هل فنزويلا حقا بلد ديكتاتوري؟ هذا ما ستجيب عنه انتخابات الولايات

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – فريق رؤية
ترجمة – شهاب ممدوح

المصدر – واشنطن بوست

يتوجه الفنزويليون، يوم الأحد، إلى مراكز الاقتراع للتصويت في انتخابات الولايات, حيث يُنظر إلى هذه الانتخابات باعتبارها اختبارا لمدى استعداد الرئيس نيكولاس مادورو لتقاسم السلطة مع المعارضة. لكن مع إظهار استطلاعات الرأي أن الحزب الاشتراكي الحاكم يواجه خطر تكبده لخسائر فادحة, يبدو الحزب الحاكم وكأنه يلجأ إلى ثلاثة أساليب: التلاعب, والتشويش, والخوف.

بعد مرور شهرين ونصف على انتخاب مجلس تأسيسي واسع الصلاحيات, يمنح الحكومة سلطة مطلقة تقريبا, وصف الرئيس مادورو انتخابات حكام الولايات المقبلة بأنها دليل واضح على أن الديمقراطية ما تزال حيّة في فنزويلا. لكن زعماء المعارضة يرون أن الحكومة الفنزويلية, التي أدانها الرئيس ترامب واعتبرها "ديكتاتورية اشتراكية", تقود حملة قذرة.

تبث وسائل الإعلام الحكومية على مدار الساعة تقريبا تغطية داعمة لمرشحي الحكومة, بينما تصوّر منافسيهم باعتبارهم منافقين وغير أكفاء. وفي غضون ذلك, يحظى جميع المرشحين بتغطية محدودة مدتها أربع دقائق من الإعلانات السياسية يوميا على الشبكات التلفزيونية الخاصة التي تفرض على نفسها رقابة ذاتية حتى تتجنب إيقاف السلطات لبثها.

وكما كان يحدث عادة أثناء حكم الرئيس الراحل هوجو تشافيز -الذي سمّى مادورو خلفًا له قبل وفاته عام 2013- يتم توزيع سلال غذائية على الناخبين الجوعى في التجمعات الشعبية المؤيدة للحكومة. وفي خطوة يرى البعض أن هدفها التضليل المتعمد, ستتضمن أوراق الاقتراع في انتخابات يوم الأحد أسماء مجموعة من المرشحين الذين خسروا في الانتخابات التمهيدية، وكان من المفترض ألا يخوضوا الانتخابات. كما أعلنت الحكومة فجأة في هذا الأسبوع عن أنها ستنقل بعض مراكز التصويت إلى أماكن أخرى "لأسباب أمنية" لكن زعماء المعارضة قالوا: إن هذه الخطوة تستهدف 205 مركز انتخابي يقع في مناطق تسكنها غالبية مناوئة للحكومة في 16 ولاية. هذا الأمر, كما يقول المنتقدون يُعتبر تلاعبا وتشويشا من جانب الحكومة.

ثم هناك أمر آخر, وهو الخوف 

هنا في "فارجاس", وهي ولاية ساحلية تقع شمال كاركاس, على سبيل المثال, اعتقلت استخبارات الشرطة شقيق مرشح المعارضة "جوزيه مانويل أوليفارز" في الأسبوع الماضي بزعم سرقته لسيارة, وهي تهمة تنفيها عائلته. يقول هذا المرشح إن عملاءً تابعين للدولة غالبا ما يتبعونه خلال حملته الانتخابية.

في ظهيرة أحد الأيام مؤخرا, في الشوارع الضيقة لحي ساحلي فقير, كان المرشح "أوليفارز" -طبيب أورام- ينتقل من بيت إلى آخر, ويصافح الناس ويقبّلهم. وبينما كان يسير باتجاه منزل إسمنتي, وقفت امرأة تراقبه بقلق شديد من نافذة منزلها, وذلك قبل أن تغادر نافذتها مسرعة.

عندما طرق على الباب, فتحت السيدة باب منزلها, وتوسلت إلى المصورين المرافقين للمرشح بأن يخفضوا آلات تصويرهم. "هل رأيتم ذلك؟" قال المرشح وهو يمسح العرق من على جبهته عقب محادثته القصيرة مع السيدة. "هي خائفة. هؤلاء الناس يشعرون أنهم سيخسرون أيّ معونات تقدمها لهم الحكومة, وحتى وظائفهم, لو كانوا موظفين حكوميين".

إن مرشحي المعارضة الفائزين في الانتخابات سيجدون أن سلطاتهم مقيّدة. حيث قال الرئيس مادورو: إن كل حكام الولايات سيخضعون لسلطة المجلس التأسيسي, وهو مجلس واسع الصلاحيات تسيطر عليه الحكومة, وقد خرج هذا المجلس من رحم انتخابات جرت في شهر يوليو, وشابتها مزاعم بحدوث عمليات تزوير واسعة. من المرجح أن يصعّب هذا المجلس من مهمة أي حاكم ولاية لا يتفق مع مادورو.

مع ذلك, تعتبر هذه الانتخابات بمثابة اختبار مهم. فإذا كانت نسبة الإقبال مرتفة, فإن المعارضة بحسب استطلاعات الرأي قد تفوز ب 19 ولاية من أصل 23 ولاية في فنزويلا. يراقب المحللون ليروا ما إذا كانت الحكومة ستواجه اتهامات بتزوير الانتخابات كما حدث أثناء انتخابات المجلس التأسيسي في شهر يوليو. وبالرغم مما تظهره استطلاعات الرأي, إلا أن مادورو قال في الأسبوع الماضي إن حزبه "يتوقع فوزا تاريخيا".

"هناك فرصة أن نفوز بكل الولايات الثلاثة والعشرين" قال مادورو.

وبالنظر إلى استراتيجيتها المتمثلة في إخضاع حكام الولايات لسلطة المجلس التأسيسي الذي تهيّمن عليه الحكومة, فإن السلطات الفنزويلية لن تخسر الكثير بسماحها بعقد انتخابات نزيهة, لكنها ستكسب الكثير من هذا المشهد الانتخابي. ربما تعتقد الحكومة أن هذا الحدث قد يخفّف من الضغط الدولي عليها, ويرضي المعارضة المحلية.

"أظن أن الحكومة ستستغل الهزيمة باعتبارها نوعا من النصر, وذلك بمحاولة دحض الأدلة التي تشير إلى استيلائها على السلطة المطلقة" حسبما قال "جاليرمو زوبيلاجا", رئيس مجموعة العمل المختصة بفنزويلا في "مجلس الأمريكيتين", وهو منظمة مهتمة بشؤون التجارة والتعليم ومقرّها في نيويورك.

مع ذلك, تعتبر الانتخابات بمثابة مؤشر مهم بالنسبة للمعارضة, التي فشلت بصورة كبيرة في مواصلة احتجاجاتها الواسعة النطاق التي هزّت فنزويلا في مطلع هذا العام. يخشى النشطاء الآن من أن أساليب الحكومة-ومعها شعور عام بالعجز وسط الناخبين- قد يخفّض من نسبة الإقبال على التصويت يوم الأحد.

بعث وزير الاتصالات الفنزويلي "إيرنيستو فيليجاس" برسالة نصية إلى صحيفة الواشنطن بوست, يصف فيها مزاعم المعارضة بأنها "مشهد متكرر".

يقول الوزير: "تلجأ المعارضة إلى القصص ذاتها في كل انتخابات"، ويضيف "عندما يفوزون ببعض المناصب, ينسون بسرعة التزوير الذي من المفترض أنه كان على وشك الحدوث".

ويمضي الوزير قائلا: "الأمر المهم هنا أنه في هذه ’الديكتاتورية‘ غير العادية بقيادة مادورو, تجري انتخابات في كل ولاية في البلاد. لقد دفعت المعارضة بمرشحين لكل المناصب. إن شكاوى المعارضة هي عبارة عن أوراق توت لإخفاء الحقيقة: المشاركة في الانتخابات. إن المعارضة تنفي حجتها الخاصة. لا توجد ديكتاتورية هنا في فنزويلا".

إن شعبية مادورو متدنية للغاية, ويرجع هذا الأمر جزئيا إلى الأزمة الاقتصادية الشديدة التي سبّبها انخفاض أسعار النفط, وما يعتبره الكثيرون سوء إدارة حكومية للوضع. تظهر آخر استطلاعات الرأي أن نسبة تأييد الرئيس وصلت إلى 23 بالمائة. لكن زعماء المعارضة فقدوا أيضا التأييد بسبب التناحر الداخلي وسوء التنظيم المزعوم داخل صفوفهم. كما وجّه المنتقدون نقدا لاذعا لهؤلاء الزعماء لمجرد مشاركتهم في انتخابات حكام الولايات, زاعمين أن هذه الخطوة تعطي شرعية للحكومة, وتصب في مصلحة مادورو.

يردّ زعماء المعارضة على هذه الانتقادات بالقول: إن خوضهم للانتخابات يعطي أملا للفنزويليين الذين يعانون من أعلى نسبة تضخّم في العالم, ومن نقص حاد في الغذاء والدواء.

يقول مرشح المعارضة "أوليفارز": "إذا شعر الناس أن هذه الانتخابات تقرّبهم خطوة من الإطاحة بمادورو, فإنهم سيشاركون في التصويت".

لقد كانت ولاية فارجاس معقلا مؤيدا للحكومة منذ صعود تشافيز للسلطة في عام 1999. وهي تحتضن عددا هائلا من الموظفين العموميين بسبب مينائها ومطارها, فضلا عن الشركات الحكومية التي احتلت مكانة مهمة يوما ما.

 لكن معظم هذه العمليات الحكومية خفّضت من نشاطها أو أفلست. بالإضافة إلى الانخفاض الحاد في أعداد السياح, الذين كانوا يملأون الفنادق المحلية في يوم من الأيام. أما اليوم, فإن جزءا كبيرا من سكان الولاية يكافحون للعيش على إعانات الحكومة. 
 
يرى المرشح أوليفارز بصيص أمل محتمل هنا. فعندما خاض انتخابات حاكم الولاية وفشل منذ خمس سنوات مضت, لم يكن بمقدوره حتى أن يدخل الأحياء الفقيرة هناك.

ويقول أوليفارز: "كان الناس يطاردونني بالحجارة والإهانات". ويضيف "ما ترونه اليوم كان أمرا مستحيلا في ذلك الوقت".

لقد بنى أوليفارز قاعدة تأييد شعبية له من خلال محاكاة أسلوب الحكومة, حيث أسس ثمانية مطابخ عامة بتمويل من تبرعات خاصة, ويقدم كل مطبخ وجبات غداء يومية لما يتراوح بين 100 إلى 150 طفلا.

لقد كان الشعور باليأس جليّا أثناء خوضه لحملته لانتخابية في الشوارع في الآونة الأخيرة. حيث كان الناس يسحبون أوليفارز ليزور المرضى من أفراد عائلاتهم, ويسلّمونه وصفات طبية لم يتمكنوا من شراء الأدوية المدوّنة عليها. وخلال زيارته لأحد الأحياء الفقيرة, اصطحبه السكان إلى منزل سيدة عجوز, كانت قدمها مغطاة بكدمة داكنة. 
 
"أعاني من قرحة وريدية, ولا استطيع علاجها, أيها الطبيب" قالت السيدة العجوز, مضيفة أن علاجها غير متوفر.

"سوف أحضر الدواء لكِ، يا عزيزتي" قال أوليفارز.

بالقرب, كان هناك مؤيد للحكومة -رجل شرطة متقاعد رفض ان يفصح عن اسمه- حيث أصرّ على أن المعارضة تضيع وقتها. يقول الشرطي المتقاعد: إن "التصويت لأوليفارز هو مثل البصق على اليد التي تطعمنا". ويضيف قائلا: "الحكومة منحتني منزلا. من المستحيل أن يفوز هنا. نحن نؤيد الحكومة حتى الموت".
 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا