واشنطن تقول لطهران: لا للانتقام الصعب

يوسف بنده

رؤية

بعد مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في غارة أمريكية قرب مطار بغداد، في 3 يناير2020، قال المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي “الانتقام الصعب ينتظر من تلطخت أيديهم بدمائه (سليماني) وكذلك بدماء الشهداء الآخرين.” وأضاف خامنئي أن “غياب سليماني يشعرنا بالمرارة، لكن الكفاح سيتواصل لحين تحقيق النصر وجعل حياة المجرمين أشد مرارة”.

وبعد مقتل محسن فخري زاده، الملقب بـ “الرجل الغامض والنووي”، يوم 27 نوفمبر إثر عملية دامية في آبسرد بدماوند. وبعد أن وجّه بعض المسؤولين ووسائل الإعلام الإيرانية أصابع الاتهام على الفور إلى إسرائيل، التي اتُهمت مرارًا باغتيال علماء نوويين إيرانيين في الماضي؛ قال قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، إن “الانتقام الصعب” من قتلة العالم النووي محسن فخري زاده بات “على جدول الأعمال”.

استعداد أمريكي

قبيل حلول الذكرى الأولى، مطلع يناير المقبل، لاغتيال الولايات المتحدة قاسم سليماني، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون” عبور غواصة نووية مضيق هرمز باتجاه الخليج لحماية الملاحة بالمنطقة، بينما أكد قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال فرانك ماكينزي، أثناء جولة في المنطقة أُحيطت بالسرية، أن بلاده متأهبة ومستعدة للرد في حال هاجمتها طهران أو الفصائل الموالية لها انتقاماً لمقتل سليماني.

وصرح ماكينزي لعدد محدود من الصحافيين، مساء أمس الأول: «نحن مستعدون للدفاع عن أنفسنا والدفاع عن أصدقائنا وحلفائنا في المنطقة، ونحن مستعدون للرد إن اقتضى الأمر».

وأضاف قائد القيادة المركزية الأميركية «سانتكوم»، في اتصال هاتفي من مكان غير محدد في المنطقة: «أرى أننا في وضع جيد جداً، وأننا سنكون مستعدين، مهما قرر الإيرانيون وحلفاؤهم أن يفعلوا»، مؤكداً أنه زار بغداد، حيث التقى قائد قوات التحالف الدولي الجنرال الأميركي بول كالفيرت، ورئيس أركان الجيش العراقي الفريق أول ركن عبدالأمير يارالله.

وأفاد كذلك بأنه زار سوريا للقاء القوات الأميركية في قاعدة التنف الواقعة في المثلث الحدودي مع الأردن والعراق.

ولم يُعلَن مسبقاً عن جولة ماكينزي، ما يعد إشارة على وجود خشية لدى المسؤولين الأميركيين من أن تقوم الجمهورية الإسلامية بالانتقام للجنرال البارز، الذي اغتيل في غارة شنتها طائرة مسيرة أميركية قرب مطار بغداد في 3 يناير 2020.

وبالمثل جرى التكتم على جولة رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي إلى قطر والسعودية والإمارات وإسرائيل وأفغانستان، الأسبوع الماضي حتى مغادرته المنطقة.

وتزامن ذلك مع وصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد زاده، الهجمات الصاروخية التي تعرضت لها السفارة الأميركية في بغداد، مساء أمس الأول، بأنها «أمر مشكوك فيه للغاية».

واتهم زاده إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب بتدبير الهجمات، قائلاً إن «البيان الذي أصدره وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بشأن الرشقات الصاروخية، التي تسببت في أضرار مادية طفيفة، قد أُعد قبل تنفيذها ونُشر بعدها».

وأكد أن «الهجمات على المقرات الدبلوماسية والسكنية أمر مرفوض»، لكنه وصف توقيت الاعتداء الذي يأتي قبيل الذكرى الأولى لوفاة سليماني بـ«المشبوه».

وحمّل بومبيو، الميليشيات المدعومة من إيران مسؤولية الهجمات التي استهدفت المنطقة الخضراء، حيث تقع السفارة الأميركية، لكن أغلب الفصائل العراقية المسلحة، بما في ذلك «حزب الله» المقرب من طهران، نفت التورط في الهجوم.

كما نفى قيس الخزعلي زعيم «عصائب أهل الحق»، التي تُتهم بتدبير مثل تلك الاعتداءات، شن الهجوم على المقر الدبلوماسي، رغم تأكيده الاحتفاظ بحق مهاجمة القواعد العسكرية الأميركية، بوصفها «أماكن محتلة».

قلق أوروبي

أبدت أوروبا قلقها من ارتفاع مستوى التوتر بين واشنطن وطهران في نهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب، ففي الوقت الذي أعلنت فيه دول أوروبا الأعضاء في الاتفاق النووي عن استعدادها لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، حذرت مسؤولي النظام الإيراني أيضًا من تضييع الفرصة في هذا الشأن، بأفعالهم وعدم امتثالهم لتعهداتهم.

وعقب الاجتماع، حذر وزيرا الخارجية البريطاني والألماني الحكومة الإيرانية من الخطوات التي تقوم بها طهران والتي تصعب عودة جو بايدن إلى الاتفاق النووي، حسب تعبيرهما.

وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس للصحافيين عقب الاجتماع “من أجل التمكن من إقامة علاقات أوثق مع الولايات المتحدة في عهد بايدن، يجب أن لا تكون هناك مناورات تكتيكية من النوع الذي شهدناه مؤخرًا من الجانب الإيراني”. وقال ماس إنها “الفرصة الأخيرة”، مضيفًا أنه لا ينبغي تفويتها.

وكان وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتفاق النووي مع إيران، قد أصدروا، الاثنين بيانًا مشتركًا، أكدوا خلاله على العودة المحتملة لأميركا إلى الاتفاق النووي، معلنين عن استعدادهم لمناقشة هذا الموضوع.

وقد تم عقد الاجتماع المشترك لهذه الدول، الاثنين، عبر الإنترنت، بحضور وزراء خارجية إيران وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا، برئاسة جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.

وأكد ممثلو الدول، خلال الاجتماع المذكور، مرة أخرى، على ضرورة تنفيذ الاتفاق النووي بشكل “كامل ومؤثر”. وأضافوا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي الهيئة الدولية الوحيدة المستقلة والمحايدة التي كلفها مجلس الأمن الدولي بالإشراف على تنفيذ الاتفاق والتحقق من صحة الالتزام.

يأتي هذا بعدما قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، في تصريح أدلى به إلى وكالة “رويترز” للأنباء، إن إحياء الاتفاق النووي الإيراني في حكومة جو بايدن يحتاج إلى اتفاق جديد لتحديد كيفية حلحلة انتهاكات طهران وتقليص تعهداتها بموجب الاتفاق والعودة إلى التزاماتها السابقة.

والآن يؤكد وزراء خارجية الدول الخمس في اجتماعهم، الاثنين، على أن جميع الأطراف يجب أن تتعاون مع الوكالة بـ”نية حسنة”.

وأعرب وزراء الدول الأعضاء في الاتفاق النووي، خلال الاجتماع، عن أسفهم لانسحاب أميركا من الاتفاق النووي، وناقشوا احتمال عودة واشنطن. وأكدوا استعدادهم لمعالجة هذه القضية بنظرة “إيجابية” وبجهود مشتركة.

ويأتي إعلان الدول الأعضاء في الاتفاق النووي عن استعدادها لاحتمال عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق، في وقت تزايدت فيه إشارة المسؤولين الأوروبيين إلى الأنشطة العسكرية للحرس الثوري في المنطقة وإلى أوضاع حقوق الإنسان في إيران.

وكان وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، قد قال في وقت سابق إن الاتفاق النووي لم يعد كافيًا، ويجب أن يكون هناك اتفاق جديد مع طهران يشمل برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية. كما دعت لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان البريطاني الحكومة البريطانية إلى إدراج الحرس الثوري في قائمة المنظمات الإرهابية.

واعتمد البرلمان الأوروبي، خلال اجتماعه يوم الخميس الماضي، مشروع قرار بشأن حقوق الإنسان في إيران، ويشمل القرار إدانة إعدام روح الله زم، مدير قناة “آمد نيوز” التلغرامية، ويطالب بتفعيل آلية لفرض عقوبات حقوق الإنسان على طهران.

وفي المقابل، يؤكد المسؤولون الإيرانيون على ضرورة إلغاء العقوبات والعودة إلى تعهدات الاتفاق النووي، ولكنهم يقولون إن الاتفاق النووي غير قابل للتفاوض، وأنهم لن يجلسوا على طاولة المفاوضات بشأن القضايا العسكرية والدفاعية الإيرانية.

ربما يعجبك أيضا