أشهرها ريش وبعرة.. “مقاه مصرية” شاهدة على مجاذيب الثقافة والفن الجميل

عاطف عبداللطيف

عاطف عبد اللطيف – هدى إسماعيل

بالأمس القريب كانت “المقاهي” المصرية وخاصة بمنطقة وسط البلد في القاهرة، ملتقى الأدباء والمثقفين فهنا كان يجلس “نجيب محفوظ” وهناك كان “الفاجومي” وعلى تلك الطاولة محمود السعدني وإبراهيم أصلان ومكاوي سعيد وفي تلك الزاوية كانت أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ورشدي أباظة وبليغ حمدي والعديد من أهل الفن والثقافة والرأي يدهشوننا بالكلمات والأشعار، وأسماء أخرى لا تحصى. 

“الحرية”.. اسم على مسمى

هنا كان يجلس فناني الزمن الجميل، فقرب المقهى من شارع “عماد الدين”- أحد أشهر الشوارع التي قطنها عظماء الفن المصريين والشوام والمغاربة والأوربيين وكان به العديد من المسارح ودور السينما، ما فرض عليه أن يكون شاهدًا على أزهى عصور الفن، خاصة في فترة سينما الأبيض والأسود، كما يطلق عليها المصريون.

افتتح المقهى عام 1939، وكان اسمه نادي “الكورسال” وكان المقهى الوحيد في المنطقة، في البداية كان يجلس فيه الموظفون ولكن ما لبث أن جذب أهل الفن لرخض أسعار المشروبات، ويظل مفتوحًا حتى ساعة متأخرة من الليل.

هنا كان يجلس عمالقة الفن قبل أن يذيع صيتهم ويصبحوا مشاهير يشار إليهم بالبنان “رشدي أباظة، فريد شوقي، عادل إمام” وغيرهم الكثير وعلى الرغم من أنها ملتقى النجوم إلا أنها ظلت ملتقى “كومبارس” الفن، ولم يكن “بعرة” اسمًا عابرًا بل أطلقه الدنجوان “رشدي أباظة”، على صاحب المقهى “محمد زناتي”، لأنه كان صعيدي ضخم البنيان، وبعرور في اللغة العربية هو “صغير الجمل”، فأصبحت “بعرة”.

أم كلثوم.. بين الأطلال

ستجدها دون سؤال، تقبع في وسط البلد، صوتها يناديك، أنغام موسيقاها تتسرب إلى أذنيك فتداعب مشاعرك التي تقودك إلى شوارع جانبية بوسط القاهرة الخديوية، ودون أن تشعر، تتجه  قدميك إليها دون سؤالك لتجد أمام تمثال لها على باب المقهى ممكسة بمنديلها الوردي الشهير وبجوارها جدارية مسجل عليها تاريخها وأشهر أغانيها والمحطات الهامة في حياتها وأهم لقاءاتها الفنية التي شهدها المقهى التاريخي.

مقهى “أم كلثوم” أو  إن جاز التعبير، متحف كبير القيمة، يضم صور لـ”ثومة” فهو يضم كثير من الصور النادرة مع أقطاب الفن أمثال فريد الأطرش وصباح وفيروز وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب، بالإضافة إلى لقائها مع عدد من الزعماء “محمد نجيب وجمال عبد الناصر والسادات.

وعلى الجدار الآخر، نجد مجموعة متميزة لعدد من الصور أثناء وقوفها على خشبة المسرح تشدو بأروع أغانيها.

ريش.. شاهد على العصر

من أهم مقاهي المثقفين والأدباء في تاريخ المحروسة، إنه “مقهى ريش” الذي يقع بشارع طلعت حرب بوسط القاهرة، ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 1908، واشتهر قديمًا بتوافد كبار الكتاب والصحفيين والفنانين بصفة يومية عليه.

كانت القهوة منذ إنشائها، ملتقى الأدباء والمثقفين أمثال: “نجيب محفوظ ويوسف إدريس وأمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله وصلاح جاهين وثروت أباظة ونجيب سرور وكمال الملاح وشاعر النيل، حافظ إبراهيم وكامل الشناوي ومحمود السعدني وعبد الرحمن الخميسي وزكريا الحجاوي”.

ولم يكن ملتقى للمصريين فقط، بل أحتضن العالم كله بين جدرانه فكان ملتقى اللاجئين السوريين والعراقيين واليمنيين وأشهرهم من الشعراء: “العراقي عبد الوهاب البياتي والسوري حسين الحلاق والفلسطيني معين بسيسو والسوداني محمد الفيتوري والسياسي اليمني محمد أحمد نعمان، والأمير علي عبد الكريم”.

البستان.. العمق الاستراتيجي 

في شارع جانبي من ميدان طلعت حرب تجد لافتة كتب عليها “زهرة البستان ملتقى الأدباء والفنانين”.

بدأ التوافد على المقهى في ستينيات القرن الماضي، وأطلق عليه الراحل “أمل دنقل” لقب “العمق الاستراتيجى لريش”، ظل “زهرة البستان” مفتوحًا على مصراعيه أمام رواد الشعر والأدب والقصة وغيرها من دروب الفن والثقافة والسياسة، أبدع عليه علاء الأسواني “شيكاغو” و”عمارة يعقوبيان”، وغيرهما.. فضلًا عن الشعراء أمل دنقل وعبد المعطي حجازي.

وكان من أشهر الرواد الدائمين لمنتداه الثقافي كل ثلاثاء “محمد عفيفى مطر، جمال الغيطاني، يحيى الطاهر عبد الله، مكاوي سعيد، إبراهيم فهمي”، وهو في الوقت الحالي من أشهر المقاهي الثقافية الشعبية في القاهرة.

سوق الحميدية.. سوريا في شارع الفلكي

يطل علينا بميدان الفلكي في باب اللوق، مقهى “الحرية“، ومجرد أن تطأه قدماك تجد نفسك مسافرًا عبر الزمان، فالجدران والألوان والمقاعد تختلف بشكل كبير عن ما هو موجود في مقاهي هذا الزمن التي غلبت عليها الحداثة، فقد استطاعت بعض المقاهي رغم مرور الزمان أن تحافظ على ملامح وعبق القاهرة الخديوية بداخلها، هناك جزء مخصص لطالبي المشروبات الكحولية والبيرة وفى الطرف الآخر يمكنك أن تجلس لتتناول المشرربات الساخنة دون أن يزعجك أحد.

 أنشئ مقهى “الحرية” في عام 1936، مكان منزل الزعيم “أحمد عرابي”، فيه تجد أبناء الطبقات العليا والمشاهير، وكان الضباط الأحرار من أشهر رواده على رأسهم الرئيس الراحل “أنور السادات”، والفنانين أحمد رمزي ورشدي أباظة وشكري سرحان، وأيضا الضباط الإنجليز.

“بعرة”.. مقهى الكومبارس

مقهى “سوق الحميدية“، جاء اسمه بعد إعلان وحدة مصر وسوريا واختار صاحبه السوري أن يطلق عليه اسم أحد أشهر أسواق سوريا.

ومن أشهر رواد هذا المقهى الشاعر الراحل “أمل دنقل وعبد الوهاب مطاوع والناقد الراحل فاروق عبد القادر” الذي كانت ندواته تقام فيه حتى رحيله عام 2010 كل يوم أحد أسبوعيًا.

ربما يعجبك أيضا