scienceabc | سر النوستالجيا.. لماذا يشعر الناس بالحنين للماضي؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

يمتلك البشر قدرة هائلة على تذكُّر الأشياء، وبالرغم من أن هذا قد يكون مفيدًا في تذكُّر المكان الذي تركت فيه مفاتيحك، إلا أن هناك بعض المناطق الرمادية للذاكرة التي لا يمكن تفسيرها بسهولة. عندما تسترجع بشوق ذكريات الماضي، ربما في لحظة حزن أو حنين، فإنه يمكن لهذه المشاعر أن تكون معقدة وحتى مؤلمة في بعض الأوقات.

إن المقولة الكلاسيكية "الأيام الخوالي الجميلة" تعني أساسًا أن الماضي كان أفضل من الحاضر، ولا شك أن هذه الحالة العاطفية لها اسم يعرفه الجميع بالتأكيد: النوستالجيا (الحنين للماضي). مع ذلك، وعلى مر التاريخ، كان يُنظر إلى النوستالجيا ويُستجاب لها بطرق كثيرة متنوعة، وهو ما ينقلنا إلى سؤال مهم: ما سبب النسوتالجيا؟ وماذا تفعله لنا؟ هل هي مرض؟ هل هي مشكلة إداركية؟ هل هي سلوك قهري عام؟

والإجابة المختصرة: النوستالجيا هي شكل من التذكُّر يتخذ عمومًا شكل ذاكرة الشخص الأول، ويكون هذا التذكُّر عادةً عبارة عن حدث أو تجربة تتعلق بأصدقاء أو بعائلة، أو لحظات سعادة شخصية.

التاريخ الطويل للنوستالجيا
منذ ما يزيد على 300 سنة مضت، لم يكن يُنظر إلى النوستالجيا بوصفها تأملاً بريئًا في الماضي، ولكن بوصفها خللًا عقليًّا قد تكون له تداعيات كارثية. كان يُنظر إليها بأنها شكل من الاكتئاب أو عرض خطير له، بحيث يكون الشخص غير قادر على العيش في الحاضر بشكل تام. إن أول من أعطى اسمًا لـ"النسوتالجيا" كان طالب الطب السويسري "يوهانس هوفر"، وذلك بعد ملاحظته تدني الروح المعنوية للمرتزقة السويسريين الذين يقاتلون في بلاد أجنبية. وهذه الكلمة يونانية الأصل، وهي مركبة من كلمتين "Nostos" (الحنين) و"Algos" (معاناة(، ومنذ تلك اللحظة فما بعدها، ولمدة قرن من الزمان، كانت مشاعر الحنين للماضي (النوستالجيا) تعد إلى حد كبير عرضًا للاكتئاب.

لقد أصبحت النوستالجيا عنصرًا رائجًا في الأدب وأشكال الفن الأخرى، بفضل اللمحة الرومانسية التي تتسم بها. إن النظر إلى الماضي هو أمر غير اعتيادي، لأن عقولنا تتسم غالبًا بالحماية الذاتية، وهذا يعني أننا لا نتذكر الأشياء تحديدًا كما حدثت، لكن نتذكرها مع بعض التعديلات العقلية التي تجعل الذكرى أكثر متعة. على سبيل المثال، قد نتذكر لحظات سعادة ومتعة من عطلة أو أمسية، لكنك ستنسى تمامًا اللحظة التي ضاعت فيها حقيبتك في رحلة عودتك من "هاواي"، أو عندما انتهت رحلتك الجميلة في باريس مبكرًا بسبب هطول مفاجئ للأمطار. إن النوستالجيا أساسًا تعنى إضفاء طابع رومانسي على الماضي عبر مُرشِّحات في عقولنا، وهذه حقيقة أدركها الكُتّاب والشعراء والفنانون، وحتى صنّاع الأفلام في القرن العشرين.

ومع تزايد أعداد الأشخاص الذين بدأوا في دراسة هذه الظاهرة العقلية الغريبة، تبيّن أنه ليس كل حالات النوستالجيا تنبع من حالات حزن أو حنين، ولكن تنبع غالبًا من رغبة في استرجاع ذكريات الماضي السعيدة. وبنهاية القرن العشرين، لم يعد يُنظر للنوستالجيا بوصفها عرضًا للاكتئاب، ولكن بوصفها وسيلة لمكافحته.

كما أن النوستالجيا لا تحدث غالبًا بسبب الحنين لذكرى معينة، ولكن الحنين لفترة وجدانية في حياتك. فعندما تشعر بالحزن أو التوتر أو الضياع أو الارتباك، فإن تذكُّر فترة سابقة في حياتك بحنين، يمكن أن يساعد في رفع روحك المعنوية، وهو ما يجعلك تتذكر أن الماضي شهد أوقاتًا سعيدة، وأن هذه الأوقات ستتكرر مرة أخرى. وبعكس الفكرة التي كانت سائدة وسط جزء كبير من المجتمع العلمي، فإن النوستالجيا يمكنها في الواقع تخفيف التوتر وإطالة العمر وتعزيز مشاعر الأمل والتفاؤل.  
 
بالإضافة  إلى أن العلاقة بين النوستالجيا والحواس هي أكثر قوة مما كان يُعتقد في الماضي، كما وُجد أن حاسة الشم هي بمثابة بوابة شائعة لأفكار الحنين للماضي؛ حيث إن الفصّ الشمّي مرتبط ارتباطًا مباشرًا بالجهاز الحُوفي الذي يعدّ مركزًا للتحكم في العواطف. لهذا السبب، فإن الروائح هي المُثيرات الأكثر موثوقية لحالات النوستالجيا، واكتُشف أيضًا أن المُثيرات الأخرى، مثل الموسيقي، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بميول النوستالجيا.

إن النوستالجيا يمكن استخدامها أيضًا لتغيير نفسية الجسد، فعندما يسترجع شخص ذكريات ما، يمكن لدرجة حرارة جسده أن ترتفع. وبعبارة أخرى: الشعور الدافئ والمشوّش الذي يسيطر عليك عندما تسترجع ذكرى طيبة، يساعدك في الواقع لأن تشعر بالدفء!

النوستالجيا في العصر الحديث
والآن بعد أن عرفنا أن "النوستالجيا" هي ببساطة آلية دفاعية أو علاج ذاتي للأوقات العصيبة والأفكار الحزينة، فقد حاول الكثيرون الاستفادة من هذا الخلل العقلي.

إن منتجات الزمن الماضي تحظى بجاذبية مباشرة لدى مشاعر الحنين لدينا؛ فعندما نرى دُمى وملابس وسيارات أو أفلام من الزمن الماضي، فإن هذا قد يُثير في داخلنا مشاعر إيجابية نحو هذا الزمن، وفي لحظة أحلام اليقطة هذه، يمكن أن تتزعزع مهارات اتخاذ القرار لدينا.

وبينما لا يعدّ هذا بالضرورة أمرًا ضارًا إلا أنه يُعد حيلة يستخدمها المُصنِّعون وشركات الإعلان. إن إعادة اسخدام الأفكار القديمة وعمل نسخ جديدة من أفلام قديمة والاحتفاء بكل ما يمثل الماضي، يمكن أن يكون حيلة مخادعة وناجعة للغاية.

منذ 300 سنة مضت، كانت النوستاجليا تُعدّ لعنة تصيب الأشخاص المصابين بالاكتئاب المَرضي، غير أنه الآن بات يُنظر إليها على نطاق واسع بوصفها سمة إيجابية للوعي البشري، فلو وجدت أن شعور الحنين للماضي يتملكك باستمرار، فإن هذه قد تكون علامة على وجود شيء خاطئ في حياتك الحالية تحاول باستمرار الهروب منه، لكن استرجاع ذكريات الماضي بين الحين والآخر لا يعدُّ أمرًا مقلقًا؛ حيث إن عقلك بكل بساطة يستجيب لمُثيرات إداركية نابعة من جزء من ذاكرتك الحسيّة، أو أن عقلك يقوم برد فعل وقائي لرفع معنوياتك عندما تشعر بالحزن.

 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا