حصاد 2022| عام من توتر العلاقات بين إيران وأذربيجان دون الحرب

يوسف بنده

أسفرت نتائج الحرب في القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا، ليس تحرير مرتفاعات ناغور قره باخ فحسب، بل فتحت الباب لإمكانية حدوث تحولات جيوسياسية هناك، تقاتل إيران لعدم وقوعها.


بدأ الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، سياسته الخارجية بالتلويح بدبلوماسية الميدان في وجه أذربيجان.

وقد شرع في ذلك النهج منذ تعيينه حسين أمير عبداللهيان وزيرًا للخارجية، الذي يتمتع بعلاقة قوية مع الحرس الثوري، وهي سياسة لم تؤت ثمارها مع أذربيجان، رغم التلويح بالسلاح والدبلوماسية.

هدف أبعد من الحرب

كانت حرب تحرير مرتفعات ناغور قره باخ التابعة لأذربيجان، التي احتلتها أرمينيا، وانطلقت في 27 سبتمبر 2020، إيذانًا بمرحلة جديدة من التحولات الجيوسياسية على حدود إيران الشمالية، في إطار إعادة تشكيل الخريطة السياسية والاقتصادية في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى.

وكانت إيران ترى أن سيطرة أذربيجان على كامل حدودها معها على طول نهر أراس، يعني منح حليفة أذربيجان، وهي إسرائيل، الوصول إلى المزيد من الأراضي، التي يمكن من خلالها مراقبة طهران بما يهدد أمنها القومي.

8551

وبالنسبة إلى تركيا، التي دعمت هذه الحرب، فإن إيران تشير إلى مخطط وضعته أنقرة لربط أذربيجان بإقليمها المنفصل جغرافيًّا نختشفشيان المجاور لحدود تركيا، فيمكن لتركيا، بعد ذلك، الوصول إلى بحر قزوين ودول أسيا الوسطى مباشرة عبر أراضي أذربيجان دون الحاجة إلى إيران، بما يقلل من مكانتها السياسية والاقتصادية.

ممر شمال- جنوب

التصعيد الإيراني شمالًا، هدفه حماية مشروع إيران الاستراتيجي للتجارة والترانزيت، فتسعى لتحويل أراضيها إلى ممر استراتيجي عالمي، للربط بين منطقة الخليج والهند مع تركيا وآسيا الوسطى وروسيا، في ما يُعرف بممر شمال-جنوب، الذي يربط روسيا وأوروبا بالمحيط الهندي عبر إيران.

ومن شأن ممر التجارة الجديد، أن يتيح للهند وصولًا أفضل إلى قلب أوراسيا، وهو يمثل ممرًّا موازيًا للممر الصيني-الباكستاني، الذي يربط الصين بالمحيط الهندي عبر الأراضي الباكستانية، وصولًا إلى ميناء جوادر، جنوبي باكستان، ثم إلى البحر الأحمر وقناة السويس والبحر المتوسط.

ihDsTVortVEW

مصالح مشتركة للدول الضامنة

تمثل الدول الثلاث، إيران وتركيا وروسيا، الدول الضامنة أيضًا لصيغة 3+3، لتسوية النزاع والتطبيع بين الدولتين المتحاربتين في منطقة القوقاز، أذربيجان وأرمينيا، إلى جانب جورجيا. ولذلك راهنت إيران على المصالح المشتركة بين الدول الضامنة من أجل استقرار منطقة القوقاز والحفاظ على حدودها الجيوسياسية.

وتمثل منطقة القوقاز أهمية بالغة بالنسبة إلى الدول الثلاث الضامنة، فتمثل لروسيا بوابة لوصول تجارتها إلى كل من إيران وتركيا، فضلًا عن منطقة الشرق الأوسط، وتمثل لإيران وتركيا بوابة مهمة للعبور نحو آسيا الوسطى والصين وشرق أوروبا.

1400071412421397623755534 1

وكان الاجتماع الذي جمع قادة الدول الضامنة الثلاث في طهران يوليو 2022، فرصة لإيران لتسوية المسألة في القوقاز، والوصول إلى صيغة تضمن للدول الثلاث مصالحها من هذه المنطقة، بما لا يحذف إيران من خريطة الترانزيت بين أوروبا وآسيا الوسطى، كما تخطط تركيا.

ولكن لم يسفر هذا الاجتماع عن نتائج حقيقية سوى الاتفاق على عدم دخول قوات أجنبية إلى منطقة القوقاز. ولكن الأهداف التركية تتجاوز مسألة الترانزيت إلى تعزيز مكانة تركيا في سوق الطاقة العالمية، من خلال تحولها إلى شريان مهم لنقل غاز آسيا الوسطى وبحر قزوين عبر أذربيجان إلى أراضيها، ومنها إلى أوروبا.

1 1467439

تلويح بالسلاح

شرعت إيران في إجراء مناورات عسكرية على حدودها الشمالية مع دولة أذربيجان، أكتوبر 2021، تلويحًا منها باستخدام السلاح إذا ما استدعى الأمر التدخل لمنع وجود إسرائيل على حدودها الشمالية، أو منع مخطط تركيا لحذف إيران من حركة ترانزيت التجارة من أوروبا عبر تركيا وصولًا إلى آسيا الوسطى وجنوب وشرق آسيا.

وأجرت العسكرية مناوراتها الثانية على الحدود مع دولة أذربيجان، نوفمبر 2022، تحت اسم “إيران القوية“، لتبعث برسالة تهديد إلى باكو. وتزامنت معها تصريحات “الخارجية” الإيرانية “تعارض أي إجراء لتغيير الحدود الدولية أو التغييرات الجيوسياسية في المنطقة”، وتؤكد تسوية الخلافات بين أذربيجان وأرمينيا سلميًّا”.

تصاعد التوتر

كان الدعم العسكري، الذي تقدمه إيران لروسيا في حربها ضد أوكرانيا بمثابة ورقة لكسب الموقف الروسي في المسألة القوقازية، فتشعر إيران بالقلق من التحركات الغربية داخل منطقة القوقاز، عبر الدعم الذي تقدمه تركيا لدولة أذربيجان في حربها ضد أرمينيا.

وذكرت تقارير أن إيران تعتزم تزويد أرمينيا بمسيرات عسكرية، الأمر الذي قد يمثل توازنًا مقابل المسيرات التركية، التي ساعدت أذربيجان على استعادة مساحات واسعة من الأراضي في حرب خاطفة مع يريفان عام 2020. مشيرة إلى أن القرار الإيراني جاء بعد مفاوضات مع روسيا، الحليف التاريخي لأرمينيا.

51497335 39506019

وارتفع مستوى التوتر في 14 نوفمبر الماضي، بإعلان أذربيجان توقيف 5 من مواطنيها بتهمة التجسس لصالح إيران، واتهمتهم باكو بجمع معلومات حول الجيش الأذري، بما في ذلك مشترياته من طائرات مسيّرة إسرائيلية وتركية، إضافة إلى البنية التحتية للطاقة، وذلك بعد تصريحات معادية لإيران في الإعلام الأذربيجاني.

وفي 24 أكتوبر الماضي، هددت طهران بالرد على استمرار أذربيجان في نهج تغيير الحدود الجيوسياسية مع إيران وأرمينيا، باستعادة إقليم نختشفشيان، الذي كان جزءًا من الأراضي الإيرانية التاريخية، قبل ضمه إلى روسيا القيصرية، وبعدها إلى أذربيجان.

1401070115382489126141484

الحفاظ على الدبلوماسية

رغم التلويح بالسلاح وتصعيد التوتر بين إيران وأذربيجان، فإن تصريحات ولقاءات دبلوماسية من جانب “الخارجية” الإيرانية دائمًا ما تتزامن مع هذا التوتر والتهديد بالحرب، فتحافظ إيران أيضًا على الدبلوماسية للحوار مع أذربيجان، خشية فتح جبهة عسكرية في الشمال، تزيد أزماتها الافتصادية، في ظل العقوبات الغربية.

وخلال اتصال هاتفي مع نظيره الأذربيجاني، جيحون بايراموف، 14 نوفمبر 2022، صرح وزير خارجية إيران، حسين عبداللهيان: “إن الدبلوماسية أفضل سبيل لحل سوء الفهم والاختلاف”، مشيرًا إلى أن إثارة الخلافات بين البلدين لا تساعد في حل المشكلة، بل توفر أيضًا الأرضية للاستغلال من الأعداء.

ربما يعجبك أيضا