كيف يمكن زرع الانضباط العسكري والعمل ضمن فريق في المؤسسات المدنية؟

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

ما زلت أتذكر الكلمات التي قالها قائد إحدى كتائب "الفيلق الفرنسي الأجنبي", حيث قال: "إن قيادة البشر تشبه قصة حب قاسية، لأنه يتم فيها إرسال هؤلاء الأحبّة إلى الحرب، وربما إلى الموت". 

لقد واجهت تلك المعضلة في إبريل عام 2007, في نهاية فترة خدمتي في أفغانستان، عندما فجّر انتحاري نفسه في منطقة قريبة، سقط في هذا الهجوم عشرة رجال شرطة، واُصيب 25 آخرون. أمر قائدنا العسكري العاملين في مشفانا العسكري الميداني بالمساعدة- كان العديد من هؤلاء العاملين يغادرون مكانهم الآمن في هذا المشفى لأول مرة.

لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لكي ندرك أن خوف هؤلاء العاملين من المجهول كان يشكّل مصدر قلق كبير. وبوصفنا جزءا من وحدة عسكرية صغيرة على دراية بالتهديدات في تلك المنطقة، كنا في وضع يؤهلنا لتغيير تلك الحالة الذهنية. كان يجب علينا أن نعزز من ثقتهم في خبرتنا، ونمنحهم الثقة في قدراتهم. ببساطة، كان يتعين علينا تولّي القيادة، وبسرعة.

لقد تناولنا عنصر الاستجابة، وشرحنا الوضع، وأكدنا على معرفتنا بطبيعة المنطقة. وتحدثنا بهدوء ووضوح، واخترنا كلمات ومفاهيم بسيطة. وحرصنا على أن يعرف كل فرد مهارات وتدريب الفرد الآخر، حتى يعلموا مَن يتعين عليه الذهاب عند الحاجة. لقد أطلعنا الجميع بشأن كيفية التصرف عند مواجهة طرف معادٍ، وتقليل المخاطر عند حدوث هجوم انتحاري آخر.

أخيرا، قدنا مركبتنا في مقدمة القافلة، لأن القيادة من خلال القدوة هي أفضل من ألف كلمة. لقد غيّر هذا النهج البسيط الحالة الذهنية لعناصر وحدة الردّ تغيّرًا كاملاً، حيث باتوا يؤمنون بأنهم قادرون على تنفيذ تلك المهمة. وبالفعل انتهت المهمة بسلام، وتم إنقاذ بعض الأرواح.

تتميز الحياة العسكرية بالروابط الوثيقة وسط جو من المِحن، والمخاطر، والضغوط النفسية المشتركة، والنجاح المشترك أيضا، وغالبا ما يُنظر في بداية الأمر إلى فكرة تحقيق إنجازات باعتبارها أمرًا مستحيلا. بعد قضاء 25 عامًا بوصفي ضابطًا مهنيًاً شارك في عمليات في جورجيا، وكوسوفو، وأفغانستان، تساءلت عن كيفية تطبيق مهارت القيادة المكتسبة في مثل تلك الظروف الصعبة في الوظائف المدنية.  

تظهر الأبحاث أن هناك بالتأكيد أوجه تشابه رئيسية بين التحديات التي تواجه القادة في الوظائف المدنية والعسكرية. أظهرت دراسة جرت في عام 2016, أن القادة العاملين في القطاعين العسكري والمدني اتفقوا على أن هناك ثلاثة تحديات رئيسية واجهتهم، وهي الكفاءة التنظيمية، تحفيز المرؤوسين، والقيادة الشخصية.
 
بعد مرور أكثر من عامين على تولّي رئاسة قسم الشؤون الأمنية في المنتدى الاقتصادي العالمي، وجدت أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين هذين العالمين المدني والعسكري، أكثر مما يتخيل الناس. ومن بين هذه القواسم تحديد الأهداف المشتركة، وتطوير قدرات الأفراد لأقصى درجة، ودمج كل نقاط القوة والضعف الشخصية في هيكل الفريق على النحو الأمثل. والقدرة على إقناع، وتحفيز الأفراد وتنسيق جهودهم لقطْع شوط أبعد، من دون الإفراط في السرعة… أو التحرك ببطء أكثر مما ينبغي.  

إليكم الطرق الأربع التي استخدمتها لتحقيق ذلك:

بناء الثقة  

تُظهر لنا الطبيعية طريقة اختيار القادة. هناك عملية واضحة في عالم الحيوان، حيث يُقبل الحيوان الأقوى والأشرس من بين أعضاء الجماعة بوصفه القائد بعد أن يُظهر هذا الحيوان مقدرة على التفوّق على القائد السابق.

إن المبدأ الفريد الذي نراه في عملية اختيار القائد في الطبيعة هو الثقة. تحتاج كل مجموعة من الحيوانات أن تثق بالقائد الذي يتعين عليه حمايتها وقيادتها خلال المواسم وفي أوقات الشدّة.

في عالمنا، تقع الأحداث بصور مختلفة، ونادرًا ما يختار الفريق القادة الذين من المفترض أن يقودوه. لكن هناك طريقة جيدة للبدء في منصب قيادي جديد، وتتمثل في اتباع العملية الطبيعية للأمور والتركيز في البداية على أظهار القدرة على تولي دور القيادة. هناك عدة طرق لفعل ذلك، لكن أسهلها، وأكثرها تحديًا في نهاية المطاف، هي القيادة من خلال القدوة ومن المقدمة. وتولّي المسؤولية والخضوع للمساءلة فيما يتعلق بالعمل الجماعي، وتخصيص وقت لمساعدة الفريق على تحقيق النجاح.

إن الخطوة الاولى التي ينبغي على القائد أن يتخذها بعد توليه منصبه، هي بناء الثقة في قدراته، وكفاءاته، وفي التواصل البشري، فضلا عن المحتوى العملي. ومن خلال القيام بذلك، ستتجذر عملية الانتخاب الطبيعي، وسيتم احتواء حالة انعدام الثقة الغريزية تجاه هذا القائد المجهول.
تقييم الأفراد  

لبناء فريق ناجح، من الضروري معرفة كل عضو في الفريق وفهمه. ويمكن القيام بذلك عبر مراقبة الطريقة التي يبنون بها عملهم وينظمونه، ومدى وضوح أسلوبهم في الشرح والإقناع، واستعدادهم للدفاع عن أفكارهم، وتواصلهم داخل الفريق، وقدرتهم على تقديم الإجابات بدلاً من توجيه الأسئلة.

دع الأفراد يعملون بالحد الأدنى من التوجيه، حتى تظهر قدراتهم الكامنة. وفي الوقت ذاته، وبوصفك قائدًا، من المهم أن تراقب الصورة الكبيرة، وأن تعرف متى يجب تقديم توجيه دقيق. دع الفريق يقع في أخطاء، طالما لم تتكرر هذه الاخطاء، ولم تؤثر على التوقعات العملية. وفي حال حدوث ذلك، هناك ضرورة لتولّي القيادة المباشرة لمعالجة القضية المعنية.

ثانيا، يجب تشكيل الفريق بناءً على خبرات وقدرات كل عضو فيه. وللحصول على فريق ناجح، يجب أولا وضْع كل فرد في مكان يمكن أن ينجح فيه. وهذا يعني عدم التخلّي أبدا عن أعضاء فريقك، وهو ما سيؤدي إلى تطوير قدرتهم على الإنجاز، وتحسين ثقتهم بأنفسهم، وأخيرا، زيادة الثقة في القيادة.

أخيرا، فإن الفريق تقوده الأهداف المشتركة، وتحفّزه الإنجازات المشتركة، وبالتالي، فإن مهمة القائد الأساسية هي قيادة، وتحفيز، ووضع ثقته في الفريق وإفساح المجال له ليعمل. يجب على القائد/ة أن يطرح الأسئلة الصحيحة، ويقدم المشورة، والتوجيه أو التصويب. يجب على كل عضو في الفريق أن يحصل على الدعم من الآخرين، وبذلك فأن القائد المؤثر سيعمل دائما على تعزيز النقاش، وتشجيع النقد البنّاء، ويترك المجال لأعضاء الفريق لمساعدة بعضهم البعض.

إن بناء الفريق يتعلق بتحفيز الفريق ومساعدته على الرؤية والفهم، وجعله متحمسًا تجاه رسم طريق المستقبل بمفرده.

تعزيز التفاعل  

وكما يحدث في أي فريق رياضي أو فصيلة عسكرية، يجب أن يعرف كل أعضاء الفريق بالضبط كيفية التفاعل مع بعضهم البعض لتحقيق الأهداف المشتركة، ولكن أيضا لدعم بعضهم البعض. هذا أمر ضروري ويتطلب من القائد أن يحدد طريقة تفاعل أعضاء الفريق، ومساعدة الفريق في تعلّم ذلك.

البعض يسمّي ذلك طريقة التشغيل الموحّدة standard operating procedure, وآخرون يسمونه عمليات أو مبادئ توجيهية. في النهاية، كل هذه التسميات تعني الشيء ذاته: بينما يكون كل عضو في الفريق مسؤولاً عن دوره في المهمة، يكون القائد مسؤولاً عن جعْل الفريق يعمل بانسجام مثل فرقة سيمفونية.

إن عمليات التفاعل يجب أن تكون بسيطة، وموحّدة، وينفذها الفريق بصورة واضحة. يتركّز دور القائد في تطبيق ما نسميه في الجيوش بعجلة المعركة Battle Wheel والذي قد يُطلق عليه في الحياة المدنية اسم "إيقاع اجتماع فريق العمل" (team-standard meeting rhythm ). وبعد تطبيقه لهذا الإيقاع، يصبح دور القائد الآن القيادة من خلال التوقُّع، وتعزيز روح المبادرة، وتشجيع الفريق على إحضار قضاياهم إلى الاجتماعات بطريقة موحّدة.

ومن خلال ذلك، سيكون كل عضو في الفريق مسؤولاً أمام بقية الفريق- وهذا ربما يعتبر التحفيز الأكثر فعالية.

التوجيه والتدريب  

ليس هناك طريقة أفضل من التوجيه والتدريب لبناء فريق عمل، وإظهار القيادة، وزيادة الالتزام تجاه مهام فريق العمل.

وكما سبقت المناقشة، فإن كونك قائدًا يعني توليك المسؤولية وخضوعك للمساءلة، ولا يمكن تحقيق أي منهما من دون التزامك ومشاركتك المباشرة. إن تدريب القائد للفرد والفريق ضروري لنجاح المجموعة. يهدف تدريب الفرد إلى تطوير كل عضو وفقا لقدراته أو قدراتها، أما تدريب الفريق فيهدف إلى تطوير التفاعل والاستعداد المتبادل للمساعدة بين الأعضاء. إن التوجيه والتدريب اللذين يقوم بهما قائد الفريق هما بمثابة مضاعف القوة الأهم، ولا ينبغي على قائد الفريق أن يُوكل مهمة التدريب والتوجيه إلى مصادر خارجية. وإذا كانت القيادة حقا تشبه قصة حب، فإنه مثل كل قصص الحب، يتعين على القائد أن يكشف قلبه من أجل بناء الثقة التي يستحقها كل مرؤوس لديه.

أخيرا، ليس هناك تعريف للقيادة أفضل من التعريف الذي قدمه الكاتب الفرنسي والطيار المقاتل "أنطوان دي سانت-إيجزوبري Antoine de Saint-Exupéry" الذي قال: "إذا أردت أن تبني سفينة فلا تجمع الناس لجمع الخشب، ولا تعيّن لهم واجبات وتحدّد لهم أعمالا، ولكن الأجدى بك أن تعلّمهم أن يشتاقوا ويتوقوا إلى اتساع وضخامة البحر اللامتناهي. ".   
     
المصدر – المنتدى الاقتصادي العالمي

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا