أردوغان في «شمال قبرص».. سياسة الهروب إلى الأمام

كتب – حسام عيد

في وقت بدأت فيه ملامح استئناف المحادثات الأممية لإعادة توحيد شطري جزيرة قبرص تتبلور، سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتخطيط لمؤامرة جديدة من شأنها تكريس الاحتلال التركي لقبرص الشمالية إلى الأبد، حيث قام بزيارة منتجع “فاروشا” الساحلي المتنازع عليه في الجزيرة، في ذكرى تأسيس جمهورية شمال قبرص التركية التي لا تعترف بها سوى أنقرة.

وكعادته، لن ينفك أردوغان عن ممارسة سياسة الهروب إلى الأمام من الأزمات الداخلية العاصفة الناجمة عن سياساته سواء على الصعيد السياسي ومحاولاته المستميته لتكميم أفواه معارضيه، أو على الصعيد الاجتماعي وممارسته انتهاكات بحق المواطنين وقمع حرية التعبير، أو على الصعيد الاقتصادي وتفاقم الديون وانهيار الليرة والقفزات المتتالية بالتضخم وعجز الموازنة، وذلك بالبحث عن بؤرة لتمرير أجندة الفوضى والأزمات، بعد توقف القتال في ناغورني قره باغ وانغماس الفرقاء الليبيين في مفاوضات السلام وتآكل سيطرة قواته في الشمال السوري، ووجد في قبرص الشمالية متنفسًا جديدًا لمغامراته وسياساته الخارجية المتطرفة التي لا ينجم عنها سوى تكريس الأزمات، وهنا يتطلع لتكريس الانقسام وكذلك تغذية التوتر في شرق البحر المتوسط.

زيارة تكريس الانقسام

خلال زيارة مثيرة للجدل أجراها الرئيس التركي، يوم الأحد الموافق 15 نوفمبر 2020، إلى الشطر الشمالي من قبرص الذي تحتله أنقرة، أعلن رجب طيب أردوغان أن ” تركيا وجمهورية شمال قبرص لن تتحملا بعد الآن ألاعيب الدبلوماسية” في نزاع دولي حول الأحقية بالموارد البحرية في شرق البحر المتوسط.

وقال أردوغان -خلال وجوده في شمال قبرص التي لا تعترف بها كدولة، أي جهة رسمية في العالم سوى أنقرة- إنه “لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة دون أن تحصل تركيا وشمال قبرص على نصيب عادل من حقوق السيادة”، وذلك في ظل خلافات بين أنقرة وكل من اليونان وقبرص حول مناطق بحرية متنازع عليها، ويعتقد أنها تحتوي حقولاً ضخمة من الغاز.

واعتبر الرئيس التركي أن المحادثات حول الجزيرة المقسومة يجب أن يكون هدفها التوصل إلى تسوية على أساس “دولتين منفصلتين”، وذلك بعد أن كانت المحادثات في السابق تهدف إلى إعادة توحيد الجزيرة المتوسطية المقسومة بين جمهورية قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي، والشطر الشمالي الذي تحتله تركيا منذ غزو قبرص في عام 1974.

ودعا الرئيس التركي، إلى محادثات حول قبرص على قاعدة “دولتين منفصلتين” رافضًا إعادة توحيد الجزيرة المتوسطية في إطار دولة فدرالية، حيث قال في خطاب “هناك شعبان ودولتان منفصلتان في قبرص، ويجب إجراء محادثات على أساس دولتين منفصلتين”.

دعم “تتار” المؤيد للاحتلال التركي

وحسبما أوضح المحلل السياسي التركي، جودت كامل، في حديث مع شبكة “سكاي نيوز عربية”، أن هذه الزيارة تهدف إلى دعم الرئيس الجديد للإقليم، آرسين تتار، الذي يعتبر رجل أردوغان هناك وهو من قام بالعمل على إنجاحه في الانتخابات الماضية، للاحتفاظ بإقليم شمال قبرص كورقة ضغط في صراعه مع قبرص واليونان وصراع الغاز في شرق المتوسط.

والأحد 15 نوفمبر 2020 والذي يتوافق مع مناسبة الذكرى الـ37 على إعلان “جمهورية شمال قبرص التركية” من جانب واحد في 15 نوفمبر 1983، وصل أردوغان إلى مدينة فاروشا عاصمة إقليم شمال قبرص، برفقة زوجته أمينة أردوغان، وحليفه زعيم حزب الحركة القومية اليميني دولت باهتشلي.

وبقيت منطقة فاروشا التي كانت توصف بأنها “جوهرة المتوسط” مقفرة ومحاطة بالأسلاك الشائكة منذ غزو تركيا شمالي جزيرة قبرص عام 1974.

وعقب الغزو الذي جاء على خلفية انقلاب في الجزيرة كان يهدف إلى إلحاقها باليونان، أعلِن قيام جمهورية شمال قبرص التركية في 15 نوفمبر 1983 لكنها لم تحظ سوى باعتراف أنقرة.

ويوجد في الجنوب جمهورية قبرص المعترف بها دوليًا والعضو في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004، فيما تعتمد “جمهورية شمال قبرص” بشكل كبير سياسياً واقتصادياً على تركيا، التي تنشر أكثر من 30 ألف جندي فيها، وتخصص لها ميزانية سنوية تستلمها سلطات الإقليم، ولا يعترف بها أي دولة أخرى.

وفي أكتوبر الماضي جرت انتخابات رئاسية في شمال قبرص ودعم الرئيس التركي آرسين تتار، والذي فاز بالرئاسة ضد رئيسها السابق مصطفى أكينجي، الذي كان يعارض التدخل التركي.

وأعادت القوات التركية إعادة فتح فاروشا جزئيا في 8 أكتوبر الماضي، ما أثار انتقادات دولية.

استفزاز غير مسبوق

زيارة أردوغان استفزت الرئيس القبرصي، نيكوس أناستاسيادس، واستبقها بإصدار بيان صحفي وصف الزيارة بأنها تمثل “استفزازا غير مسبوق.

وأضاف أناستاسيادس في بيانه، مساء السبت 14 نوفمبر 2020، أن الزيارة تقوّض جهود الأمين العام للأمم المتحدة للدعوة إلى حوار خماسيّ غير رسمي بين القبارصة اليونانيين والأتراك وأثينا وأنقرة، ولندن.

وتابع أناستاسيادس في بيانه أن “تحركات كهذه لا تساهم في إنشاء مناخ ملائم وإيجابي لاستئناف محادثات الوصول إلى حل للمسألة القبرصية”.

بدورها دانت وزارة الخارجية اليونانية “استفزاز” أردوغان. وقالت في بيان شديد اللهجة إن “زيارة الرئيس التركي المقررة إلى فاروشا المحتلة برفقة فريق حكومي … استفزاز غير مسبوق” ينتهك قرارات الأمم المتحدة.

فيما قال مسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في بيان: إن زيارة أردوغان إلى مدينة فاروشا تعيق الجهود الأممية الرامية لحل الأزمة، داعيًا حل الأزمة بين قبرص وتركيا وفقًا لقرارات الأمم المتحدة.

تظاهر المئات ضد أردوغان

وقد شهد الإقليم مظاهرات للمرة الأولى، حيث تظاهر مئات الأشخاص الثلاثاء الماضي، في الشطر الشمالي من قبرص للتنديد بزيارة أردوغان، ورددوا هتافات مثل “لا نزهة على ألم الآخرين”، و”لا تدخل”، و”في قبرص، الكلمة للقبارصة”، ليؤكدوا رفضهم التام للتدخل التركي في الشؤون الداخلية للجزيرة المنقسمة.

ووقعت منظمات قبرصية تركية ويونانية عريضة مشتركة تدعو إلى وقف فتح فاروشا “أحاديا” وإلغاء زيارة أردوغان.

وجاء في العريضة أن “الطبيعة الاحتفالية لإعادة الفتح الذي جاء على حساب ذكريات سكانها السابقين ومعاناتهم، تؤلم ضميرنا”.

ونظمت حركة “الديمقراطية والإرادة” المعارضة، تظاهرة كان على رأسها الرئيس السابق لشمال قبرص مصطفى أكينجي، الذي ندد بالتدخل التركي وزيارة أردوغان.

2020 10 08T164342Z 2087231486 RC2GEJ9ZZU0U RTRMADP 3 CYPRUS TURKEY 1
Greek Cypriots protest at Deryneia checkpoint after Turkish Cypriot authorities opened up part of a fenced off area of Varosha, a suburb of the town of Famagusta in Turkish-controlled northern Cyprus, October 8, 2020. REUTERS/Yiannis Kourtoglou
000 8V66AF
Protesters gather around a picnic basket in the northern part of Nicosia, the capital of the self-proclaimed Turkish Republic of Northern Cyprus (TRNC), during a demonstration on November 13, 2020 against the “interference” of Ankara, days before Turkish President Recep Tayyip Erdogan is to visit. – Erdogan is planning a controversial “picnic” Sunday in a once-famed Cyprus resort that has been left to rot since its Greek Cypriot inhabitants fled advancing Turkish troops in 1974. (Photo by Birol BEBEK / AFP)

ربما يعجبك أيضا