مُختصر تاريخ وأفكار ستيفن هوكينج

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – فريق رؤية

المصدر – الإندبندنت

ترجمة – شهاب ممدوح

تمكّن "ستيفن هوكينج", الذي توفي عن عمر ناهز 76 عامًا, من تجاوز الهوّة الموجودة بين الغرابة العلمية والثقافة الشعبية.

كان عملاقًا وسط مجموعة فريدة من علماء الفيزياء النظرية في أواخر القرن العشرين, والذين كانوا يدرسون أصول الكون وأسراره. لكنه حقق أيضا شهرة وسط الجماهير, إذ عُرف بكرسيه المتحرك وصوته الاصطناعي الصادر من جهاز كمبيوتر, أكثر مما عُرف بنظرياته الغامضة الخاصة بعلم الكونيات.

لعل أفضل ما سيُذكر به "هوكينج" هو كونه الرجل صاحب العقل العبقري المحتجز في جسد مشلول. عاش "هوكينج" منذ سن الواحدة والعشرين تحت ظل مرض العصب الحركي والذي أدّى بمرور الوقت لشلّ عضلاته, لكنه, للغرابة, لم يقتله خلال سنتين من تشخيصه- كما هو معتاد مع هذا المرض.

لم يمنع هذا الوضع الصحي "هوكينج" من تحقيق ذاته ومن تحقيق تميّز علمي. فبالرغم من كل العقبات, عاش "هوكينج" الحياة الأسرية بحلوها ومرها, إذ عاش فرحة إنجابه لثلاث ابناء وألم تجربتي طلاق. وبالإضافة إلى كل ذلك, حقق اكتشافات مهمة في مجال الفيزياء النظرية وعلم الكونيات.

بالرغم من حالة الشلل التي أصابت جسده, وفقدانه لصوته عام 1985, تمكّن "هوكينج" من صياغة عدد من النظريات المهمة المتعلقة بخصائص الثقوب السوداء وتمدّد الكون, فضلا عما يمكن أن نصفه بشكل فضفاض بأنه فهم متعمق لبداية الزمن ونهايته.

وفوق كل ذلك, ألّف هوكينج أحد الكتب العلمية الأكثر مبيعًا "تاريخ موجز للزمن" والذي صدر لأول مرة عام 1988. وبالرغم من اشتهار الكتاب بموضوعه العصيّ على الفهم, إلا أن الكتاب أرسى الأسس التي جعلته يحظى بجاذبية أوسع وسط الناس. وقد امتدّ هذه الجاذبية إلى لعبه لأدوار صغيرة في مسلسل "عائلة سمبسون" ومسلسل "ستار تريك", فضلا عن ظهورة في عدد من الإعلانات التلفزيوينة المربحة.

حقق "هوكينج" لاحقا شهرة تضاهي شهرة نجوم هوليود عندما فاز الممثل "إيدي ريدماين" بجائزة الأوسكار بفضل تجسيده لشخصية هوكينج في فيلم (The Theory Of Everything) عام 2014, والذي يحكي معايشة هوكينج الحقيقية مع مرض "التصلب الضموري الجانبي". كان الممثل "ريدماين" مبدعًا في أدائه التمثيلي, ما دفع هوكينج للقول:"أحيانا كنت أشعر أنه أنا".
   
نشأته
وُلد "ستيفن ويليام هوكينج" في أوكسفورد في الثامن من يناير عام 1942, في الذكرى ال 300 لوفاة العالم الفلكي جاليليو, وهي مصادفة رأي أنها ظريفة, إلا أنه قدّر لاحقا أن نحو 200 ألف طفل أخرين وُلدوا أيضا في اليوم ذاته.

بالرغم من ولادته في أوكسفورد, إلا أن والده, الذي عمل كباحث طبي, ووالدته كانا يعيشان في حي "هاي جايت" البوهيمي" في لندن, حيث جرى إرساله إلى مدرسة "بيرون هاوس" التقدمية. واحدة من أولى ذكرياته هي شكوته لوالديه من أنه لم يكن يتعلم شيئا- وهي إشارة مبكرة على تعطشه للعلم, وعدم احتماله للملل.

من أولى ذكرياته أيضا هي انبهاره في فتره صباه بنماذج القطارات. يتذكر هوكينج تلك الأيام بالقول "كنت مولعًا دائما بكيفية عمل الأشياء, وكنت أفككها لمعرفة كيف تعمل, لكني لم أبرع في تجميعها مرة أخرى. إن قدراتي العملية لم تضاه مطلقا تحقيقاتي النظرية".

انتقلت أسرته إلى مدينة "ساينت ألبانز" (ST Albans) عام 1950, وعندما بلغ "هوكينج" سن الحادية عشرة, أُرسل إلى مدرسة "ساينت ألبنز" الخاصة بجوار كتدرائية المدينة, حيث لم يكن هوكينج, باعترافه, تلميذا استثنائيا, غير أن زملاءه في الصف كانوا يطلقون عليه اسم "أينشتاين". في أواخر فترة دراسته, قرر هوكينج أنه يرغب في دراسة الفيزياء والرياضيات. والسبب, حسبب قوله, هو أن هذين المجالين يقدمان "أملاً لفهم من أين أتينا ولماذا نحن هنا".

ما بين أكسفورد  وكامبردج
ذهب هوكينج لجامعة أوكسفورد حيث لم ينجز إلا القليل أثناء دراسته في مرحلة ما قبل التخرج, مع ذلك حصل على المرتبة الأولى في الامتحان الشفهي. ولاحقا, قال هوكينج مازحًا أن ممتحنيه سألوه في المقابلة حول خططه. فردّ قائلا أنه سيبقى في جامعة "اوكسفورد" لو حصل على المرتبة الثانية, وسيذهب إلى "كامبريدج" لو حصل على المرتبة الأولى . وأضاف هوكينج ساخرًا "منحوني المرتبة الأولى".

بالرغم من أن هوكينج أراد أن يحصل على درجة الدكتواره تحت إشراف "فريد هويل", عالم الكونيات الشهير الذي كان يعمل في كامبريدج في ذلك الوقت, إلا أنه اضطر للحصول عليها تحت إشراف "دينيس سكياما" الذي لم يسمع به هوكينج من قبل. وذكر هوكينج في وقت لاحق أن ذلك اتضح انه فرصة محظوظة, لانه لو حصل على الدكتوراة تحت إشراف "هويل" لكان سيدافع في نهاية المطاف عن "نظرية الحالة الثابتة" لهويل عن الكون, بدلاً من تبنيه لنظرية "الانفجار الكبير"- وهو تعبير مهين ابتدعه "هويل" لوصف كون كانت له بداية محددة.

المرض
في تلك الفترة تقريبا, عام 1963, تلقى هوكينج الأخبار الصاعقة بأنه كان يعاني من مرض العصب الحركي. وقرب نهاية فترة دراسته في الجامعة, لاحظ أن تناسق حركته, الذي لم يكن ممتازا أساسا, كان يزداد سوءًا. لم يكن بمقدوره التجديف بشكل جيد على مركب, كما سقط عدة مرات من دون سبب وجيه.

أثناء عطلة عيد الميلاد عام 1962, سقط أرضا بينما كان يتزلج فوق بحيرة في "ساينت ألبنز" ولم يستطع النهوض مجددا. رتبت أمه له ميعادًا مع طبيب, وبعد مررو أسابيع من الاختبارات والإجراءات في مشفى "ساينت بارثولوميو" في لندن, أدرك أن هناك شيئا ما ليس على ما يرام.

ويتذكّر هوكينج في ذكرى عيد ميلاده السبعين تلك الفترة بالقول "لم يخبروني مطلقا ما المشكلة, لكني كنت أخمّن أن الأمر كان سيئا للغاية, لذا لم أسأل. في الواقع, فإن الطبيب الذي شخّص مرضي تركني, ولم أره مرة اخرى. لقد شعر الطبيب أن ما من شيء يمكن فعله. لقد أصبح والدي عمليًا هو طبيبي, وكنت أعود إليه لأخذ النصيحة".

كان عمره حينها 21 عامًا, وكانت فكرة أنه سيموت في غضون سنتين بسبب مرض العصب الحركي تصيبة بالرعب. لقد بدا أنه ما من جدوى من مواصلة دراسته للدكتوراه, لأنه لم يكن متوقعًا أنه سيستكملها. كل هذا أصابه, بشكل مفهوم, بحالة اكتئاب.

مع ذلك, هناك شيء ما جعله يواصل حياته. في يوم رأس السنة الجديدة عام 1963, التقى هوكينج في حفلة في "ساينت ألبنز" بفتاة كانت في سنة فراغ قبل ذهابها للجامعة في لندن. وقد تمت خطبتهما في عام 1964. أدرك هوكينج أن هناك شيئا يستحق العيش لأجله, وانه يحتاج إلى وظيفة. ارتفعت معنوياته بفضل إدراكه أن حالته كانت تتقدم بصورة أبطأ من المتوقع, في حين بدأت أبحاث شهادة الدكتوراه تؤتي ثمارها.
قال هوكينج "بعد أن انخفضت توقعاتي إلى نقطة الصفر, أصبح كل يوم جديد مجزيًا بالنسب لي, وبدأت أقدّر كل شيء أملكه. حيث توجد الحياة, هنالك أمل".

التحول الكبير
أصبح هوكينج في بداية الستينيات منهمكًا في أحد أهم المسائل الخاصة بعلم الكون- وهي ما إذ كان للكون بداية أم لا. كانت نظرية "الحالة الثابتة"  ل "هويل" بشأن الكون بالفعل في ورطة, لكنها انتهت فعليا عام 1964 بعد اكتشاف "الإشعاعات الخلفية الكونية الميكروية" (microwave background radiation) التي تمثل "صدى" الانفجار الكبير, وهي منتشرة في كل مكان في الفضاء.

شرع هوكينج في تحليل نظرية منافسة لنظرية الانفجار الكبير. إذ طرح بعض علماء الكونيات فكرة أن الكون يدور في حلقة من التمدّد ثم الانكماش. لكن هوكينج, بالتعاون مع عالم الرياضيات في أوكسفورد "روجر بينروز", أظهر أن الزمان والمكان يمكن أن يكون لهما بالفعل بداية, أو ما يسمى ب "نقطة التفرّد", وأن هذا يتطابق مع نظرية "النسبية العامة" ل "أينشتاين" ولا يتعارض معها.

بداية من السبيعينات, طبّق هوكينج المنطق ذاته الخاص ب "نقاط التفرّد" على الثقوب السوداء. كان مهتمًا بصورة خاصة بمنطقة "أفق الحدث" (Event Horizon) في الثقب الأسود, وهي النقطة التي يتم فيها ابتلاع الضوء وكل المواد الأخرى عند حافة الثقب. وصف هوكينح لاحقا تلك الفترة في بداية السبعينيات بأنها "عصر ذهبي" تمكّن فيها هو وزملاؤه من حل معظم المشاكل الرئيسية في نظرية الثقب الأسود.

طبّق هوكينج لاحقا "نظرية الكم"- فيزياء الأشياء المتناهية الصغر- على الهياكل الكونية الهائلة مثل الثقوب السوداء. وبذلك اكتشف احتمال وجود انبعاثات إشعاعية بالقرب من منطقة "أفق الحدث" في الثقب الأسود. وحتى ذلك الوقت, لم يتوقّع علماء الكونيات وجود فقدان للطاقة أو انبعاثات من الثقوب السوداء. أصبحت تلك الانبعاثات تعرف باسم "إشعاع هوكينج", وكان اكتشافها, كما ذكر هوكينج لاحقا, واحدًا من أكثر إنجازاته فخرًا.  

فقدان هوكنج لصوته وصناعة جهاز مخصص له
أثناء تأليفه لكتاب "تاريخ موجز للزمن" في عام 1985, أُصيب هوكينج بالتهاب رئوي تطلب خضوعه لعملية جراحية عاجلة في القصبة الهوائية لإنقاذ حياته, لكن العملية أدّت أيضا لفقدانه لصوته. ونتيجة لذلك, باتت الطريقة الوحيدة لتواصله مع الناس هي بناء الكلمات حرف بحرف عبر رفعه لحاجبيه عندما يشير أحد الأشخاص للحرف الصحيح على لوح للتهجئة.

سمع أحد مهندسي الكمبيوتر في كاليفورنيا, اسمه "وولت ولتوز" بمحنة هوكينج وأرسل له برنامجًا اخترعه يمكّن هوكينج من الكتابة والحديث عبر اختيار كلمات من سلسلة من القوائم على شاشة. وبمجرد أن يبني هوكينج جملة أو اثنتين, فبإمكانه إرسالها لبرنامج لمحاكاة الكلام يقوم بنطقها. ومن وقتها فصاعدًا, أصبح الناس يسمعون ما يدور في عقل هوكينج على هيئة صوت ميكانيكي, وإن كان بلهجة أمريكية مميّزة.

كتابه " تاريخ موجز للزمن"
حقق كتاب "تاريخ موجز للزمن" نجاحا هائلا عند نشره. إذ بيعت منه 10 مليون نسخة وكان على قائمة صحيفة الصنداي تايمز لأفضل الكتب مبيعًا لما يزيد على أربعة سنوات. تضمّنت النسخة الأولى للكتاب, والتي نُشرت عام 1988, مقدمة كتبها عالم الفلك ومؤلف العلوم الأسطوري "كارل سجان" يقول فيها إن هوكينج هو خير خليفة لأسحاق نيوتن.

قال هوكينج في عام 2012 "لم أتوقع أن ينجح كتاب (تاريخ موجز للزمن) بمثل هذا النجاح" مضيفا "ربما لم يقرأ الجميع الكتاب للنهاية, أو يفهمون كل شيء قرأوه, لكنهم على الأقل فهموا أننا نعيش في كون تحكمه قوانين رشيدة يمكننا اكتشافها وفهمها".

نظرية M-Theory
في مرحلة متأخرة من حياته المهنية, اهتم هوكينج بشدة بنظرية تسمى "نظرية أم" (M-Theory), والتي تعد امتدادًا ل "نظرية الأوتار", وتفيد تلك النظرية بوجود 11 بعدًا على الأقل للزمكان. لقد سُميت "نظرية إم" بهذا الاسم تيمنًا بفكرة الأغشية المتعددة الأبعاد في نسيج الزمكان.  

يقول هوكينج "تتنبأ (نظرية أم) أن عددا كبيرا جدا من الأكوان نشأ من العدم. وبإمكان هذه الأكوان أن تنشأ بصورة طبيعية من القوانين الفيزيائية. كل كون لديه تواريخ عديدة محتملة, وحالات عديدة محتملة في أزمنة لاحقة, أي في أزمنة مثل الحاضر, وذلك بعد وقت طويل من نشأة تلك الأكوان".  
 
مُلحداً يذكر أسم الله
بالرغم من أن هوكينج كان ملحدًا, إلا أنه كان يستحضر اسم الله في مؤلفاته. ففي واحدة من أكثر العبارات خلودًا وإثارة للجدل في كتاب "تاريخ موجز للزمن" وصف هوكينج كيف سيكون الوضع لو تمكّن علماء الفيزياء من صياغة نظرية شاملة تعرف ب "نظرية كل شيء", تجمع كل ما يعرفونه بشأن الكون. لو جرى اكتشاف تلك النظرية, يقول هوكينج في كتابه, فسيمكننا بالتأكيد معرفة ما يدور في عقل الله.
بالنسبة للمؤمنين بوجود الله, فإن تلك العبارة يُشتم منها رائحة غطرسة. إما بالنسبة للملحدين, فإنها تفوح منها رائحة النفاق- فلو كان الله غير موجود, فلماذا إذاُ نحتاج لأن نعرف ما يدور في عقله؟

أوضح هوكينج لاحقا ما كان يقصده في لقاء أجراه معه "جون همفري" على أحد البرامج على محطة (Radio4) الإذاعية, بقوله "لو اكتشفنا المجموعة الكاملة للقوانين, وفهمنا سبب وجود الكون, فإننا سنكون في منزلة الله. ونحن نحرز تقدمًا نحو هذا الهدف. لكن مازال أمامنا طريق طويل".

لقد أثار هوكينج الجدل في مناسبات أخرى. إذ زعم أن البشر ينبغي عليهم السفر لكواكب أخري بسبب المشاكل البيئية التي تواجه الأرض, وأن هناك كائنات فضائية ربما تستعد لاستعمار كوكبنا, وأنه ليس هناك حاجة لوجود الله لبدء الخليقة.

قال عالم الكونيات اللورد "مارتن رييس" في عام 2010 متحدثا عن هوكينج: "ستيفن هوكينج شخص رائع, وأعرفه منذ أربعين عامًا. ولهذا السبب, فإن أي تصريحات غامضة يدلي بها تحظى بتغطية إعلامية مبالغ فيها" ويتابع بقوله "أعرف هوكينج جيدا بما يكفي لمعرفة أنه قرأ القليل جدا من الفلسفة وعلم اللاهوت, لذا أعتقد أنه لا ينبغي علينا إعطاء أي وزن لإرائه بشأن هذا الموضوع".  

مثل كل العلماء الذين تطرّقوا إلى مواضع خارج مجالهم, أظهر هوكينج أنه معرّض مثل أي شخص آخر للمبالغات والتهويل. لكن تميّزه في مجاله العلمي الغامض, مثله في ذلك مثل إسحق نيوتن, يجعل منه عملاقًا حقيقيا ستستفيد منه الأجيال المستقبلية من العلماء.  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا