الاتفاق النووي الإيراني في مواجهة قانون “كاتسا”

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

لطالما أهان المحافظون حكومة الرئيس روحاني واتهموها بالخيانة وعلى رأس المتهمين وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، والآن هم قلقون من إلغاء الاتفاق النووي من قبل الولايات المتحدة.

فالآن تهدد واشنطن باستهداف الاتفاق النووي، حيث بدأت بالضغط على الوكالة الدولية للخروج بتقارير تؤكد عدم التزام طهران، حتى وصلت إلى قانون “كاتسا” الذي يهدد بنسف الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الغربية نتيجة محادثات 5 1.

وفيما تسعى إيران إلى إيجاد حلّ للاتفاق النووي المبرم مع الدول الست الكبرى، أثار قانون كاتسا الأمريكي عاصفة من ردود الفعل، وكان ترامب قد هاجم النائب والسيناتور “بوب كوركر” بتغريدات على حسابه في تويتر، واتهمه بأنه لعب دوراً أساسياً في إبرام الاتفاق النووي المثير للجدل مع طهران، في فترة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

وكتب الرئيس الأمريكي على تويتر: كان يريد كوركر أن يصبح وزيرا للخارجية الأمريكية، أنا قلت: لا شكرا، لأن السيناتور لعب دورا بارزا في إبرام الصفقة الرهيبة مع إيران.

قلق يجتاح إيران وعواصم غربية ومحافل دولية، إذ إن ترامب سيعلن عن قراره الجديد بشأن الاتفاق النووي مع إيران الخميس المقبل.

والواضح أن ترامب يدافع إلى تلاحم أكبر بين المحافظين والإصلاحيين في إيران، وفي حالة فساد الإتفاق النووي، فسيظهر المحافظون بصورة المنتصر في إيران، كذلك هناك قلق غربي من إلغاء الاتفاق، سيما أن الدولة الغربية تراهن على الاستثمارات في إيران بعد قرار رفعات العقوبات.

قانون كاتسا

يهدف مشروع قانون العقوبات الأمريكية الجديد ضد إيران، الذي يعرف بعنوان قانون “كاتسا”، بالدرجة الأولى القدرات الدفاعية الإيرانية، حيث ينص على فرض إجراءات حظر ضد كافة الجهات المعنية ببرنامج إيران الصاروخي والحرس الثوري الإيراني.

فقد أقر مجلس النواب الأمريكي يوم الأربعاء 26 من شهر يوليو/ تموز للعام الجاري  مشروع قانون يفرض عقوبات جديدة على كل من روسيا وإيران وكوريا الشمالية، إذ حصل على تأييد ساحق، لم يعترض عليه إلا ثلاثة نواب في حين صوت لصالحه 419 نائبًا مقابل 3 أصوات معارضة فقط.

وبعد إقراره في مجلس النواب سیعود مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ الذي سبق له وأن أقر مشروع القانون في مطلع حزيران/ يونيو للعام الجاري، بغالبية 98 صوتًا مقابل صوتين فقط، لكنه بحاجة الآن إلى التصويت عليه بصيغته النهائية. 

هذا القانون المعروف بـ”كاتسا” والذي يسمى بـ”العقوبات الأم” لإحتوائه حيزا واسعا من الإجراءات، يحتاج إلى إقرار من البرلمان الأمريكي أيضا، وذلك بسبب ما يحمله من جوانب مالية؛ إذ حاز على موافقة من البرلمان بعد إعادة صياغته من خلال إضافة بعض البنود إلي العقوبات التي تخص كوريا الشمالية. في حال إن صوت مجلس الشيوخ لصالح الصيغة النهاية لهذا المشروع سيتم ارساله الى البيت الأبيض من أجل الحصول على توقيع الرئيس دونالد ترامب.

مشروع قانون “كاتسا” وإدارة البيت الأبيض

منذ أن تم تقديم هذا المشروع في الكونجرس الأمريكي في أواسط الصيف الماضي، سربت بعض المصادر أنه غير مرحب به لدى إدارة البيت الأبيض، لأنه ينص على بعض الآليات التي تمنح النواب الحق في التدخل في حال قرر الرئيس ترامب تعليق العقوبات المفروضة حالياً على روسيا، وهذا ما يثير غضب الرئيس دونالد ترامب، كأنه يعكس رغبة المشرعين الأمريكيين في تكبيل يدي الرئيس الأمريكي في هذا الصدد.

كيف يبرر الكونجرس قيامه بهذه الخطوة؟

وقال رئيس مجلس النواب الأمريكي “بول راين” إثر التصويت إن هذه العقوبات تعزز الضغوط على أخطر خصومنا بهدف إبقاء الأميركيين آمنين.

وعن العقوبات الجديدة ضد إيران، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي “أد رويس” أنه يجب معاقبة إيران على مواصلتها في دعم الإرهاب وبرنامجها الصاروخي وانتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان، على حد تعبيره.

فيما أكد أحد زعماء النواب الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية للكونجرس “اليوت انجل” على أنه يجب فرض المزيد من الضغوط على طهران، تبعه تصريح المشرع الديموقراطي الآخر “ستيني هوير” أن فرض حزمة جديدة من العقوبات على إيران، يشكل ضغطا عليها لوضع حد لتطوير برامجها الصواريخية.

وكما اعتبر العضو في الكنجرس الأمريكي “ديفيد سيسيليني” أن الإقرار بمشروع قانون “كاتسا” لا يشكل خرقا للاتفاق النووي مع إيران، بل أنه يرسخ هذا الاتفاق، لأنه يعكس جهوزية الولايات المتحدة في التصدي لأي خرق للقوانين الدولية، حسب ما قاله.

ما الهدف من هذه العقوبات؟

يهدف مشروع قانون العقوبات ضد إيران المعروف بكاتسا، إلى تقويض القدرات الدفاعية والتسليحية للجمهورية الإسلامية، من أجل الحاق الضرر بقوات المسلحة الإيرانية؛ إذ ينص المشروع على إجراءات حظر ضد كل ذوي الشأن ببرنامج الصاروخي الإيراني وكل من يتعامل معها، كما ينص على إدراج جميع مسؤولين حرس الثورة الإسلامية في إيران والمرتبطين بهم في قائمة الحظر الأمريكية، بزعمهم الزائف لدعم هؤلاء للإرهاب.

المسؤولون الإيرانيون في معرض ردهم على قانون “أم العقوبات”

بادر المسؤولون الإيرانيون منذ التصويت المبدئي من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي في 17 من شهر يونيو/ حزيران لهذا العام لصالح مشروع قانون فرض العقوبات ضد إيران وروسيا وكوريا الشمالية، بتوجيه إنتقادات لاذعة لهذا المشروع، بحيث اعتبروا أنه ينتهك روح الاتفاق النووي.

ولم تقتصر ردود فعل المسؤولين الإيرانيين على ذلك، حيث وجهوا المزيد من الانتقادات عندما صوت البرلمان الأمريكي على الصيغة المعدلة لمشروع قانون كاتسا، إذ اعتبروا أنه يشكل تهديدا لخطة العمل المشترك المبرمة بين إيرن ودول خمسة زائد واحد.

وفي هذا الصدد قد صرح مساعد وزير الخارجية الإيراني “عباس عراقتشي” الذي يترأس لجنة متابعة تنفيذ الاتفاق النووي صباح الأربعاء 26 من شهر يوليو/ تموز للعام الجاري، في معرض رده على تصويت مجلس الشيوخ على مشروع قانون العقوبات الأم، بأن هذه الخطوة الأمريكية تعد خطوة عدائية ضد نظام الجمهورية الإسلامية، وإيران سترد على هذه الخطوة بالمثل.

إلى ذلك وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني نفس اليوم، خلال اجتماعه مع مجلس الوزراء، أن إجراءات الأمريكية تلك لم تؤثر على عزيمة الجمهورية الإسلامية ومقاومة الشعب ولم تغير مسار سياسات الجمهورية الإسلامية في إيران.

واستشهد الرئيس الإيراني حسن روحاني بالتوجيهات القرآنية التي تؤكد على ضرورة تقوية البنية الدفاعية لدى المسلمين قائلا: “إن علينا كدولة إسلامية أن نسعى لتقوية البنية الدفاعية لدينا من خلال تطوير أسلحتنا، دون أن نولي اهتماما لآراء الآخرين ونستمر في هذا النهج.”

وأشار روحاني إلى أن القوات المسلحة الإيرانية سواء كان الجيش أو الحرس الثوري أو قوات الأمن الداخلي، كافة مدعمة من جانب الحكومة والشعب الإيراني، قائلا إن هذه القوات نفسها التي تقول عنهم الآية القرآنية الكريمة “تُرهِبونَ بِه‌ عَدُوَّ اللهِ وَ عَدُوَّکُم”.

ورأى روحاني أن دعمه لكافة القوات المسلحة والبنية الدفاعية للبلاد يعد ردا حازما للخطوة الأمريكية بالتصويت لصالح مشروع قانون العقوبات الأم أو بما يعرف بالـ”أس 722″.

كما أكد المتحدث باسم الحکومة‌ محمد باقر نوبخت علی أن أي دولة تصنف الحرس الثوري الإیراني کمنظمة إرهابیة فتضع نفسها إلی جانب الإرهابیین.

ظريف يحذر

وقد حذر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قائلا: إن الإجراء الأمريكي الأخير في إدراج الحرس الثوري على قائمة الإرهاب يجعل من أمريكا حكومة مبغوضة ومنفورة لدى الشعب الإيراني، والقيام بهذه الخطوة يعزلها أكثر فأكثر.

كما صرح قائد الحرس الثوري، اللواء محمد علي جعفري أن هناك تنسيق جيد مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف في إعلان المواقف ضد إعداء إيران وضد القدرات الإيرانية في المجالات الدفاعية والسياسية والاجتماعية ومختلف الأصعدة.

كما هدد جعفري يوم الأحد الماضي قائلا: إذا وضعت واشنطن الحرس على لائحة الإرهاب، فسيتم التعامل مع الجيش الأمريكي مثل داعش، وذلك خلال جلسة للمجلس الاستراتيجي للحرس الثوري، وقال إن طهران تعتبر تنفيذ قانون “كاتسا” بمثابة “خروج أحادي الجانب من الاتفاق النووي”.

وأضاف: “إذا نفذت الولايات المتحدة قانون الحظر على إيران، فعليها أن تنقل قواعدها العسكرية إلى مسافة ألفي كيلومتر لمدى الصواريخ الإيرانية”.

وأوضح: في حال صحت الأخبار المتواترة فيما يخص الحماقة الأمريكية التي تريد وضع الحرس على لائحة المجموعات الإرهابية، فإن الحرس الثوري سيضع الجيش الأمريكي، خصوصًا المتواجد في منطقة الشرق الأوسط، في نفس المتراس إلى جانب داعش”.

ردود غربية

وقد صرحت المسؤولة السابقة للفريق الأمريكي المفاوض بشأن الاتفاق النووي مع إيران “ويندي شيرمان”، أن ترامب سيعزز من تأثير إيران وروسيا والصين عبر إلغاء الاتفاق النووي.

وفي مقالة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز، حذرت ويندي من تداعيات انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5 1؛ واصفة  إجراء ترامب المحتمل في الانسحاب من الاتفاق النووي بـ”الخطأ الفادح”.

وصرحت المسؤولة الأمريكية بالقول إن عدم رغبة الرئيس الأمريكي بتقبل حقيقة الاتفاق مع إيران سيكون له تداعيات كبيرة.

ولفتت إلى أن قرار ترامب سيدفع شركاء أمريكا بعدم الثقة بها ثانيةً وسيجعلها معزولة أيضاً؛ منوهةً إلى أن جميع أطراف الاتفاق النووي تطالب بالحفاظ على هذا الاتفاق.

وأوضحت شيرمان أن اضعاف الاتفاق النووي سيرافقه نتائج كارثية على السياسة الخارجية الأمريكية، وأن هذا الإجراء سيؤدي إلى حدوث فجوة بين أمريكا وأوروبا، وعبر أضعاف علاقة ما وراء الأطلسي سيزيد من تأثير إيران وروسيا والصين.

وقال الرئيس السابق للجنة مفتشي الأمم المتحدة في العراق “هانز بليكس” أن قرار الرئيس الأمريكي، المحتمل، في الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران سيكون بمثابة صفعة جديدة للأمم المتحدة.

كما أعلن الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو، اليوم في روما، أن إيران “تحترم بالكامل تعهداتها بموجب الاتفاق المبرم مع الدول الكبرى في 2015 شأن برنامجها النووي”.

وصرح في افتتاح مؤتمر حول نزع الأسلحة النووية في روما: أستطيع تأكيد احترام التعهدات التي قطعتها إيران في الموضوع النووي بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة أي الاتفاق النووي الإيراني.

من جهتها، ذكرت وزيرة الخارجية الأوروبية فيديريكا موجيريني بأن “احترام إيران التزاماتها في الملف النووي تم التحقق منه 8 مرات”.

وصرحت موجيريني التي شاركت في اتصال فيديو عبر الأنترنت: الآن وقت فتح قنوات جديدة في التعاون الدولي، وطبعا ليس لتفكيكها، مضيفة: لم نعد نستطيع فتح جبهة جديدة الآن مع مواجهة التهديد الكوري الشمالي.

في سياق متصل، أعلن وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل أن برلين وباريس ولندن تدعو واشنطن للالتزام بالاتفاق النووي مع إيران، مؤكدا أن طهران ملتزمة بشروط الاتفاق.

وأشار إلى أن برلين قلقة بشأن احتمال تفاقم الوضع في حال خروج واشنطن من الاتفاق النووي، مشيرا إلى أن كوريا الشمالية سترفض التخلي عن برنامجها النووي العسكري في حال انهيار الاتفاق النووي مع إيران.

من جانبها، أعربت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن دعمها لخطة العمل الشامل المشتركة حول تسوية الملف النووي الإيراني.

وأوضح مكتب رئيسة الوزراء البريطانية أن ماي صرحت خلال اتصال هاتفي مع نظيرها الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن “بريطانيا تبقى متمسكة بالاتفاق الذي يحمل أهمية حيوية للأمن الإقليمي”.

هذا وحذر الكرملين من عواقب سلبية إذا ما قرر الرئيس الاميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي.

وأضافت: يمكننا فقط أن نحاول التكهن بما ستكون عليه هذه العواقب، وهو ما نقوم به الآن، مشيرا إلى أن بوتين أشاد مرارا بأهمية الاتفاق.

ربما يعجبك أيضا