بعد اتفاق مبدئي بين صربيا وكوسوفو.. خسارة جديدة لبوتين؟

محمد النحاس

حثّ الاتحاد الأوروبي الجانبان، كوسوفو وصربيا، على المضي قدمًا في طريق المفاوضات، فإلام تؤول الأمور بينهما؟


بعد مفاوضات استمرت لمدة 12 ساعة، توصلت كوسوفو وصربيا إلى تفاهمات مبدئية بشأن التوصل إلى اتفاق بتطبيع العلاقات.

وكان الاتحاد الأوروبي قد طرح وثيقة تهدف إلى التوصل إلى تطبيع كامل للعلاقات، واعتراف متبادل بين الجانبين، لكنهما لم يوقعا على وثيقة الاتحاد بعد، وتوافقا بدلًا من ذلك على تنفيذ ملحق للاتفاق بهدف المضي قدمًا في طريق تطبيع العلاقات، فما تفاصيل ذلك؟

تقدم محدود

جرت المفاوضات بين صربيا وكوسوفو في مقدونيا الشمالية برعاية الاتحاد الأوروبي، ورغم فشل الجانبين في توقيع اتفاق تطبيع للعلاقات، والتوقيع على الوثيقة الأولية التي طرحها الاتحاد، فإن الاتحاد أشاد بإحراز الطرفين تقدمًا، خلال المحادثات التي جرت، أمس السبت 19 مارس 2023.

h 55087977 800x450 2

وصفت المحادثات بـ “الصعبة”، واستمرت 12 ساعة.

وجرى هذا الاجتماع على ضفاف بحيرة أوخريد بمقدونيا الشمالية، واجتمع منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل برئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي، ورئيس صربيا ألكسندر فوتشيتش في لقاء ثلاثي، والتقى بوريل أيضًا كل طرف على حدة، وفقًا لوكالة أنباء رويترز.

ضغوط أوروبية على البلدين

يأتي ذلك في ظل ضغوط متواصلة من الاتحاد الأوروبي على البلدين للتوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات، بعد سنوات من الخلاف، والتوترات المستمرة التي تهدد باشتعال حرب جديدة بالقارة الأوروبية، ويأتي هذا الاجتماع في أعقاب فشل محادثات بروكسل الشهر الماضي، ويشترط الاتحاد على بلدي البلقان الطامحتين في الانضمام إليه لحل خلافاتهما أولًا.

وفي غضون ذلك، قال منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن كوسوفو وصربيا، توصلا إلى اتفاق مبدئي من أجل تطبيع العلاقات بينهما، مؤكدًا أن الجانبين اتفقا على تنفيذ ملحق للاتفاق الذي يدعمه الاتحاد الأوروبي ووصف المفاوضات التي استمرت 12 ساعة بالصعبة.

تقريب وجهات النظر

من جانبه، سعى المسؤول الأوروبي لتقريب وجهتي النظر، وتخفيف التوتر بين الجانبين بعد ما يقرب من 25 عامًا من انتهاء الحرب، ولم تنجح أي من الجهود الدبلوماسية، والمساعي السياسية الجارية منذ ذلك الحين، على الرغم من التوصل إلى بعض الاتفاقات المحدودة بين عامي 2013 و2020.

ممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للسياسة الأمنية والشؤون الخارجية جوزيب بوريل

حاول بوريل التقريب بين وجهات النظر

وتنص الوثيقة الأوروبية المكوّنة من 11 بندًا على تجنب استخدام العنف لحل الخلافات بينهما، والاعتراف المتبادل بالرموز الوطنية والوثائق، وتقترح أن تضمن كوسوفو “تمثيلًا مناسبًا” للأقلية الصربية بها، وأن لا تمنع صربيا كوسوفو من الانضمام إلى الاتحادات الأممية والدولية، والذي تعيقه عن طريق صلاتها بدول مثل روسيا والصين.

كوسوفو مستعدة للتفاوض

شدد بوريل على أن كوسوفو وافقت من جانبها على الشروع فورًا في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، بغرض تسوية أوضاع الصرب في كوسوفو على نحو كامل، وضمان التمثيل العادل لهم، وأبدى رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي، تفاؤله قبل الاجتماع مشددًا على أنه سيبذل قصارى جهده من أجل بلاده.

وذات الحماس لم يُبده الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، الذي شدد على أن هذا الاتفاق ليس نهائيًّا، لكنه توصل إلى بعض نقاط التوافق، واصفًا المحادثات بـ”اللطيفة”، على الرغم من وجود بعض جوانب الخلاف على حد قوله في حديث للصحفيين في أعقاب المحادثات الثلاثية.

شرط لانضمام صربيا إلى الاتحاد

يشدد الاتحاد الأوروبي على ضروة “الذهاب إلى أبعد من ذلك” في المفاوضات بين الجانبين، ولفت الرئيس الصربي إلى أن قبول عضوية صربيا في الاتحاد الأوروبي مشروط بالتوصل إلى اتفاق، ومنذ سنوات تحاول صربيا دخول الاتحاد الأوروبي دون جدوى، إذ التزمت نهجًا سياسيًّا خارجيًّا قريبًا من موسكو.

ولكن هذا النهج بدأ في التغير في ظل مساعي البلد الواقع وسط البلقان للانضمام إلى الاتحاد. وقال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش يوم الأحد، وفقًا لرويترز، “إن صربيا تريد علاقات طبيعية مع كوسوفو”.

وشدد ألكسندر على أن بلاده لم توقع بعد على أي اتفاق، في إيضاح منه أن الاتفاق كان مبدئيًّا فحسب، وأقرب إلى إعلان نيات منه إلى اتفاق دبلوماسي. وكانت صربيا قد أكدت مؤخرًا أن القرم أراض أوكرانية.

778412 مظاهرات ليلية فى شوارع العاصمة الصربية scaled

مظاهرات اليمين المتطرف في صربيا الداعم لموسكو في الحرب ضد أوكرانيا

 

اليمين الصربي عائق

تشهد صربيا احتجاجات من تيارات يمينية، من حين إلى آخر، فتطالب بضم كوسوفو، التي يرونها كإقليم متمرد، ويميل أنصار هذا التيار نحو تأييد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومعارضة الغرب، ويعارضون كذلك الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

1440x810 cmsv2 fe4c38c1 915a 5a2d b4b7 d16a5c333e99 6622026

تفتخر صربيا بالروابط مع الروس، ويجمع الجانبان المذهب الدني الأرثوذكسي والانتماء للعرق السلافي، ويعود التحالف بينهما للحرب العالمية الأولى.

وأظهرت الاستطلاعات ميل قطاعات واسعة من الشعب إلى دعم الكرملين، في البلد الذي يرى نفسه ممثلًا للعرقية السلافية والمسيحية الأرثوذكسية، وهي عوامل مشتركة مع الروس.

اقرأ أيضًا: صربيا: ألبان كوسوفو يخططون لـ«جحيم»

تمهيد الطريق أمام تطبيع العلاقات

رغم عدم وجود تقدم كبير في المفاوضات فإنها تمهد الطريق أمام الاعتراف المتبادل بعد سنوات من القطيعة، وعلاوةً على ذلك فما يشير إلى تغير في الموقف الصربي هو عدم الاعتراف باستقلال المناطق الأوكرانية التي أجرى فيها الكرملين استفتاءً بشأن الانضمام إلى الاتحاد الروسي، في ما ينظر إليه كضربة لموسكو من حليف بارز.

صربيا1 780x470 1

يطالب اليمين الصربي بضم كوسوفو ويعارض الانضمام للاتحاد الأوروبي

وكان وزير الاقتصاد الصربي، رادي باستا، قد طالب بالانضمام إلى الغرب في فرض عقوبات على روسيا، مشيرًا إلى أن بلاده تتكبد أثمانًا باهظة لعدم الالتزام بالعقوبات، وتشي كل هذه المتغيرات بتغير محتمل في الموقف الصربي، ما يفتح الطريق أمام إنهاء التوتر في البلقان الذي أرّق القارة الأوروبية سنوات.

اقرأ أيضًا: مسيرة للقوميين الصرب احتجاجًا على مساعي تطبيع العلاقات مع كوسوفو

خلاف تاريخي

تصاعد الخلاف بين الجانبين نهاية العام الماضي، بعد توترات حدودية، وتعود جذور الخلاف بينهما في أعقاب تأسيس الاتحاد اليوغسلافي بعد الحرب العالمية الثانية، وبلغت التوترات مداها خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.

وفي عام 1998، بدأت حرب طاحنة بين الجانبين شهدت انتهاكات على نطاق واسع من الصرب ضد المدنيين الألبان ما دفع حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى التدخل وإنهاء الصراع.

اقرأ أيضًا: الناتو مستعد للتدخل.. ماذا يحدث على الحدود بين كوسوفو وصربيا؟

واستقلت بعد ذلك كوسوفو عام 1999، وأعلنت رسميًّا استقلالها عام 2008، ومنذ ذلك الحين لم تعترف صربيا بها، ويحاول الجانبان الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن أمامهما طريق طويل من الإصلاحات الداخلية، وتسوية شؤون الأقليات، ومكافحة الفساد، وعلى رأس القائمة عقد اتفاق صلح بينهما، والاعتراف المتبادل وتسوية الخلاف.

اقرأ أيضًا: «المركز الأوروبي» يناقش أسباب الصراع بين صربيا وكوسوفو

ربما يعجبك أيضا