إيران أمام موجة من الغلاء والاضطرابات بعد تطبيق العقوبات الأمريكية

يوسف بنده

رؤية

يعاني الاقتصاد الإيراني جراء حزمة العقوبات الاقتصادية على القطاع النفطي والمالي التي فرضتها الولايات المتحدة على طهران وأدت إلى هبوط سعر صرف الريال الإيراني أمام العملات الأجنبية.

وفي هذا الاطار، وافق الرئيس الإيراني حسن روحاني على استقالة مستشاره ومساعده في الأمور الاقتصادية مسعود نيلي.

ويعد نيلي أحد المدافعين عن رفع سعر العملة الصعبة لمصلحة الصادرات والإنتاج لكنه اضطر للاستقالة أخيرا بسبب ارتفاع سعر العملة الصعبة عدة أضعاف خلال الأشهر الأخيرة وتصاعد الانتقادات لفريق الحكومة بهذا الصدد.

وحل وزير الاقتصاد والمالية السابق علي طيب نيا محل مسعود نيلي، في مجلس النقد والائتمان، بحسب وكالة “فارس” الإيرانية شبه الرسمية.

وأدت الأزمة الاقتصادية الأخيرة إلى عزل عدد من الوزراء والمسؤولين، كان آخرهم وزير المالية مسعود كرباسيان، ووزير الصناعة محمد شريعتمداري، ووزير النقل والعمران عباس آخوندي، ووزير العمل والرفاه الاجتماعي علي ربيعي، ومحافظ البنك المركزي.

وكان إسحاق جهانجيري، نائب الرئيس إلايراني، قد قال يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني، في إشارة منه إلى الوضع الاقتصادي الإيراني: “إن الدين الخارجي للدولة منخفض جدًا، في الوقت الحالي، إضافة إلى ذلك فإن الأصول  الحكومية كثيرة جدًا، كما أن الجمهورية الإسلامية دولة غنية”، بحسب تعبيره.

وفي حديثه، خلال مراسم تولي وزير الاقتصاد والمالية الجديد لمنصبه، أشار جهانجيري إلى التوقيت المعلن لتطبيق العقوبات الأميركية، وقال: “إن أحد أهداف حكومة ترامب بعد انسحابها من الاتفاق النووي، كان هدفًا نفسيًا، وربما استطعنا القول إنهم نجحوا في هذا الموضوع إلى حد ما”.

البحث عن حل للعقوبات

وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد أعلن في مايو/أيار، أنه سينسحب من الاتفاق النووي، بهدف إعادة التفاوض مع إيران، وإبرام صفقة أفضل معها.

وبعد الإعلان عن هذا القرار، أعلن عن بدء العقوبات ضد إيران، على جولتين، بدأت الجولة الأولى في شهر أغسطس/آب الماضي، فيما بدأت الجولة الثانية، والتي ستشمل صادرات النفط والغاز الإيراني، يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. وقد هددت الولايات المتحدة كثيرًا من الشركات والدول بالتعرض لغرامات في حالة انتهاكها للعقوبات.

ويدرس الاتحاد الأوروبي، في لوكسمبورج، تنفيذ الآلية المالية الخاصة للالتفاف على العقوبات الأميركية ضد إيران.

وبعد رفض النمسا استضافة اجتماع الاتحاد الأوروبي للبحث في موضوع هذه الآلية المالية، تم اختيار لوكسمبورج للبحث في إيجاد قناة مالية بين الاتحاد الأوروبي وإيران. حسب ما جاء في وكالة “رويترز”.

وكانت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد اعتبرت أن النمسا هي أفضل مرشح لاستضافة الآلية المالية الخاصة المصممة للتواصل الاقتصادي مع إيران، وذلك في إطار جهودها للحفاظ على العلاقات المالية مع إيران، والحفاظ على الاتفاق النووي.

لكن النمسا أعلنت الثلاثاء، أنها ليست مستعدة لاستضافة هذا الاجتماع، بينما فسر بعض المحللين هذا الموقف بأن النمسار أخذت بعين الاعتبار موقف الولايات المتحدة من مثل هذا الاجتماع.

يشار إلى أنه بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، كانت الحكومات الأوروبية تبحث عن طرق للوفاء بالتزاماتها بمواصلة التجارة مع إيران. لكنهم لم يتمكنوا بعد من إنشاء هذه الآلية المالية الجديدة حتى الآن.

وقالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، فيديريكا موجيريني، إن الاتحاد الأوروبي سيحافظ على الاتفاق النووي مع إيران، لأسباب أمنية.

وأکدت موجيريني: “إذا حافظنا على هذا الاتفاق، فسنكون بموجبه قادرين على تحقيق تقدم أفضل مع إيران، بشأن قضايا مثل اليمن، وقضية الصواريخ، وأفغانستان، وآسيا الوسطى”.

ارتفاع مستوى التضخم

وفي أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي، توقع خبراء الصندوق أن التضخم في إيران سيتجاوز 30 % بسبب العقوبات الأميركية.

كما توقع صندوق النقد الدولي، في تقريره المعنون بـ”الآفاق الاقتصادیة في المنطقة” انخفاضًا بنسبة 1.5 في المائة، في الناتج المحلي الإجمالي الإيراني، عام 2018، وسينخفض حتى سالب 3.6 في المائة، عام 2019.

واتصالا بذلك، وفي حديثه مع قناة “بلومبرج” التلفزيونية، قال مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، إن الصندوق يتوقع أن يكون النمو الاقتصادي الإيراني سلبيًا في عامي 2018، و2019، في ظل العقوبات ضد إيران.

 وقال مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، ردًا على سؤال حول إن كان الركود في الاقتصاد الإيراني سينتشر إلى سائر بلدان الشرق الأوسط أم لا؟

قال: “كما تعلمون، فإن الاقتصاد الإيراني لیس مندمجًا، وليس متشابكًا کثیرًا مع بلدان الشرق الأوسط. كما تدفقات السلع والتدفقات المالية بين إيران والشرق الأوسط محدودة للغاية. وبالتالي، فإننا لا نتوقع أي تأثير مباشر لا من الناحية التجارية، ولا من الناحية المالية”.

خروج الشركات

وتتسارع وتيرة خروج شركات المقاولات بالقطاع الخاص في إيران من مشروعات العمرات الحكومية، في ظل ارتفاع أسعار مواد البناء والخدمات اللوجيستية تبعا للمتغيرات الحادة في الاقتصاد المحلي لطهران مؤخرا.

وقد حذر خدايار خاشع سكرتير نقابة شركات الاستثمار بالطرق في طهران، من توقف تلك المشروعات التي تشمل شق طرق سريعة بين أقاليم ومدن إيرانية مختلفة، لافتا إلى أن شركات مقاولات خاصة تنسحب منها في الظروف الراهنة، وكذلك تحجم عن المشاركة في صفقات أخرى، خصوصا بعد أن بلغت نسبة الديون المستحقة لها لدى الحكومة نحو 18 ألف مليار تومان، وفقا لقوله.

وزادت تكلفة تجهيزات ومواد بناء، أبرزها حديد التسليح والقار وكذلك الأسمنت، بمقدار 3 أضعاف، الأمر الذي فاقم مشكلات شركات المقاولات بالقطاع الخاص في ظل عدم تعويض الحكومة الإيرانية لها بالقدر الكافي عن فروق الأسعار في التكاليف، نظرا لصعود وهبوط معدلات سوق النقد الأجنبي وتأثيرها سلبيا على باقي القطاعات الاقتصادية، يقول خاشع.

عودة الاضطرابات

ومن شأن مثل هذه التوقعات السلبية الخاصة بالاقتصاد الإيراني، أن تؤدي إلى تسريح عدد كبير من العمال، وبالتالي تفشي البطالة واتساع رقعة الفقر، وقد تنتهي الأمور إلى إشعال فتيل إضرابات واسعة في الداخل الإيراني.

وكانت مناطق عدة من إيران شهدت بالفعل احتجاجات على تدني مستوى المعيشة، وقوبل معظمها بالقمع من جانب قوات الأمن الإيرانية.

وعلى سبيل المثال، فقد شهد يوم الأربعاء 14 نوفمبر 2018 نظم عمال معمل “جهان” لإنتاج الزيت النباتي تجمعًا احتجاجيًا لليوم الثالث على التوالي أمام مبنى المحافظة بمدينة زنجان الواقعة شمال غرب إيران.

كذلك، استمر ضراب المعلمين بناء على دعوة اللجنة التنسيقية لنقابات المعلمين في إيران؛ وذلك كما أعلن البيان عن ضرورة رفع التمييز ضد المعلمين، العاملين منهم والمتقاعدين، وحل قضايا التعليم المجاني، والتوقف عن تلفيق القضايا للمعلمين وقمعهم، والإفراج عن السجناء منهم، ووقف مشروع الدوام الكامل للمعلمين.

كما تجمع عمال مجمع “هفت تبه” لقصب السكر، مرة أخرى، أمام مبنى محافظة مدينة سوس. وأوقف العمال العمل، وتجمعوا مرة أخرى، أمام مقر محافظة سوس، في اليوم الحادي عشر من الاحتجاجات وذلك احتجاجًا على سياسة الخصخصة وتدني الأجور.

وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، قد تعهد بممارسة “أقصى درجات الضغط” على إيران، بعد أسبوع من دخول سلسلة جديدة من العقوبات القاسية بحق طهران حيز التنفيذ.

وواجهت ايران تباطؤا اقتصاديا واضحا هذه السنة، إثر انسحاب الولايات المتحدة في مايو من الاتفاق الدولي حول الملف النووي الإيراني، الموقع في 2015، وفرض عقوبات من جانب واحد على ايران.

وسارع عدد كبير من الإيرانيين إلى إحاطة مدخراتهم بشبكة أمان، من خلال شراء عملات أجنبية ومعادن ثمينة، مما أدى إلى تسريع تراجع قيمة الريال بنسبة نحو 70 بالمئة مقابل الدولار، ورفع سعر الذهب 4 مرات.

ربما يعجبك أيضا