مركز السياسة العالمية | ماذا ستستفيد إيران من الاتفاقية الاستراتيجية الجديدة التي وقعتها مع الصين؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

تشهد العلاقات الصينية – الإيرانية بزوغ فجر يوم جديد. في وقت مبكر من هذا الشهر، كشف مسئولون إيرانيون علنًا أنهم باتوا في المراحل النهائية في مفاوضات مع الصين لتوقيع اتفاقية استراتيجية واسعة النطاق تمتد لخمسة وعشرين عامًا. ستوسّع هذه الاتفاقية، في حال تطبيقها بكل حذافيرها، العلاقات العسكرية والاقتصادية والسياسية بصورة كبيرة بين البلدين. إن هذه الاتفاقية الجديدة ينبغي ألا تكون مفاجئة، فطهران وبكين تعاونتا تاريخيًّا في كل شيء، بداية من بيع الأسلحة وصولًا لقطاع الطاقة. مع هذا، فإن الاتفاقية – المقرر وضع اللمسات الأخيرة عليها في الأسابيع المقبلة – تمثل توسيعًا تاريخيًّا للعلاقات الثنائية بين هذين الشريكين الاستراتيجيين. كما تمثل الاتفاقية تطورًا له تداعيات كبيرة على الوضع الجيوسياسي الإقليمي وتهديدًا واضحًا لجهود الولايات المتحدة لعزل الجمهورية الإسلامية واحتوائها.

طوق نجاة لطهران

بالنسبة لإيران، فان تعميق العلاقات الاستراتيجية مع الصين يمثل اعترافًا بأن النظام الديني في إيران، وبعد عامين تقريبًا من إطلاق إدارة ترامب لحملة الضغوط القصوى عليه، بات أضعف بكثير مما يتصور الجميع. والمؤكد أن المسئولين الإيرانيين حاولوا التظاهر بالشجاعة فيما يخصّ وضع بلادهم الجيوسياسي والاقتصادي. في شهر يوليو، على سبيل المثال، أكّد نائب الرئيس الإيراني "إسحاق جهانغيري" علنًا أنه بالرغم من العقوبات الأمريكية، إلا أن الاقتصاد الإيراني "ينهض وينمو من جديد".

لكن الأرقام تحكي قصة مختلفة. فعلى مدار العام الماضي تراجعت عوائد إيران النفطية بنسبة 92 بالمائة، من 100 مليار دولار إلى 8 مليارات دولار. إن هذا الهبوط في الدخل، يعكس ركودًا في قطاع النفط الإيراني، إذ بدأ زبائن إيران الخائفون من التداعيات المحتملة للعقوبات الأمريكية في فضّ شراكتهم مع الجمهورية الإسلامية. في الواقع، كشف مسئولون إيرانيون مؤخرًا أن عددًا متزايدًا من شركاء النظام الخارجيين يرفضون التوقيع على اتفاقيات جديدة في مجال الطاقة مع طهران.

كما جفّت منابع الاستثمارات الأجنبية في إيران أيضًا، إذْ قرر عدد متزايد من البلدان الابتعاد عن الجمهورية الإسلامية حتى لا يصبحوا هدفًا للعقوبات الأمريكية. ووفقًا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إيران بنسبة 26.5 بالمائة في عام 2019، ووصلت حاليًا لأدنى مستوى لها منذ عقدين تقريبًا.

سرّعت جميع هذه العوامل من حدوث انهيار كامل لقيمة العُملة الوطنية الإيرانية. في هذا الصيف، هبط الريال الإيراني – الذي بلغ سعر صرفه أمام الدولار 79 ريالًا عند اندلاع ثورة 1979 – لأدنى مستوى له في تاريخ الجمهورية الإسلامية البالغ 41 عامًا (260 ألف ريال مقابل الدولار). كان هبوط قيمة الريال هائلًا لدرجة أن مصرف البلاد المركزي أنفق مليار دولار في الأيام الأخيرة لدعم استقرار العملة المنهارة.

بالتالي، أُجبر النظام الإيراني على إنفاق مدخراته للبقاء صامدًا. حتى قبل انتشار فيروس كورونا، قدّر "معهد التمويل الدولي" أن احتياطي النقد الأجنبي في إيران – الذي بلغ 100 مليار دولار عام 2019 – سيتراجع إلى 73 مليار دولا في النصف الأول من هذا العام، وأنه بمعدل الاستهلاك الراهن، سيبلغ حجم الاحتياطي 20 مليار دولار بحلول مارس 2023. ومع تفشي الجائحة العالمية، ستزداد حدّة التراجع، إذ اضطر النظام لزيادة استنزافه للأموال القليلة أصلًا لمعالجة الأزمة الصحية التي تمرّ بها البلاد.

في المقابل، أدّى تدهور الأوضاع الداخلية لزيادة حدّة الاضطرابات المحلية؛ حيث إن حالات الاعتراض الشعبية المتواصلة – التي قُمعت مؤقتًا نتيجة تفشي فيروس كورونا – طفت مجددًا على السطح في الأسابيع الأخيرة.

إن المظاهرات المتفرقة المناهضة للنظام في مدن مختلفة احتجاجًا على قضايا مثل أزمة العملة الوطنية وسوء إدارة النظام للجائحة وتزايد البطالة، تمثل تحديًا إضافيًّا يهدّد استقرار النظام.

ويبدو أن هذه الحقائق القاسية أجبرت طهران على إجراء إعادة تفكير استراتيجية. اختار قادة إيران في الأصل سياسة "الصبر الاستراتيجي" ردًّا على الضغوط الأمريكية المتزايدة، آملين أن يتشبثوا بالسلطة حتى قدوم إدارة أكثر ودًّا (وأكثر ميلاً لعقد تسوية مع قادة إيران) للسلطة في واشنطن. لكن وسط تفاقم الأوضاع المحلية السيئة، يبدو أن قادة إيران خلصوا إلى أن وضعهم ضعيف وملحّ. إن ميلهم نحو الصين يعكس اعترافًا بأنهم باتوا بحاجة إلى مساعدة خارجية لكي يبقوا ميسورين ماليًا، ويحسّنوا وضعهم الدولي، حتى لو كانت مساعدة بكين مصحوبة بما يرقى إلى تقويض كبيرة للسيادة الوطنية.
تداعيات الاتفاقية

كيف ستساهم المساعدات الصينية في مساعدة النظام؟ حتى الآن، من الصعب معرفة التفاصيل. لكن من المرجح أن تكون هناك نتيجتان استراتيجيتان عامتان للاتفاقية الصينية – الإيرانية الجديدة.

تتعلق النتيجة الأولى بوضع إيران الإقليمي. على مدار العامين الماضيين، بدأ تصعيد العقوبات الأمريكية في التأثير بقوة على وضع الجمهورية الإسلامية الاستراتيجية، وقدرتها على تشكيل الأحداث الإقليمية. إن انحسار الدعم المالي المقدّم لحزب الله اللبناني وتضعضع سيطرة إيران على مليشيات العراق القوية، هما من بين التطورات التي يمكن عزوها جزئيًّا على الأقل إلى الضغوط الاقتصادية والسياسية "القصوى" التي تمارسها إدارة ترامب على الجمهورية الإسلامية.

ومع هذا، فإن هذا التراجع الإيراني يمكن عكس مساره؛ فضخّ رؤوس الأموال وتزايد النشاط التجاري الصيني في إيران، سيساهمان ليس فقط في دعم استقرار الاقتصاد الوطني، ولكنهما سيسمحان لإيران أيضًا بمواصلة تمويل مختلف الأنشطة في عموم المنطقة، بداية من دعم نظام الأسد في سوريا، وصولًا إلى مشاركتها في الحرب الأهلية الطويلة في اليمن.  

من المتوقع أيضًا أن تساعد المساعدات الصينية في تعزيز قبضة النظام الإيراني على السلطة في الداخل. منذ عقد مضى، لعبت شركات التكنولوجيا الصينية دورًا مهمًّا في مساعدة الحكومة الإيرانية على إعادة سيطرتها على الوضع المحلي عقب بروز "الحركة الخضراء" عام 2009. لقد تواصلت هذه المساعدات والأنشطة الصينية، بالرغم من العقوبات الأمريكية.

إن توسُّع دائرة التأثير التكنولوجي الصيني في الجمهورية الإسلامية ضمن الاتفاقية الجديدة، سيمنح حكّام إيران قدرة أكبر على الوصول للتقنيات ووسائل المراقبة التي استخدمتها الصين للسيطرة على شعبها.


تحدٍّ لواشنطن

تأتي الاتفاقية الصينية – الإيرانية الجديدة وسط تصاعد سريع للتوترات بين واشنطن وبكين. بالرغم من تأكيد إدارة ترامب لوقت طويل على الحاجة للدخول في "منافسة عظمى" مع الصين، إلا أنه منذ بداية هذا العام، زادت الولايات المتحدة كثيرًا من تركيزها على مواجهة الصين استراتيجيًّا وجيوسياسيًّا واقتصاديًّا على خلفية تفشي جائحة كورونا.

يبدو أن بكين، أيضا، تتجه نحو خوض مواجهة مباشرة مع واشنطن. على مدار العامين الماضيين، تراجعت واردات الصين من النفط الإيراني بصورة كبيرة نتيجة لتكثيف الضغوط الأمريكية. في العام الماضي، مثلًا، تقلّصت مشتريات الصين من النفط الخام الإيراني بنسبة 53 بالمائة تقريبًا، ما يعكس رغبة من جانب الصين لتجنّب الدخول في صراع مباشر مع إدارة ترامب حول إيران.
لكن، الآن، وضعت بكين نفسها مباشرة في طريق ما يمكن وصفه بأنه أهم عنصر في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: حملة "الضغوط القصوى" التي تمارسها إدارة ترامب على الجمهورية الإسلامية. وعبر قيامها بذلك، تُظهر الصين رغبة جديدة في إحباط سياسة الولايات المتحدة بشكل مباشر، وتقويض الأهداف الأمريكية المهمة في الشرق الأوسط وخارجه.
بذلك، تمثل الاتفاقية الصينية – الإيرانية الجديدة تحديًا واضحًا للمصالح والمصداقية الأمريكية. وفي حال بقائها من دون عائق، ستساعد الروابط الاقتصادية والاستراتيجية الموسّعة بين بكين وطهران في دعم استقرار نظام إيران المتداعي، كما ستساهم هذه الروابط أيضًا في تقويض جهود إدارة ترامب لعزل وإضعاف النخبة الدينية الحاكمة في إيران، وبالتالي الحدّ من مغامرات الجمهورية الإسلامية في المنطقة، وكل هذا يجعل الاتفاقية الاستراتيجية الجديدة بين البلدين اختبارًا مهمًا، ليس فقط لسياسة واشنطن تجاه الصين، ولكن أيضًا لحدود نهج "الضغوط القصوى" الذي تتبعه إدارة ترامب تجاه إيران.     

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا