jacobin | لم يرفض حق التملك.. أفكار ماركسية قد تفاجئك

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

هناك العديد من الطرق لتفسير الفكر الماركسي، والعديد من هذه الطرق شرعي، غير أن هناك العديد من الآراء التي تسعى لإدانة كارل ماركس عبر ترديد خطاب تقليدي معادٍ للشيوعية، كما تسخر هذه الأصوات من ماركس باعتباره معتنقًا لمذهب "الحتمية الاقتصادية" العقيم، أو يهاجمون تحليله وتنبؤاته باعتبارها خاطئة على نحو مُرعب.

لم يكن "ماركس" دومًا على حق، لكنه كان إما محقًا أو أنه أدلى بادّعاءات يمكن الدفاع عنها بدرجة أكبر مما يتوقع الكثير من الناس، ورغبة مني في دحض بعض الصور النمطية غير العقلانية بشأن هذا المفكر الاشتراكي العظيم، أقدّم لكم ثمانية مزاعم ينبغي على أي تفسير ذي مصداقية حول ماركس أو الماركسية أن يشمله:

 ماركس لم يرفض الرأسمالية، فلقد كان منبهرًا بها وزعم أنها النظام الأكثر إنتاجية الذي شهده العالم، وقد وضح هذا عبر كتاباته قائلاً:
"خلقت البرجوازية، أثناء حكمها الذي دام مائة سنة فقط، قوى إنتاجية أضخم وأعظم مما خلقته كل الأجيال السابقة مجتمعة. إخضاع قوى الطبيعة للإنسان، والآلات، وتطبيق الكيمياء في الصناعة والزراعة، والملاحة باستخدام قوة البخار، والسكك الحديدية، والتلغراف الكهربائي، وتهيئة قارات كاملة بغرض الزراعة، وشق قنوات نهرية، وظهور مجتمعات كاملة فجأة من باطن الأرض- مَن كان يتوقع في القرون الماضية أن هذه القوى الإنتاجية كانت كامنة في طيّات العمل الاجتماعي؟".  

 توقع ماركس بدقة أن الرأسمالية ستتبنى ما يُشار إليها اليوم بالعولمة. لقد توقع أن تخلق الرأسمالية سوقًا عالمية يتزايد فيه اعتماد الدول على بعضها البعض، حيث قال:
"وقد منحت البرجوازية عبر استغلالها للسوق العالمية صفة كوزمبوليتانية للإنتاج والاستهلاك في كل بلد، كما أثارت البرجوازية استياء القوى المحافظة عبر سحبها البساط القومي من تحت أقدام الصناعة، وتدمرت كل الصناعات الوطنية القديمة والراسخة، أو أنها تتعرض للتدمير يوميًا. في محل العزلة الوطنية المحلية والوطنية القديمة والاكتفاء الذاتي، سيصبح لدينا علاقات تواصل في كل اتجاه، واعتماد عالمي متبادل بين الأمم".

 خلافًا للمجتمعات السابقة التي اعتادت على المحافظة على التقاليد وأساليب الحياة، فإن الرأسمالية تزدهر على ابتكار أساليب جديدة وبديلة للإنتاج تؤثر على طريقة حياتنا.

إن التكنولوجيا تغيّر حياتنا بوتيرة أكثر سرعة من ذي قبل، فالمنتجات القديمة يجب أن تفسح الطريق للمنتجات الحديثة (وللأشخاص الذين يصنعونها).

وبالرغم من أن الرأسماليين يصوّرون عادة هذا الأمر باعتباره خيرًا كبيرًا، بيد أن هذا يمكن أن يكون مثار قلق بالغ، حتى لو كانت هناك تغييرات معينة تعود بالفائدة علينا، كما يمكن لهذه التغييرات أن تجعل الناس يشعرون أن قيمهم وأساليب حياتهم ليس لها مكان في هذا العالم، كأنهم عديمو الفائدة مثل أغصان الشجر الميتة، ولا شك أن استغلال التقنيات والأساليب الحديثة للإنتاج من أجل تحقيق الأرباح لصالح الأقلية، يمكن أن يؤدي لنتائج غير متوقعة. (في وقتنا هذا، كان ماركس سيشير بلا شك إلى التغير المناخي كنتيجة سلبية للرأسمالية الجامحة)، حيث يقول ماركس:

  "لا يمكن للرأسمالية أن توجد من دون ثورة مستمرة في أدوات الإنتاج، وبالتالي علاقات الإنتاج، ومعهما كل علاقات المجتمع… تتميز الحقبة البرجوازية عن الحقب السابقة، بالثورة المستمرة في الإنتاج، والإخلال المتواصل لكل لظروف الاجتماعية، وعدم اليقين والاضطراب الدائمين، سيتم اكتساح كل العلاقات الثابتة والمحفوظة، بما تتضمنه من آراء وتحيّزات قديمة ومبجلة، وستصبح كل العلاقات المشكّلة حديثًا من الماضي قبل حتى أن تترسخ، سيذوب كل ما هو صلب في الهواء، وسيُدنّس كل ما هو مقدّس، وسيضطر الإنسان في النهاية بحواسه الرصينة أن يواجه ظروف الحياة الحقيقية، وعلاقاته مع بني جلدته".

 سيواجه صغار التجار والتجار المنتمون للطبقة المتوسطة صعوبة متزايدة في الحفاظ على مكانتهم، وذلك بسبب الشركات القوية وتركّز الثروة في أيدي الأقلية وظهور أساليب جديدة للإنتاج. كل ما سيملكه هؤلاء في نهاية المطاف هو مجموعة من المهارات الخاطئة أو العمل لصالح الشركات التي تسببت في تعطيلهم عن العمل. بعبارة أخرى، توقع ماركس هيمنة نموذج شركة "وولمرت" على المجتمعات الرأسمالية، حيث قال:

"ستنزلق الطبقات الأدنى للطبقة المتوسطة -التجار وأصحاب المتاجر الصغار، والحرفيون والفلاحون – بالتدريج نحو الطبقة العاملة، ويعود هذا جزئيًا إلى أن رؤوس أموالهم الصغيرة جدًّا لا تكفي بالنسبة للحجم الكبير الذي تقوم عليه الصناعة الحديثة، كما ستغرق هذه الطبقات في المنافسة مع الرأسماليين الكبار، ذلك لأن مهاراتها المتخصصة باتت عديمة الجدوى بسبب ظهور أساليب جديدة للإنتاج".

 لم يسع ماركس لإلغاء كل الملكية، ولم يرغب أن تستحوذ الغالبية العظمى من الناس على سلع مادية أقل، هو لم يكن طوباويًا معاديًا للمادية، فما عارضه ماركس كان الملكية الخاصة، الكميات الهائلة من الممتلكات والثروة المركّزة المملوكة من الرأسماليين والبرجوازيين.

في نهاية الفقرة التالية، يتهم هو و"إنغلز" بشكل حاسم الرأسمالية بحرمان الناس من "ممتلكاتهم التي كسبوها من مجهودهم الخاص"، حيث يقول:
"إن السمة المميزة للشيوعية ليست إلغاء الملكية بشكل عام، لكن إلغاء الملكية البرجوازية، غير أن الملكية البرجوازية الخاصة المعاصرة هي التعبير النهائي والأكثر اكتمالاً لنظام إنتاج وتخصيص المنتجات، المبني على العداوات الطبقية، وعلى استغلال الأقلية للأغلبية".

من هذا المنطلق، يمكن تلخيص نظرية الشيوعيين في جملة واحدة: إلغاء الملكية الخاصة.

لقد جرى توجيه اللوم أن افكار ماركس تهدف الى إلغاء حق امتلاك الفرد لممتلكات من عمله الخاص، وهذه الملكية الخاصة يُقال إنها تمثل ركيزة للحرية الشخصية والنشاط والاستقلال.

ممتلكات حققها الفرد بمشقة وبمجهوده الخاص! هل تقصدون الممتلكات التي بحوذة الحرفين البسطاء والفلاحين الصغار، تلك الممتلكات التي كانت موجودة قبل ظهور البرجوازية؟ ما من حاجة لإلغاء هذا النوع من الممتلكات؛ لأن التطور الصناعي دمّرها إلى حد كبير بالفعل، ولا يزال يدمرها بشكل يومي".

 كان كارل ماركس يؤمن أن البشر لديهم ميل طبيعي للارتباط بالأشياء التي صنعوها، وأطلق على هذا اسم "تجسيد" العمل، وكان يقصد بذلك أننا نضع شيئًا من أنفسنا في عملنا. عندما يعجز الفرد عن الارتباط بالشيء الذي صنعه هو، وعندما يشعر المرء بأنه "غريب" عن هذا الشيء، حينها ينتج الاغتراب، هذا كما لو أنك ستنحت تمثالاً، ثم يأخذه منك شخص آخر، فلا يمكنك أن تراه أو تلمسه مرة أخرى. جادل ماركس أن العمال في موقف مشابه في المصانع الرأسمالية للقرن التاسع عشر.

"ما الذي يشكل اغتراب العمل؟
أولاً واقع أن العمل شيء خارجي بالنسبة للعامل، أي لا ينتمي إلى وجوده الضروري, ولذلك لا يقوي أو يثبت نفسه في عمله, بل ينكر ذاته, ويشعر بالبؤس وأنه غير سعيد, لا يطور طاقة عقلية وجسدية حرة, بل يميت جسده ويدمر عقله. بالتالي يشعر العامل بنفسه فقط عندما لا يعمل, وعندما يعمل لا يشعر بنفسه. إنه في منزله عندما لا يعمل, وليس في منزله عندما يعمل؛ لذلك فإن عمله غير طوعي بل قسري, إنه عمل سخرة.

 أراد ماركس أن نكون قادرين على التحرر من طغيان تقسيم العمل وأيام العمل الطويلة؛ ما يحرم الأفراد من تطوير أنواع مختلفة من القدرات والمواهب. نحن نصبح عبيدًا لنوع واحد من النشاط، في حين تبقى الأبعاد الأخرى لشخصياتنا غير متطورة. في فقرة ملهمة كان قد كتبها في شبابه، صاغ ماركس رؤيته بهذه الطريقة:
"ما أن يبدأ تقسيم العمل، حتى يظهر عند كل امرئ مجال معين ما للنشاط، مجال حصري، يُفرض عليه فرضًا، ولا يستطيع أن يخرج منه: فهو صياد بري، أو صياد سمك، أو راعٍ، أو ناقد ، ويجب عليه أن يبقى كذلك إذا شاء أن لا يفقد وسائل العيش،  بينما في المجتمع الشيوعي، حيث لا ينحصر أحد ضمن مجال ما حصري للنشاط، وحيث يستطيع كل امرئ أن يترقى في أي فرع كان، يضبط المجتمع الإنتاج كله، ولهذا بالذات يوفر لي الفرصة لأعمل اليوم شيئًا، وغدًا شيئًا آخر، وأصطاد في الصباح الطرائد، وبعد الظهر السمك، وأتعاطى في المساء تربية الماشية، وأصبح بعد العشاء ناقدًا، كما يطيب لي، دون أن يجعل مني بحكم ذلك صيادًا بريًا أو صياد سمك أو راعيًا أو ناقدًا"
 

 لم يكن ماركس مجرد معتنق متشدد لمذهب الحتمية الاقتصادية. فالطريقة التي يفكر بها الناس هي أمر مهم، وفي خطاب كتبه "إنغلز" بعد وفاة ماركس أكّد أهمية علم الاقتصاد، لكنه حاول توضيح أنه أُسيء فهمه هو وماركس، وأنهما يتحملان جزءًا من الخطأ "لاحظوا الانتقاد الحاد الموجّه للماركسيين في نهاية الفقرة):

"إنني وماركس نتحمل جزءًا من اللوم على حقيقة أن الشبان أحيانًا ما يركزون على الجانب الاقتصادي أكثر مما يستحق، فقد كان علينا أن نؤكد هذا الجانب الرئيسي في معارضة خصومنا الذين كانوا ينكرونه، ولم يتح لنا دائمًا الوقت أو المكان أو الفرصة لكي نولي العناصر الأخرى المشتركة في التفاعل ما تستحق. لكنه حالما كان الأمر يتعلق بتقديم شريحة من التاريخ، يعني بتطبيق عملي، فقد كان الأمر يختلف، ولم تكن أدنى خطيئة يسمح بها. وللأسف يحدث في كثير من الأحيان أن يعتقد الناس أنهم فهموا بشكل تام نظرية جديدة، وأنه بإمكانهم تطبيقها دون تأخير من لحظة استيعابهم لمبادئها الرئيسية، وحتى هذه المبادئ لا تكون صحيحة دائمًا، ولا يمكنني إعفاء العديد من "الماركسيين" الجدد من هذا اللوم….".

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا