إيران وسياسة الهروب للأمام .. الحديث عن الأزمة اليمنية

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

في 26 أبريل 2018، قال ترامب -في كلمة له قبل اجتماعه الثنائي المغلق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في البيت الأبيض- “إن إيران تقف وراء جميع المشاكل التي تحدث في الشرق الأوسط بما فيها اليمن وسوريا”.

ما يعني أن إدارة ترامب قد حسمت قرارها منذ مرحلة مبكرة، بأن تنتقل في علاقتها مع إيران إلى مرحلة جديدة من المواجهة، بغض النظر عن مصير الاتفاق النووي.

ويظهر الضغط المتصاعد على طهران، أن ترامب مصمم على تجريد إيران من الذي كان الرئيسان الأمريكيان جورج بوش الابن وباراك أوباما قد منحاه لها من سلطة نفوذ وتغلغل سياسي وأمني في العراق وسوريا ولبنان، في مقابل مساعدة إيران للولايات المتحدة في حربها بالعراق وأفغانستان.

محاولات إنقاذ أوروبية

ما زال أمام المجموعة الأوروبية فرصة لإنقاذ الاتفاق النووي حتى 12 مايو/ آيار الجاري، وإلا ستخرج الولايات المتحدة الأمريكية من هذا الاتفاق، وهو ما سيضع الحلفاء الأوروبيين في حرج بين إرضاء واشنطن والحفاظ على المكاسب التجارية مع إيران.

ولذلك، تحاول الدول الأوروبية طرح بدائل مرضية للإدارة الأمريكية، سيما أن إيران تصر على عدم إعادة النظر في الاتفاق أو حتى تكملته بملحق اتفاق جديد.

ولذلك تسعى كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا لأن تقدم للبيت الأبيض اتفاقا سياسيا منفصلا يحمل التزاما باتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إيران إذا تمكنوا من التوصل في الوقت المناسب إلى اتفاق مع وزارة الخارجية الأميركية، شريكهم الأميركي في المحادثات.

وتراهن إيران على الموقف الأوروبي القلق على مصالحه التجارية في التمسك بموقفها الرافض لأي تغيير في الاتفاق النووي المبرم في العام 2015.

وكذلك تضغط إيران على المجتمع الدولي، بأنها ستعيد رسم سياستها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حالة الخروج من الاتفاق النووي، بما يعني الاقتراب من نموذج إسرائيل حيث لا التزام دولي تجاه الأنشطة النووية، وهو ما يقلق المجتمع الدولي ودول جوار إيران.

اتفاق سياسي

فالدول الأوروبية لا تزال تريد تسليم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأسبوع المقبل، خطة لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، لكنها بدأت أيضا العمل على حماية العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإيران إذا نفذ ترامب تهديده وانسحب من الاتفاق.

ولا يشمل الاتفاق السياسي، الذي يتوج جهودا دبلوماسية عبر الأطلسي، أطراف الاتفاق الأخرى إيران أو روسيا والصين.

ويسعى لأن يوضح لترامب أن أوروبا ستحاول احتواء برنامج طهران للصواريخ الباليستية ونفوذها في سوريا واليمن والشروط التي يزور بموجبها المفتشون المواقع الإيرانية المشتبه بها والبنود التي تحدد أجلا لبعض شروط الاتفاق.

ولكن في حين أن الأوروبيين والأميركيين ضيقوا خلافاتهم لكنهم مازالوا يجدون صعوبة في الاتفاق على كيفية تلبية طلب واشنطن في تمديد بعض القيود على برنامج إيران النووي دون إعادة التفاوض على الاتفاق الموقع في يوليو 2015.

وفي حزمة عروضهم لترامب، يتعامل الأوروبيون مع رغبة أميركية في توضيح أنه يتعين على إيران إتاحة وصول المفتشين الدوليين للمواقع العسكرية. ويقول الأوروبيون: إن هذا وارد ضمنا بالفعل في الاتفاق الأصلي.

مكاسب مع إيران

وتقول فرنسا وبريطانيا وألمانيا، إنها ستظل ملتزمة بالاتفاق حتى إذا انسحبت الولايات المتحدة منه وستحاول حماية وتعزيز التجارة مع إيران والتي زاد حجمها منذ رفع الاتحاد الأوروبي معظم عقوباته الاقتصادية على طهران.

فقد قفزت صادرات إيران للاتحاد الأوروبي، وهي بالأساس الوقود ومنتجات الطاقة الأخرى، عام 2016 بنسبة 344 في المئة إلى 5.5 مليار يورو (6.58 مليار دولار) مقارنة مع العام السابق، في حين ارتفعت الاستثمارات في الجمهورية الإسلامية إلى أكثر من 20 مليار يورو.

ويمكن أن تمثل إمكانيات التجارة مع أوروبا أداة للأوروبيين لتهدئة الإيرانيين وإثنائهم عن اتخاذ قرارات متسرعة مثل ترك الاتفاق أو إحياء الأنشطة النووية التي وافقوا على التخلي عنها.

وقد تشمل الإجراءات المضادة قانونا وضعه الاتحاد الأوروبي في التسعينات لكنه لم ينفذ بشكل كامل، وذلك لحماية الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران من التحركات القضائية الأميركية إذا أعادت واشنطن فرض العقوبات.

لكن خطط الاتحاد الأوروبي لمواصلة تدفق الأموال إلى إيران تتطلب موافقة الولايات المتحدة على تسهيلات ائتمانية للصادرات غير مقومة بالدولار وغيرها من أشكال الدعم المالي لمساعدة الشركات على دخول إيران دون الخوف من التداعيات القانونية الأميركية.

وذكر مسؤولان أوروبيان، أن إحياء قوانين حماية الشركات لن يعدو أن يكون مجرد خطوة رمزية لتظهر للإيرانيين أن أوروبا ملتزمة بالاتفاق. وفي الواقع العملي، ستخشى الشركات من أن يضر الاستثمار في إيران بمصالحها التجارية مع الولايات المتحدة.

الهروب للإمام

ومسألة سوريا واليمن مرتبطة بالتصعيد الأمريكي تجاه إيران والملف النووي، وهي من الملفات التي تستخدمها المجموعة الأوروبية لإقناع إيران بالمشاركة في الحل، وإقناع ترامب بعدول السلوك الإيراني في المنطقة.

أما بالنسبة لإيران فهي تستغل مبادرات الحوار والحل؛ لتظهر أنها من يبادر بالحل ومناقشة الأزمات التي تعاني منها المنطقة. وتكون اجتماعات الحوار حول الأزمات هي محاولات للهروب إلى الأمام لإقناع المجتمع الدولي بأنها فاعلة في الحل وليس الأزمة.

فتأتي الاجتماعات بين إيران والمجموعة الأوروبية في إطار محاولات احتواء إيران في المنطقة ودفعها للمساهمة في حل الأزمات، وذلك لامتصاص الغضب الأمريكي تجاه التمدد الإيراني في المنطقة. وهو ما تبلور مع اجتماع الإيرانيين مع الأوروبيين الخميس الماضي في روما.

فقد عقد كبير مساعدي وزير الخارجية الايراني، حسين جابري أنصاري ، في روما، لقاءات ومحادثات مع “هيلجا شميدت”، نائبة فيدريكا موجريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، والمدراء العامين السياسيين والأمنيين في وزارات خارجية كل من إيطاليا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بخصوص الأزمة اليمنية.

وتبادل جابري أنصاري مع المسؤولين الأوروبيين الآراء ووجهات النظر بشأن مختلف جوانب الأزمة في اليمن، وخاصة تفاقم الوضع الإنساني والخطوات الأولى لبناء الثقة من أجل حل هذه الأزمة.

وقد عُقدت الجولة الأولى من هذه المحادثات بشأن اليمن، جرت في يناير/ كانون الثاني 2018 في ميونيخ بألمانيا، وحسب الاتفاق الذي تم التوصل إليه الخميس الماضي في روما، ستعقد الجولة الثالثة من هذه المحادثات بعد انتهاء شهر رمضان في النصف الثاني من شهر يونيو/ حزيران 2018 في بروكسل مقر الاتحاد الأوروبي.

وكان جابري أنصاري قد التقى، في وقت سابق الخميس الماضي، مع لوكا جون سانتي، المدير العام للشؤون السياسية والأمنية بالخارجية الإيطالية، وتبادل معه وجهات النظر والآراء بشأن الأزمات الإقليمية والتعاون بين إيران وإيطاليا من أجل حل هذه الأزمات.

وعقب المباحثات مع إيران حول القضايا الاقليمية، أعلن الاتحاد الأوروبي أن المشاورات السياسية والتي تركزت على الأوضاع السياسية والإنسانية في اليمن كانت بناءة.

مثل هذه الاجتماعات، تثبت أن إيران عنصر فاعل في أزمات المنطقة. وكذلك المماطلة في الحل، تدل على أن الإيرانيين يحاولون استغلال مثل هذه الاجتماعات لإثبات نفوذهم ودورهم في قضايا المنطقة.

ربما يعجبك أيضا