ألمانيا.. اليمين المتطرف يطل برأسه من جديد مع “جائحة كورونا”

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

تشهد ألمانيا هذه الأيام تحديا صعبا في مواجهة اليمين المتطرف، وتعزيز التعايش السلمي.. ألمانيا سبق أن فتحت أبوابها لأكثر من نصف مليون لاجئ سوري، ليصل عدد اللاجئين وطالبي اللجوء قرابة المليونين في نهاية عام 2018، ولتكون ألمانيا الوجهة الأولى في أوروبا للاجئين.

إن استقبال ألمانيا لموجات المهاجرين واللاجئين، “أنعش” اليمين المتطرف، واستغلها ورقة ضد الحكومة الألمانية، محملا الأجانب ربما مشاكل اقتصادية واجتماعية، ضمن دعاية متطرفة ممنهجة.

اليمين المتطرف في ألمانيا يعمل بشكل منظم على شكل مجموعات وخلايا تنظيمية، وأحيانا “ذئاب منفردة” تستهدف الحكومة وشخصيات ألمانية والأجانب.

خلايا لتنفيذ عمليات إرهابية

سعى أعضاء مجموعة يمينية متطرفة في ألمانيا خلال شهر فبراير 2020 إلى تنفيذ هجمات واسعة النطاق ضد مساجد في أوقات إقامة الصلاة، ورغم أن الشرطة الألمانية استطاعت توقيف أعضاء المجموعة قبل تنفيذ مخططاتهم، إلا أن هذه المخططات تفتح باب التساؤلات مجددا حول حجم الخطر الذي يشكله اليمين المتطرف على المسلمين بشكل خاص.

وقد أدانت الحكومة الألمانية تلك المخططات الإرهابية، وأكد متحدث باسم وزارة الداخلية أن ما تم الكشف عنه مرعب، “من المخيف” رؤية مجموعة تتجه بوضوح نحو التطرف بهذه السرعة.

وأضاف، أنه من المهم أن تتم حماية أماكن العبادة، وأن وجود يمينيين متطرفين داخل في المؤسسات الألمانية الأمنية أو السياسية أو التربوية أو الاجتماعية، يعني دق ناقوس خطر، رغم أنه جاء متأخرا.

ويعتبر اعتداءا مدينة “هاناو” يوم 19 فبراير 2020 اللذين خلفّا أحد عشر قتيلا جزءا من سلسلة هجمات كراهية استهدفت مسلمين، كما جرى عند إلقاء القبض على مجموعة كانت تخطط لهجمات ضد مساجد ومسؤولين سياسيين وطالبي لجوء، واستهدفت كذلك اليهود كما وقع في الهجوم على كنيس يهودي في مدينة “هالة”، بل وكان من ضحاياها كذلك مسؤول ألماني هو فالتر لوبكه، عضو الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي اغتاله عضو في “حركة النازيين الجدد”.

أحكام قضائية مشددة ضد اليمين المتطرف

أصدرت المحكمة العليا بمدينة دريسدن عاصمة ولاية ساكسونيا الألمانية يوم 24 مارس 2020 أحكاما بالسجن لمدد تراوحت بين عامين وثلاثة أشهر إلى خمسة أعوام ونصف العام في محاكمة الخلية المعروفة باسم “ثورة كيمنيتس”، وهي خلية تنتمي إلى حركة النازيين الجدد، بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية.

التقارير كشفت أن الخلية، تأسست سبتمبر 2018 أثناء المظاهرات المعادية للأجانب وأعمال الشغب التي وقعت في مدينة كيمنيتس شرقي ألمانيا، والتي جاءت على خلفية مقتل مواطن ألماني، 35 سنة، بطريقة وحشية أثناء شجار مع لاجئين على هامش احتفالات المدينة في نهاية أغسطس 2018 .

خلية “إن إس يو NSU”

أكدت المحكمة الإقليمية العليا في مدينة ميونيخ أمس 25 أبريل 2020، إدانة عضوة من اليمين المتطرف بالسجن مدى الحياة لضلوعها في ارتكاب جرائم إرهابية بين عامي 2000 و2007 راح ضحيتها عدة أشخاص.

بعد نحو عامين من الحكم بالسجن مدى الحياة بحق الإرهابية اليمينية المتطرفة “بياته تسشيبه” لتورطها في سلسلة من الهجمات، أكدت محكمة ألمانية إدانتها بقتل 10 أشخاص، وأدينت تسشيبه بالتورط في عمليات قتل وهجومين بالقنابل عندما كانت عضوة في خلية “إن إس يو” اليمينية المتطرفة، وذلك خلال محاكمة امتدت لأكثر من خمس سنوات، وانتهت بإدانتها في يوليو عام 2018.

يرى “جان راتجي” من مؤسسة أماديو أنتونيو المناهضة للعنصرية، أنه من الواضح أن تحرك اليمين المتطرف في ألمانيا يقوم على فكرة ما يسمى “التبادل السكاني” وهذه الفكرة يبدو أنها تلعب أيضا دورا في تحركاته، ويشرح قائلا:  فكرة أن السكان الأصليين في البلدان الغربية قد تم تهجيرهم أو حتى تم الدفع بهم للهجرة بسبب المهاجرين.

ويبدو أن هذا دافع متكرر، إنه في الوقت الحالي الدافع الأيديولوجي الرئيسي لليمين المتطرف.

ما زال اليمين المتطرف يستغل الأزمات التي تعيشها ألمانيا ومنها جائحة فيروس كورونا في الوقت الحاضر إلى جانب بقية الجماعات الإسلاموية المتطرفة، ليطل اليمين المتطرف من جديد على المشهد الامني في ألمانيا.

أجهزة الأمن أدركت خلال عام 2020، مخاطر اليمين المتطرف، بعد تراجع مؤشر إرهاب الجماعات الإسلاموية في ألمانيا، لتحذر بين فترة وأخرى من حجم هذا الخطر، الذي لم يعد يهدد الأجانب، بقدر ما يهدد الدستور الألماني والنظام السياسي.

وفي خطوة متأخرة جدا، وضعت الاستخبارات الداخلية الألمانية يوم 12 مارس 2020  مجموعة “الجناح” التي أسسها ساسة يمنيون قوميون من حزب البديل من أجل ألمانيا، تحت المراقبة بعد توفر الشواهد لدى الاستخبارات من تطلعاتها اليمينة المتطرفة.

الحكومة الألمانية، من جانبها أيضا حذرت من وقوع هجمات محتملة ضد اللاجئين أو مراكز إسلامية، وهذا ما دفع الحكومة الألمانية بالتعاون مع المجالس الإسلامية، بفرض حماية على بعض دور العبادة والمساجد خلال المناسبات بعد حصولها الشرطة الألمانية على إشعار مسبق.

بات مرجحا، أن اليمين المتطرف، يصعد من أنشطته خلال جائحة “فيروس كورونا”، للترويج إلى تنفيذ أعمال ضد الأجانب وصنع الكراهية، رغم ما بذلته الحكومة الألمانية من جهود بالتنسيق مع محركات الإنترنت لحذف خطاب التطرف.

تركز خطاب اليمين المتطرف، خلال الجائحة على ضرورة غلق الحدود، وتحميل الأجانب مشكلة انتشار الفيروس.

تكمن مخاطر اليمين المتطرف في ألمانيا، أنه يعمل بشكل منظم، في الوقت التي ينفذ فيه أفراد أو خلايا عمليات إرهابية انتحارية، هناك خلايا سرية، لا تظهر على السطح، وهذا ما يجعل اليمين المتطرف أكثر خطورة على أمن ألمانيا.

بات متوقعا، أن تشهد ألمانيا تحديا كبيرا، في مواجهة اليمين المتطرف في المرحلة الحالية، ما لم تقوم بتعزيز ما أنجزته من إجراءات وسياسية في مجال التعايش السلمي ومحاربة التطرف.

ربما يعجبك أيضا