إيران والعراق .. علاقات متداخلة

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف
 
شائكة هي العلاقات بين العراق وإيران، فالاقتصادي منها مرتبط بالسياسي والعسكري بالاجتماعي. عقوبات ترامب لطهران جاءت لتعقد المشهد أكثر في وقت تعسرت فيه ولادة حكومة منتظرة في بغداد التي تحاول طلب إعفاءات من واشنطن.
 
ولا يخفى على أحد ارتباط اقتصاد العراق ارتباطاً وثيقاً للغاية بإيران، ولذلك فإن رئيس الوزراء العبادي، أعلن نهاية الشهر الماضي، عزم حكومته على إرسال وفد إلى الولايات المتحدة “للتفاهم حول التعاملات المالية مع إيران”، بعدما انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي وأعادت فرض عقوبات على طهران. 
 
وبرر العبادي ذلك، بأننا ” قدمنا رؤية واضحة للأشياء التي يحتاجها العراق فعلا، منها الغاز الإيراني، فهو مهم لنا، وهناك تعاملات تجارية مستمرة من السابق ويجب أن تستمر، والأمور الأخرى أيضا سنعالجها ومنها ما يتعلق بالكهرباء”.
 
وصرح مسؤولون في البنك المركزي العراقي بأنهم سيطلبون من واشنطن الإعفاء من بعض العقوبات، لأن اقتصاد العراق يرتبط بجارته إيران، لكنهم لم يذكروا موعد سفر الوفد، ولم يحدد العبادي الموعد أيضا.
 
ويستورد العراق سلعا كثيرة من إيران، تشمل الأغذية والمنتجات الزراعية والأجهزة المنزلية ومكيفات الهواء وقطع غيار السيارات.
 
وبلغت قيمة البضائع التي استوردها العراق من إيران نحو ستة مليارات دولار خلال الفترة من مارس/آذار 2017 ومارس/آذار 2018، بما يمثل نحو 15% من إجمالي واردات العراق في 2017.
 
وتسود مخاوف في العراق من حدوث نقص في سلع أساسية، إذا التزمت بغداد بجميع العقوبات؛ وهو الأمر الذي قد يسبب اضطرابا سياسيا واقتصاديا.
 
وتبدو بغداد في موقف صعب، إذ إن أكبر حليفين لها (الولايات المتحدة وإيران) خصمان لدودان، في وقت لا يزال المشهد السياسي يكتنفه الغموض بسبب عدم توصل القوى السياسية الفائزة في انتخابات مايو/أيار الماضي إلى تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان.
 
تنحية الدولار
 
ومع بداية الشهر الجاري، أعلن رئيس غرفة التجارة الإيرانية العراقية يحيى آل إسحاق، إيقاف التعامل بالدولار الأمريكي، بين البلدين فيما يتعلق بالمبادلات التجارية، التي تجري بين البلدين.
 
ذكرت وكالة “مهر” الإيرانية، السبت 1 سبتمبر/أيلول، إنه تم إلغاء عملة الدولار في المبادلات التجارية بين العراق وإيران، مضيفا: “سيتم الاستعاضة عن الدولار الأمريكي بعملات أخرى مثل اليورو، والريال الإيراني، والدينار العراقي”.
 
وتابع: “حجم انتقال الأموال بين بغداد وطهران عن طريق المصارف، قليل جدا، رغم وجود تعاملات بين البلدين قيمتها 8 مليارات دولار”.
 
ولفت يحيى آل إسحاق إن حل القضايا المصرفية بين البلدين يجب أن يكون من أولويات الاقتصاد الإيراني الرئيسية، وذلك لإزالة العقبات الخاصة بإنشاء مصرف إيران عراقي مشترك.
 
وذكر آل إسحاق إن العراق يعد ثاني أكبر شريك تجاري لإيران بعد الصين، مشيرا إلى أن صادرات إيران إلى العراق تختلف كثيرا عن الصادرات الإيرانية إلى الصين.
 
أزمة تشكيل الحكومة
 
وعلى الجانب السياسي، رغم استمرار الضغوط الإيرانية، إلا أن رئيس الوزراء حيدر العبادي تمكّن –ولو نسبياً- من إعادة نوع من التوازن إلى علاقات العراق مع كل من أمريكا وطهران، وقد كشف العبادي أن بلاده تسعى أن تنأى بنفسها عن الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، لكن التساؤلات ماتزال تطرح نفسها حول إمكانية ذلك بالفعل، وسط التأثير الذي مازال يمارسه الطرفان في كل انتخابات تشهدها البلاد منذ سقوط صدام.
 
فقد صرح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أمس الأحد، إنه لن يجازف ببلاده من أجل إرضاء إيران، في إشارة إلى تدخلات طهران في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
 
وقال العبادي إن “الأمانة التي نحملها تستدعي منا عدم المجازفة بمصير شعبنا لصالح إرضاء إيران أو أي دولة جارة أخرى”.
 
وأكد العبادي أن مستشار الأمن الوطني ورئيس الحشد الشعبي المقال، والمدعوم من إيران، فالح الفياض “لايمثل ائتلاف النصر وسنقاضيه إن تحدث باسم الائتلاف”.
 
وسبق للمكتب الإعلامي لائتلاف النصر أن نفى، الجمعة، علاقته بما راج من أخبار بشأن ترشيح الائتلاف للفياض لمنصب رئيس الوزراء.
 
وكان العبادي، الذي يرأس الائتلاف، قد أصدر، الخميس، قرارا بإعفاء الفياض من مهامه كمستشار للأمن الوطني ورئيس لهيئة الحشد الشعبي.
 
وتابع: “ائتلاف النصر سيحضر اليوم الاثنين إلى البرلمان، وأنا كذلك بصفتي رئيس مجلس وزراء وفائز في الانتخابات، لكنني لن أؤدي اليمين الدستوري لأن ذلك سيمنعني من أداء مهامي التنفيذية”.
 
وتواصل القوى السياسية العراقية مشاوراتها، لتشكيل الكتلة الأكبر، قبيل جلسة البرلمان الاثنين.
 
وفي محاولة منها للحيلولة دون فرض الخيار الإيراني، دخلت واشنطن على خط الأزمة، حيث أعرب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، عن دعم بلاده لمساعي العراق تشكيل حكومة معتدلة تشمل جميع الأطياف السياسية وتحقق طموحات الشعب العراقي.
 
يبدو أن الأميركيين قد تعلموا الدرس من السنوات الماضية، وحاولوا منع إيران قدر الإمكان، من العمل من خلال دولة ثالثة ، فالعراق كان أحد الثغرات التي من خلالها تداولت إيران النفط وتجاوزت القيود المالية.
 
وهو ما دفع رئيس الوزراء العراقي إلى زيارة تركيا ، وتأكيده على انفتاح العراق على الأسواق التركية، والتأطير لمرحلة جديدة ، تقوم على التعاون العراقي/التركي المشترك ، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً.
 
هذا، وكانت الحكومة الإيرانية قد تراجعت عن موقفها، الذي صدر الجمعة الماضية، بشأن قرار العبادي، إعفاء رئيس هيئة الحشد الشعبي ومستشار الأمن القومي، فالح الفياض، القريب من طهران.
 
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، في تصريحات مساء الجمعةالماضية، إنّ “قرار عزل العبادي لرئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض شأن داخلي يخص العراق، ونحن لا نتدخل به”، مؤكدًا أنّ “الأولوية لنا باعتبارنا دولة جارة للعراق أن يكون آمنًا ومتحدًا ومتطورًا”.

ربما يعجبك أيضا