«نظام دولي متعدد الأقطاب».. ماذا جاء في البيان الروسي الصيني؟

البيان المشترك بين روسيا والصين.. لماذا يقلق الغرب؟

محمد النحاس

تضع موسكو وبكين مباديء رئيسية للنظام الدولي.. ما أبرزها؟


وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين في زيارة استمرت يومين، هي الثانية من نوعها منذ أكتوبر 2023، ويعكس بيان مشترك صدر عن موسكو وبكين مقدار التعاون الذي عززه المناخ الإقليمي والظرف الدولي. 

وفي منشور مطوّل عبر موقع “إكس” استعرض رائد الأعمال، والكاتب الجيوسياسي، أرنو برتراند، البيان المشترك، والذي يرى أنه أكثر أهمية بكثير من إعلان “شراكة بلا حدود” عندما زار بوتين بكين قبل أيام معدودة من إرسال عشرات الآلاف من قواته إلى أوكرانيا. 

التعددية القطبية

يرى رائد الأعمال أن البيان “استثنائي للغاية” ويرجح أن يسهم في تشكيل العالم لعقود قادمة، موضحًا “لدينا الآن روسيا والصين تقولان صراحةً إنهما مع بعضهما البعض “لتحقيق عالم متعدد الأقطاب متساوٍ ومنظم وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية ووضع حد لسلوك الهيمنة الأمريكي”.

ويخلص رائد الأعمال والكاتب في الشأن الجيوسياسي إلى أنه “لم يعد هناك المزيد من التظاهر” وهذا التغيّر (في علنية العلاقة وبنية النظام الدولي) “يحدث بالفعل”.

ويشير البيان في تناوله قضية النظام الدولي، إلى أن “مكانة وقوة الناشئة في “الجنوب العالمي تتزايد باستمرار”، و”الاتجاه نحو التعددية القطبية يتسارع”. 

تعزيز الديمقراطية العلاقات الدولية

بدوره “يؤدي إلى تسريع إعادة توزيع إمكانات التنمية والموارد والفرص في اتجاه مناسب للأسواق الناشئة والدول النامية، وتعزيز الديمقراطية العلاقات الدولية والعدالة في النظام العالمي”.

 وتشير بكين وموسكو إلى أن “الدول التي تلتزم بالهيمنة وسياسات القوة تتعارض مع هذا الاتجاه، وتحاول استبدال وتخريب النظام الدولي القائم على القانون الدولي بما يسمى “النظام القائم على القواعد””. ومن الناحية الأمنية، يقول البيان إن “الجانبين يعتقدان أن مصير شعوب جميع الدول مترابط، ولا ينبغي لأي دولة أن تسعى إلى أمنها الخاص على حساب أمن الآخرين. ويعرب الجانبان عن قلقهما إزاء الوضع الدولي والإقليمي الحالي”.

وفي انتقاد واضح للقوى الغربية أشار البيان إلى أن “الدول التي تلتزم بسياسة الهيمنة والسلطة تتعارض مع هذا الاتجاه، وتحاول استبدال وتخريب النظام الدولي القائم على القانون الدولي بما يسمى” النظام القائم على القواعد”.

مصير مترابط

على الصعيد الأمني، جاء في البيان إن “الجانبين يعتقدان أن مصير شعوب جميع الدول مترابط، ولا ينبغي لأي دولة أن تسعى إلى أمنها على حساب أمن الآخرين، ويعرب الجانبان عن قلقهما إزاء التحديات الأمنية الدولية والإقليمية الراهنة”.

وفي ذات السياق، يقول البيان أنه “من الضروري استكشاف إمكانية إنشاء نظام أمني مستدام في الفضاء الأوروبي الآسيوي يقوم على مبدأ الأمن المتكافئ وغير القابل للتجزئة “.

مبادئ النظام العالمي الجديد

وتابع بأن الصين وروسيا “ستستغلان كافة إمكانات العلاقات الثنائية” من أجل تعزيز تحقيق عالم متعدد الأقطاب يكفل التساوي، وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، وحشد القوّة لتشييد عالم عادل متعدد الأقطاب”.

لكن ما هي مبادئ هذا النظام العالمي الأساسية؟

وبحسب أرنو برتراند، تقوم رؤية النظام العالمي، على مبدأين رئيسيين:

1- نظام بدون “استعمار جديد وهيمنة” من أي نوع حيث أنه “لجميع البلدان الحق في اختيار نماذجها الإنمائية وأنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل مستقل بناءً على ظروفها الوطنية وإرادتها الشعبية، ومعارضة التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، ومعارضة العقوبات أحادية الجانب دون أساس القانون الدولي أو إذن مجلس الأمن، ومعارضة رسم معالم أيديولوجية”.

واعتبر الجانبان أن “الاستعمار الجديد والهيمنة يتعارضان تمامًا مع اتجاه العصر”، وشددا على أهمية الحوار على قدم المساواة، وتطوير الشراكات، وتعزيز التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات “.

2 – نظام يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة حيث “سيواصل الجانبان الدفاع بحزم عن منجزات ما بعد الحرب العالمية الثانية والنظام العالمي لما بعد الحرب الذي أنشأه ميثاق الأمم المتحدة”.

إدانة للولايات المتحدة

بحسب برتراند تبدأ الإدانة بالفقرة التي تتحدث عن “الدول التي تتبنى سياسة الهيمنة والقوة تتعارض مع “الاتجاه نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب”.

كما يدين البيان أن هذه “البلدان” -أي الولايات المتحدة في الغالب-  “تحاول استبدال وتخريب النظام الدولي القائم على القانون الدولي بما يسمى النظام القائم على القواعد، وفق أرنو برتراند. 

وتقول بكين وموسكو أيضًا إن “الجانبين يعارضان الإجراءات الهيمنة للولايات المتحدة الرامية لتغيير ميزان القوى في منطقة شمال شرق آسيا من خلال توسيع وجودها العسكري وتشكيل تكتلات عسكرية”. 

عقلية الحرب الباردة

أردف البيان: “تستخدم الولايات المتحدة، عقلية الحرب الباردة ونموذج المواجهة وفق المعسكرات، وتضع أمن “المجموعة الصغيرة” فوق الاستقرار الدولي والأمن الإقليمي؛ ويخلص البيان إلى نتيجة مفادها أن هذا “يعرض أمن جميع دول المنطقة للخطر.. يجب على الولايات المتحدة وقف مثل تلك الإجراءات”.

علاوة على ذلك، يتحدث البيان عن “القلق الشديد بشأن محاولات الولايات المتحدة تقويض الاستقرار الاستراتيجي للحفاظ على تفوقها العسكري المطلق، بما في ذلك نشر أنظمة دفاع صاروخي في جميع أنحاء العالم وفي الفضاء، وتعزيز القدرة على تعطيل الأعمال العسكرية للخصم بالأسلحة غير النووية الدقيقة وضربات “استصئال الرأس”.

بالإضافة إلى توفير “الردع الممتد” لحلفاء محددين، وبناء البنية التحتية في أستراليا العضو في معاهدة المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في جنوب المحيط الهادئ والتي يمكن استخدامها لدعم القوات النووية الأمريكية والمملكة المتحدة، والانخراط في تعاون حول الغواصات النووية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، وتنفيذ خطط لنشر وتوفير صواريخ أرضية متوسطة المدى وقصيرة المدى للحلفاء في آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا.”

الإندوباسيفيك

كما يدين البيان “سياسة” الاحتواء المزدوج “غير البناءة والعدائية للولايات المتحدة تجاه الصين وروسيا”، كما يرفض البيان تصرفات الولايات المتحدة بإجراء “مناورات مشتركة” تستهدف الصين وروسيا، ويصف البيان السياسة الأمريكية بأنها “عدائية” و “غير بناءة” وترمي إلى احتواء “الصين وروسيا.”

في منطقة آسيا والمحيط الهادئ على وجه التحديد، كتبوا أن “كلا الجانبين يعارض إنشاء هياكل جماعية حصرية ومغلقة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخاصة التحالفات العسكرية التي تستهدف أي طرف ثالث. ويشير الجانبان إلى أن “استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ” الأمريكية ومحاولات الناتو لاتخاذ إجراءات مدمرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لها آثار سلبية على السلام والاستقرار في المنطقة. “

وفي منطقة آسيا والمحيط الهادئ، على وجه التحديد (الإندوباسيفيك) أبدا البيان أن كلا الجانبين يعارضان “إنشاء هياكل جماعية حصرية ومغلقة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ”، وخاصة التحالفات العسكرية التي تستهدف “أي طرف ثالث”.

ويشير الجانبان إلى أن “استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ” الأمريكية ومحاولات الناتو لاتخاذ إجراءات مُدمرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لها آثار سلبية على السلام والاستقرار في المنطقة.”

الأنشطة العسكرية

كما أنهما “يطالبان الولايات المتحدة بالامتناع عن الانخراط في أي أنشطة عسكرية بيولوجية تهدد أمن البلدان والمناطق الأخرى، ويعارض البلدان “استخدام [الفضاء] الخارجي في المواجهة المسلحة” وتنفيذ السياسات والأنشطة الأمنية التي تهدف إلى تحقيق ميزة عسكرية وتعريف الفضاء الخارجي بأنه “مجال قتالي.”

ويرفض البيان “الأنشطة التي تقوم بها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المجال العسكري، والتي تثير المواجهة مع جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، وتفاقم التوترات في شبه الجزيرة الكورية، مما قد يؤدي إلى صراع مسلح”.

وأخيرًا يدين البيان “الأنشطة التي تقوم بها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المجال العسكري، والتي تثير المواجهة مع جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، وتفاقم التوترات في شبه الجزيرة الكورية، مما قد يؤدي إلى صراع مسلح”.

 وتطلب إلى “الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي، بوصفهما الطرفين المسؤولين عن غزو أفغانستان واحتلالها لمدة 20 عاما، لا ينبغي أن يحاول نشر مرافق عسكرية في أفغانستان والمناطق المحيطة بها مرة أخرى، بل ينبغي أن يتحمل المسؤولية الرئيسية عن الصعوبات الاقتصادية والمعيشية الراهنة في أفغانستان، تحمل التكاليف الرئيسية لإعادة إعمار أفغانستان، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لإلغاء تجميد الأصول الوطنية لأفغانستان.”

مجالات أخرى للتعاون

أما في ما يتعلق بـ “التوسع الهائل في التعاون بين الصين وروسيا” يلفت أرنو إلى أن البيان يحتوى على قائمة هائلة من عشرات البنود التي تتحدث عن مجالات التعاون”. 

ما أبرز هذه المجالات؟، ويشير أرنو براترند إلى:

1 – التعاون العسكري: “سيعزز الجانبان الثقة والتعاون العسكريين المتبادلين، وتوسيع نطاق أنشطة التدريب المشتركة، وتسيير دوريات بحرية وجوية مشتركة بانتظام، وتعزيز التنسيق والتعاون داخل الأطر الثنائية ومتعددة الأطراف، وتحسين قدرة ومستوى الاستجابة المشتركة للمخاطر والتحديات”.

2 – زيادة التجارة والاستثمارات المتبادلة ومساعدة بعضهما البعض في التنمية الاقتصادية: “توسيع نطاق التجارة الثنائية باستمرار”، و التحسين المستمر لمستوى التعاون الاستثماري بين البلدين”، و “التطوير المشترك للصناعات المتقدمة، وتعزيز التعاون التقني والإنتاجي، بما في ذلك في صناعة الطيران المدني، وصناعة بناء السفن، وصناعة السيارات، وصناعة تصنيع المعدات، وصناعة الإلكترونيات، وصناعة المعادن، وصناعة تعدين خام الحديد، والصناعة الكيميائية، وصناعة الغابات”. 

3 – التعاون في مجال الطاقة: “توطيد التعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة بين الصين وروسيا وتحقيق تنمية رفيعة المستوى، وضمان الأمن الاقتصادي وأمن الطاقة للبلدين، والسعي لضمان استقرار واستدامة سوق الطاقة الدولية، والحفاظ على استقرار ومرونة سلسلة صناعة الطاقة العالمية وسلسلة التوريد. والطاقة النووية أيضا: “تعميق التعاون في ميدان الطاقة النووية المدنية استنادا إلى تجربة المشاريع الناجحة والجارية، بما في ذلك الاندماج النووي الحراري، والمفاعلات النيوترونية السريعة، ودورات الوقود النووي المغلقة”.

4 – تعزيز العملات والهياكل الأساسية المالية لبعضها البعض: “زيادة نسبة العملة المحلية في التجارة الثنائية والتمويل والأنشطة الاقتصادية الأخرى. تحسين البنية التحتية المالية للبلدين، وتيسير -قنوات التسوية بين الكيانين التجاريين للبلدين، تعزيز التعاون التنظيمي في الصناعات المصرفية والتأمينية في الصين وروسيا، تعزيز التنمية السليمة للمصارف ومؤسسات التأمين المنشأة في بلدان بعضها البعض، تشجيع الاستثمار ذي الاتجاهين، وإصدار السندات في الأسواق المالية لبلدان بعضها البعض وفقا لمبادئ السوق “.

5 – التعليم والتعاون العلمي: “تشجيع توسيع وتحسين نوعية برامج الدراسة المتبادلة في الخارج، تقدم تدريس اللغة الصينية في روسيا وتعليم اللغة الروسية في الصين، تشجيع المؤسسات التعليمية على توسيع نطاق التبادل والتعاون في إدارة المدارس، إجراء تدريب مشترك رفيع المستوى على المواهب والبحث العلمي، ودعم التعاون في ميادين البحوث الأساسية بين الجامعات، دعم أنشطة تحالفات الجامعات والمدارس الثانوية المماثلة، وتعميق التعاون في مجال التعليم المهني والرقمي”.

6 – التعاون داخل المؤسسات العالمية: “تعميق التعاون الثنائي في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، و دعم دور منظمة الصحة العالمية، وتعزيز التعاون داخل إطار منظمة التجارة العالمية»، والتعاون في إطار منظمة شنغهاي للتعاون”، و “دعم روح مجموعة البريكس، وتعزيز صوت آلية جدول أعمال البريكس في الشؤون الدولية”.

 7  – التعاون في وسائط الإعلام وتشكيل الآراء العامة “تعزيز التبادل الإعلامي بين البلدين، وتشجيع الزيارات المتبادلة على مختلف المستويات، ودعم الحوارات العملية والمهنية، والقيام بنشاط بالتعاون مع المحتوى عالي الجودة، والاستكشاف العميق لإمكانات التعاون لوسائط الإعلام الجديدة والتكنولوجيات الجديدة في مجال وسائط الإعلام الجماهيري، والإبلاغ الموضوعي والشامل عن الأحداث العالمية الكبرى، ونشر المعلومات الحقيقية في مجال الرأي العام الدولي”.

ربما يعجبك أيضا