حلّ الإشكالات التي كان المجلس قد نوّه إليها بشأن مشروعي قرار مكافحة غسيل الأموال ومعاهدة باليرمو؛ مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه نظرا لآراء مجمع تشخيص مصلحة النظام سيتم إعادة القرارين إلى البرلمان.

اعتراض

وقد اعتبر عدد من البرلمانيين أن إنشاء اللجنة العليا للنظر في السياسة الشاملة، هو إضعاف للبرلمان والدستور. وأن الحد من اختيارات البرلمان يضع ديمقراطية النظام موضع شك.

هكذا نشرت صحيفة “جمهوري إسلامي”، اليوم السبت، وأضافت: “وفي الآونة الأخيرة، وخلال عملية التعامل مع مشاريع مكافحة غسل الأموال ومشروع قانون تمويل الإرهاب، غرّد المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، كدخدائي، في “تويتر” وأثارت تغريدته الكثير من الهوامش”.

ووفقًا للصحيفة، فقد “وصف وزير الطرق السابق، عباس آخوندي، في رسالة موجهة إلى علي لاريجاني، إنشاء هذه اللجنة بأنها دعامة جديدة تتجاوز الدستور.

كما انتقد النواب صلاحيات مجلس تشخيص مصلحة النظام ودخوله في النظام التشريعي بدلا من الإشراف عليه.

وقال علي مطهري إن هذه البدعة سوف تؤدي بالتأكيد إلى الحد من الصلاحيات التشريعية للبرلمان. والبرلمان يجب أن يدافع عن نفسه”.

ومن جانب آخر، قال وزير الطرق وإعمار المدن السابق، عباس آخوندي، إن إيران كانت بحاجة إلى إجراء إصلاحات هيكلية في مجالي الاجتماع والاقتصاد، “لدخول مرحلة التنمية بعد الاتفاق النووي”. وفي رأيه، لإدارة الاقتصاد بعد الاتفاق النووي، “کان يجب على الحكومة بجانب قضية الاتفاق النووي، حل قضية مجموعة العمل المالي  (FATF)”. وبحسب قوله أيضًا، من غير (FATF)، “لن يكون من الممكن الاستفادة من قدرات الاتفاق النووي وتوسيع العلاقات التجارية والمالية مع العالم”.

مهلة

وقد تلقت إيران ضربة جديدة من مجموعة العمل المالي الدولية (فاتف) التي أمهلتها حتى فبراير المقبل لاستكمال إصلاحات تجعلها ملتزمة بالأعراف الدولية وإلا فسوف تواجه عواقب.

وتأتي التحذيرات بينما تترقب طهران دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ في الخامس من نوفمبر القادم، ما سيقيد نشاطها الاقتصادي وخاصة إمداداتها النفطية.

ويجمع محللون على أن الوضع الاقتصادي في إيران وصل إلى طريق مسدود، ولم يعد معه بالإمكان تدارك الأزمة في ظل تفاقم معاناة المواطنين واستفحال الفساد وسيطرة السلطة الدينية على ثروات البلاد وتسخيرها للأجندات السياسية الخارجية وحرمان الشعب منها طيلة أربعة عقود.

وذكرت المجموعة بعد اجتماع لأعضائها مؤخرا في بيان أن “إيران لم تتحرك بشأن 9 من بين 10 من قواعدها الإرشادية رغم تعهدها ببلوغ المستوى المطلوب”.

وقال مارشال بيلينجسلي -مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب بعد أن رأس اجتماع فاتف- “نتوقع أن تتحرك إيران بسرعة لتنفيذ التعهدات التي أخذتها على عاتقها قبل فترة طويلة”.

وأضاف “تماشيا مع ذلك، نتوقع أن تتبنى جميع تلك المعايير بحلول فبراير 2019 وإذا لم تفعل سنتخذ خطوات أخرى”.

وقررت المجموعة المالية، التي تتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرا لها، مواصلة تعليق إجراءات مضادة، يمكن أن تصل إلى تقييد أو حتى حظر التعاملات مع الدولة.

ومنح أعضاء فاتف بالفعل طهران مهلة حتى نهاية الشهر الجاري لتتوافق قوانينها بشأن مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب مع القواعد الإرشادية للمجموعة.

وإذا لم يحدث هذا، فإن إيران ستخاطر بالعودة إلى قائمة سوداء للدول غير الملتزمة مما سيدفع المستثمرين والبنوك الأجانب للعزوف عن التعامل معها.

ونسبت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية للمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، أنه يرحب بقرار تمديد الموعد النهائي إلى فبراير المقبل.

ولكنه انتقد الرئاسة الأميركية لفاتف قائلا إنها “محاولة لإعادة إدراج اسم إيران في القائمة السوداء الدولية لغسيل الأموال”، دون أن يذكر تفاصيل.

الرهان على أوروبا

ولم يبق أمام السلطات الإيرانية الكثير من الخيارات في مواجهة الضغوط الأميركية إلا سند أوروبي لا يبدو متينا، وفق الخبراء، في ظل ممارسات إيرانية قد تقوض الدعم الأوروبي للاتفاق النووي ولجهود دول أوروبية تستهدف استمرار التدفقات المالية لطهران.

وتسعى بريطانيا وفرنسا وألمانيا للإبقاء على بعض القنوات المالية مفتوحة إلى إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 وإعادة فرض عقوبات على طهران.

ويقول محللون اقتصاديون: إن إدراج طهران في القائمة السوداء للمجموعة المالية الدولية قد يجعل ذلك عمليا أمرا شبه مستحيل.

وتحتل إيران مراكز متأخرة على مؤشر منظمة الشفافية العالمية، إذ تمّ تصنيفها العام الماضي في المرتبة الـ131 عالميا في مكافحة الفساد من بين 176 دولة يرصدها المؤشر، ما يعني أن معظم مؤسسات الدولة داخل دائرة المحسوبية والاستغلال.

طرق خفية

ويعتقد خبراء أميركيون أن استئناف العقوبات الأميركية واسعة النطاق على إيران سيسبب تهديداً إيرانياً خطراً لجهة غسل الأموال عبر شبكة الإنترنت، بحيث تكون المصارف هي الهدف الرئيسي. لكنهم يعتقدون أيضاً أن العقوبات قد تكون فرصة للمؤسسات المالية كي تضاعف جهودها في مجال الأمن الإلكتروني.

ورد ذلك في تقرير تحليلي نشرته وكالة “بلومبيرج” الخميس الماضي، وأعدّه وليام جي. ريتش، المتخصّص في الشؤون الدولية لدى “مجلس العلاقات الخارجية” الأميركي، والذي عمل في السابق ملحقاً لوزارة الخزانة الأميركية في كل من الإمارات وسلطنة عُمان.

يستهل ريتش تقريره بالقول: إن بنوكاً عديدة سيكون يوم الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني القادم يوماً مخيفاً بالنسبة إليها، إذ تُعيد واشنطن فرض عقوباتها على إيران، بما يضغط على اقتصادها المأزوم، ويزيد من حالة اليأس التي تتملك النظام بالنسبة لفقدان العملة الصعبة.

لكن هنا يحذر التقرير من أن تأثيراً جانبياً حساساً لهذا الوضع لا يكتسب سوى القليل من الاهتمام، إذ من المحتمل أن تحاول إيران تجنّب العقوبات عن طريق غسل الأموال مستخدمة الإنترنت، وبذلك ستكون البنوك هدفاً رئيسياً لهذه العملية.
 
ويشرح الخبير كيف أن تبييض الأموال عبر الإنترنت هو “مفهوم بسيط إلى حد ما”، إذ يلجأ المتسللون إلى استخدام نظام الكمبيوتر الخاص بمصرف ما لتنفيذ معاملة مالية محظورة، عن طريق تغيير المعلومات المهمة أو تعطيل ضوابط مكافحة غسل الأموال.

وهو يعتقد أن هذه الطريقة “فعّالة لأنها خفية”. فلا يحتاج المرء إلا إلى تمويه الهدف غير المشروع أو الشريك الخاضع للعقوبات عن طريق إجراء معاملة أُخرى مسموح بها.

ومن المؤكد، بحسب التقرير، أن إيران لديها الدافع لمثل هذه الهجمات. ففي مواجهة ضعف العملة والركود الاقتصادي الذي يلوح في الأفق، أصبح بيع النفط والحصول على دولارات أمراً ملحاً للغاية من أجل دعم الريال الإيراني وتمويل الحروب بالوكالة في الخارج.

وما يزيد من الضغوط، برأي الخبير، أن الجهود الأخيرة التي بذلتها الولايات المتحدة والإمارات، صعّبت على إيران القيام بنشاط غير مشروع عبر دبي، التي لطالما شكلت البوابة الخلفية التقليدية للنظام المالي.

وقد أظهرت إيران أنها تتمتّع بالقدرات اللازمة لهذا الأمر. فابتداء من عام 2011، وجّهت هجمات إلكترونية ضد عشرات المصارف الأميركية، ما أدى إلى خسارة ملايين الدولارات.

سرقة بـ3.4 مليار دولار

وفي الآونة الأخيرة، سرق قراصنة ما حجمه 31 تيرابايت (أي 31 ألف جيغابايت) على الأقل من المستندات والوثائق من مؤسسات أكاديمية وشركات ووكالات حكومية أميركية، وهي سرقة تُقدّر قيمتها بنحو 3.4 مليار دولار، بحسب التقرير.
 
ونظراً لحجم احتياجاتها من العملة الصعبة، قد تطلب إيران المساعدة من بلدان أخرى قادرة أو من جماعات إجرامية، شنّ هجمات جديدة كي تتهرّب من العقوبات الأميركية.

ويعتقد الخبير أن قطاع التمويل غير مستعد إلى حد كبير لهذا النوع من التهديد. ففي السنوات الأخيرة، ركّز القطاع على منع عمليات القرصنة على نطاق واسع، كتلك التي حُوّل بموجبها 81 مليون دولار من بنك بنغلادش عام 2016.

ونتيجة لجرأة القائمين على العملية وحجمها، كان الهجوم في حينه، موضع تغطية صحفية دراماتيكية وجلسات نقاش لا حصر لها حول الأمن المالي في المؤتمرات المالية. لكن نافذة هذا النوع من الاختراق تتلاشى، لأن البنوك والهيئات التنظيمية تستثمر في التكنولوجيا والرصد والتدريب، لمنع عمليات تحويل الأموال غير المصرّح بها.

تعقّب العمليات السيبرانية… صعب

إلا أن التقرير يشير إلى أن غسل الأموال باستخدام وسائل تتيحها التقنيات السيبرانية لم يكن على رادار الاهتمام بالطريقة نفسها، وقد يكون من الصعب منعه.

فبحسب الخبير الأميركي، بإمكان القراصنة تغيير بيانات العملاء بمهارة، لتفادي قوائم فحص العقوبات أو إعفاء حساب من التدقيق المُركّز الذي تقوم البنوك بتطبيقه على العملاء من البلدان الخاضعة للعقوبات، فيما تمثل الضوابط التي تم تجاوزها في الفروع النائية للبنوك خطراً من النوع الخاص.
 
في السياق، يشير التقرير إلى أن أكبر مصرف في الدنمارك، وهو “دانسكه”، يواجه حالياً عقوبات مدنية واتهامات جنائية محتملة، بعدما غسل فرع إستونيا التابع له، مبلغاً تصل قيمته إلى 235 مليار دولار لمصلحة روس خاضعين للعقوبات.

المؤسسات المالية ليست عاجزة

غير أن الخبير الأميركي يعتقد أن المؤسسات المالية ليست عاجزة في مواجهة هذا التهديد، لكن يجب عليها التزام المراقبة المستمرة لسلوك الحسابات، وسلامة البيانات، والموظفين وسلاسل التوريد.

أما بالنسبة للمؤسسات المبتدئة على هذا الصعيد، بحسب الخبير، فيجب أن تستثمر في برامج المعلوماتية التي تُنشئ نظاماً تفصيلياً داخلياً لتسجيل البيانات المهمة، ما قد يجعل التلاعب أكثر صعوبة.

وبالتالي، فإن وضع مثل هذا النظام مزوّداً بخصائص أمان من نوع “إدراك السياق”، التي تأخذ في الحُسبان عناصر مثل الموقع والسلوك التاريخي والمصادقة المتعدّدة العوامل، قبل السماح بالولوج إلى النظام أو إجراء تغييرات، يمكن أن يساعد في حظر النشاط الغريب. وبحسب الخبير، قد تسمح مجموعة من هذه الميزات للمسؤولين بمراقبة القراصنة قبل اختراقهم عناصر التحكم.

ومن مباعث القلق الأكثر تقدّماً، التلاعب بالأجهزة (وليس البرامج)، والتي يمكن أن تُقوّض حتى أكثر شبكات المعلوماتية أماناً. وهنا، برأي الخبير، ستحتاج البنوك إلى مراجعة سلاسل التوريد العالمية، من أجل ضمان سلامة أجهزة الكمبيوتر ومعدّات الشبكات. ويمكن أن يؤدي تخزين البيانات في السحاب clouds الآمن والوصول إليها عبر أجهزة سطح المكتب الافتراضية، إلى تخفيض كمية الأجهزة الواجبة حمايتها.

يبقى خطر القرصنة قائماً على الدوام

ومع ذلك، فإن أكثر الأنظمة الأمنية تطوّراً يمكن أن يخترقها الأشخاص الذين يستخدمونها، فيما سيواصل المتسللون استخدام هجمات “التصيّد الاحتيالي” والهجمات المشابهة لاستهداف المستخدِمين غير المُبالين.
 
لكن التدريب الواقعي، إلى جانب الاختبار المستمر للتوعية بالأمن السيبراني، يبقى أمراً ضرورياً. كما أن من الأمور الحيوية وجود برنامج لرصد التهديد من الداخل كي يراقب الموظفين الذين يتمتّعون بسلطات ولوج مهمّة إلى داخل النظام المعلوماتي.

وأخيراً، فإن تشارك المعلومات على نحو أفضل بين المصارف والحكومات والأوساط الأكاديمية، سيمكن مؤسسة تعرّضت لهجوم ما أن تُنذر جميع الآخرين منه.

وينتهي الخبير الأميركي إلى القول إن دليلاً استشارياً صادراً بهذا الخصوص عن وزارة الخزانة في 11 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، يشرح بالتفصيل جهود إيران لإساءة استخدام النظام المالي الدولي، يُعدّ مثالاً جيداً في هذا الاتجاه.

ربما يعجبك أيضا