وسط رياح «دلتا».. سلاسل التوريد العالمية مهددة بالانهيار

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تواصل سلالة دلتا من فيروس كورونا بث الذعر في كل مكان نظرا لقدرتها السريعة على الانتشار والعدوى مقارنة بغيرها من سلالات الفيروس التاجي، من جانبها اعتبرت منظمة الصحة العالمية هذه السلالة بمثابة تحذير للعالم من أجل التحرك لقمع الوباء بسرعة قبل أن يتحول إلى شيء أسوأ، لكن حتى اللحظة تواصل “دلتا” تدمير أجزاء واسعة من قارة آسيا، ما دفع بلدان مثل الصين واليابان لإعادة فرض حالة التأهب القصوى والطوارئ، وخلال الأسبوع الماضي تجاوز عدد الحالات اليومية في الصين حاجز الـ140 إصابة جديدة لأول مرة منذ يناير، كما تم إغلاق محطة رئيسية في ثالث أكثر موانئ العالم ازدحامًا، ما أعاد للأذهان مشاهد من ذروة الجائحة وجدد مخاوف العودة إلى مربع الإغلاق العام وتعطل سلاسل التوريد العالمية بالكامل.

إصابة واحدة تربك الصين وتهدد سلاسل التوريد

في يوم 12 أغسطس الجاري أعلنت الصين إغلاق محطة رئيسية من ميناء نينغبو تشوشان جنوب شنغهاي، بعد أن اكتشفت حالة إصابة بكورونا بين الموظفين، هذا على الرغم من أن جميعهم حصل بالفعل على لقاح كورونا ويخضعون لفحوصات دورية شديدة الدقة.

وتعد ميناء نينغبو تشوشان أحد الموانئ الصينية الرئيسية للشحن، وواحدة من أكبر الموانئ وأهمها على الصعيد العالمي، إذ تعد بوابة الصين إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، ويكفي أن نعرف أن المحطة التي جرى إغلاقها تصل قدرتها الاستيعابية إلى 10 ملايين حاوية.

خلال شهري مايو ويونيو، أقدمت السلطات الصينية على خطوة مماثلة، عندما أغلقت مينائي شنتشن وقوانغتشو الرئيسيين بسبب عدوى كورونا بين الموظفين، ما تسبب في اضطرابات بمراكز الشحن جنوب الصين، ومع تكرار هذا النوع من الإغلاقات تتصاعد المخاوف من استمرار اضطرابات الشحن البحري حتى العام المقبل ما يهدد آمال تعافي الاقتصاد العالمي ويشكل ضغطا باتجاه رفع تكاليف الشحن عالميا وأسعار السلع والمنتجات.

تقول الرئيسة التنفيذية لمجموعة Sourcing Industry Group المعنية بالعالمين في قطاع التوريد -في تصريح لشبكة “سي إن بي سي”- إذا شهدنا إغلاق لموانئ جديدة في الصين أو غيرها خلال الفترة المقبلة، فسنرى تأثيرا طويل الأجل على الصادرات وسيظهر ذلك بقوة في موسم العطلات وعيد الميلاد، إذ سيؤدي حتما إلى تعطل سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار “التضخم”.

فعليا سلاسل التوريد ما زالت تعاني من تداعيات الوباء التي وصلت لذروتها خلال النصف الثاني من 2020 مع توقف شبه كامل لحركة الشحن البحري – الذي يستحوذ على نحو 90% من حركة التجارة العالمية- وتراجع الطلب ومستويات الإنتاج، واضطرابات النقل البحري المؤثرة على حركة التجارة العالمية ليست قاصرة على إغلاق ميناء هنا أو هناك، لكن أيضا هناك أزمة نقص الحاويات والتي دفعت تكاليف الشحن للارتفاع بأكثر من عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل الجائحة، فمثلا ارتفعت أسعار شحن الحاويات من الصين وشرق آسيا إلى الساحل الغربي لأمريكا الشمالية بأكثر من 270% منذ بداية العام الجاري ووصلت إلى أكثر من 15.8 ألف دولار لكل حاوية.

 متحور “دلتا” يزيد المخاطر

خبراء الصحة حول العالم يحذرون من أن الفشل في السيطرة على دلتا من شأنه أن يزيد فرص ظهور متحور آخر أكثر شراسة، ما يعني أن الأزمات لم تنته بعد وأن على الجميع الاستعداد، تقول مجموعة ميرسك -وهي أكبر شركة شحن حاويات في العالم-  أن الوضع في سوق النقل البحري لم يظهر أي علامات على التحسن منذ ظهور “دلتا”.

تقول ديبورا إلمز المديرة التنفيذية لمركز التجارة الآسيوي -في تصريح لـ”بلومبرج”- “من المتوقع أن تعطل سلالة دلتا التجارة بطريقة كبيرة في آسيا”.

تستحوذ آسيا على نحو 42% من حركة الصادرات العالمية، لذا من الطبيعي أن يقلق العالم مع إعلان دول مثل الصين -ثاني أكبر اقتصاد في العالم- واليابان العودة إلى تشديد قيود الحركة وإغلاق بعض المصانع أبوابها بسبب متحور “دلتا”، وكذلك إعلان إندونيسيا منذ الشهر الماضي فرض إجراءات العزل العام بعد أن حصد “دلتا” أرواح الآلاف، هذه أمور تسهم في تعقيد أزمة سلاسل التوريد عالميا، فاقتصاد مثل الصين يعتمد على الصادرات مهدد الآن بالانكماش واقتصاد مثل أمريكا – رقم واحد عالميا- تعتمد غالبية مصانعه على واردات من آسيا مهدد أيضا بالركود ما يعني أن الاقتصاد العالمي ككل مهدد بضربة جديدة لآمال التعافي.

الاختناقات المستمرة في الموانئ حول العالم ومتحور دلتا وجهود احتوائه، تمثل ضربة جديدة لسلاسل التوريد التي ما زالت هشة، وتفاقم أزمات أخرى كأزمة نقص أشباه الموصلات “الرقائق” وارتفاع أسعار المواد الخام والتضخم.

ما هي سلاسل التوريد وتأثيرها على الاقتصاد العالمي؟

لتتضح الصورة أكثر، يجب أن نعي أن سلاسل التوريد العالمية هي شديدة التعقيد والترابط كأنظمتنا البيولوجية، ويمكن تعريفها على أنها عملية تدفق السلع والبيانات والأموال المتعلقة بمنتجات أو خدمات، بدءًا من شراء المواد الخام وحتى تسليم المنتج إلى وجهته النهائية، تشمل أنشطة مثل المشتريات وعمليات الإنتاج العالمية والخدمات اللوجستية كالنقل وغيره، ومع تطور الاقتصاد القائم على الطلب والتكنولوجيا الحديثة باتت هذه العملية عبارة عن شبكات متداخلة فيما بينها وشديدة التأثير ببعضها البعض.

يقول جون جلين كبير الاقتصاديين في معهد تشارترد للمشتريات والتوريد -في تصريح لصحيفة “فايننشال تايمز” نشر اليوم الإثنين- لا يوجد حل قصير الأجل لمشكلة تعطل سلاسل التوريد بفعل تطورات الجائحة، مضيفا أن الارتفاع الهائل في أسعار شحن الحاويات إلى جانب التأخير في الإمدادات الناجم عن تعطل الموانئ أو إغلاق المصانع سيكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي، وأي نقص في السلع الموسمية سيؤدي إلى ارتفاع التضخم.

فيما يرى البعض أن “كورونا” كشف نقاط الخلل الموجودة بالفعل في سلاسل التوريد العالمية، على سبيل المثال تركيز إنتاج سلع معينة بشكل كبير في بلد واحد أو في يد شركة واحدة، وهذا ما كشفته أزمة الرقائق فعندما لم تتمكن الشركات المنتجة وهي محدودة أمثال إنتل الأمريكية و”تي سي إم سي” التايوانية على الوفاء بحاجة الأسواق ارتفعت الأسعار وانفجرت الأزمة.

يقول ديفيد سيمشي ليفي، المتخصص في الخدمات اللوجستية لسلاسل التوريد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا -في دراسة نشرتها المنظمة العربية للتنمية الإدارية في أكتوبر الماضي- في ثمانينيات القرن العشرين انتقل المزيد من الشركات إلى آسيا بحثا عن خفض تكاليف الإنتاج، ما أسفر تدريجيا عن خلل في سلاسل التوريد، فأصبح العالم يعتمد على آسيا وتحديدا الصين -التي تصنف ضمن أكبر سلاسل التوريد العالمية- في العديد من صناعاته وسلعه.

تتضافر الأحداث منذ بداية العام للضغط على سلاسل التوريد العالمية من إصابات بالآلاف بمتحور دلتا وفيضانات تغمر أكبر الاقتصادات كالصين وألمانيا إلى نقص في الحاويات وسائقي الشاحنات والسفن، وجميعها أمور تدفع باتجاه انهيار سلاسل التوريد وتقوض التعافي الهش للاقتصاد العالمي وقد تفجر فقاعة تضخمية حول العالم، ويبدو أن الأزمة ستظل مستمرة إلى نهاية العام وربما تمتد إلى النصف الأول من 2022، وإلى حينها يجب أن تبحث الشركات عن حلول كاعتماد سلاسل التوريد القصيرة أي الاعتماد على الموردين الأقرب جغرافيا وكذلك قد تلجأ الشركات الكبرى إلى فكرة تخزين المواد الخام في مستودعاتها وهو أمر مرتفع التكلفة وسيضيف أعباء جديدة إلى جانب ارتفاع تكاليف الشحن والأمر سينتهي بأن يتحمل المستهلك هذه الزيادات في ظل طلب غير مستوفٍ ونقص في الإمدادات.

Untitledسفن

ربما يعجبك أيضا