الاقتصاد التركي .. يواجه أزمة مع “الديون الخارجية” وليس مع “ترامب”

يوسف بنده

رؤية
 
تعرضت العملة التركية لضربة جديدة، اليوم الإثنين، بعدما تراجعت بنسبة 3 % أمام الدولار، مع استئناف التداول في الأسواق المحلية، بعد عطلة استمرت أسبوعا، وسط تركيز المستثمرين مجددا على الخلاف المعلن بين أنقرة وواشنطن بسبب أزمة القس أمريكي “برانسون” الذي يخضع للمحاكمة في تركيا.
 
ومع ارتفاع الدولار على الصعيد العالمي، نزلت العملة التركية لتصل إلى 6.19 ليرة للدولار، مقارنة مع ست ليرات عند الإغلاق الجمعة قبل إجازة عيد الأضحى.
 
وخسرت الليرة نحو 39 % من قيمتها أمام العملة الأميركية منذ بداية العام، وفق “رويترز”.
 
أسباب للأزمة
 
ويعتبر كثيرون أن الأزمة بين واشنطن وأنقرة، على خلفية احتجاز الأخيرة للقس الأمريكي، آندرو برانسون، زادت من تدهور الليرة خلال أغسطس.
 
كما انخفضت خلال الشهر الماضي، حيث بدأت الولايات المتحدة فرض عقوبات على وزيرين تركيين، وسط خلاف حول القس الأمريكي المحتجز، أندرو برونسون، مما يزيد من مخاوف المستثمرين بشأن السياسات الاقتصادية والنقدية للبلاد.
 
وقالت أنقرة إن واشنطن تشن “حربا اقتصادية” ولا تبدي احتراما للنظام القضائي فيما يتعلق بقضية أندرو برانسون الذي يحاكم في تركيا بتهم إرهاب، وهي القضية التي أضرت بالعلاقات بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي.
 
وتساهم أزمة العلاقات الأميركية التركية المستمرة بزيادة الضغوطات على الليرة والتسبب في خسائرها التي أطلقتها ابتداء بواعث القلق من نفوذ الرئيس رجب طيب أردوغان على السياسة النقدية.
 
لكن خبراء اقتصاديين يرون أن سياسات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وتدخله بشؤون السياسة النقدية، ساهمت في إيصال الاقتصاد والعملة إلى هذه الحالة المتردية.
 
فأردوغان تدخل في سياسات البنك المركزي، ورفض رفع معدل الفائدة لمواجهة التضخم، كما واجه الكارثة الاقتصادية بإلقاء اللوم على ما سماها “مؤامرة أجنبية”.
 
وحتى اللحظة لم تقم الحكومة التركية إلا بتقديم مساعدة محدودة للنظام المصرفي، والميل لحلفاء يعانون من عقوبات أميركية أو يفتقدون للمصداقية، وهو ما يضعف فرص تركيا بالتغلب على الأزمة في الوقت الراهن، وفقا لمجلة “إيكونومست” الاقتصادية المتخصصة.
 
كما زاد من اضطراب السوق خفض خبراء الاقتصاد في “جاي بي مورغان تشيس” لتوقعاتهم للنمو في تركيا في 2019 إلى 1,1% فقط.
 
وفي هذه الأثناء يجري وزير الخزانة والمال التركي بيرات البيرق، صهر الرئيس أردوغان، محادثات في باريس مع نظيره الفرنسي برونو لومير، بحسب مكتبه.
 
وتشكل الديون الخارجية المتراكمة على تركيا عبئاً كبيراً على الاقتصاد التركي الذي يمر بأخطر أزمة منذ سنوات، وذلك في غياب سياسات اقتصادية علمية وموضوعية واضحة تواجه بها حكومة أردوغان أزمتها، وتحاول تخفيف آثارها الخطيرة على البلاد.
 
الديون الخارجية
 
تصل ديون الشركات التركية إلى أكثر من تريليون ليرة في هيئة قروض طويلة الأجل بالعملة الأجنبية. وترتفع تكلفة الدين على الشركات التركية في ظل انزلاق الليرة بسرعة هائلة.
 
وكانت وزارة الخزانة قد أعلنت في 29 يونيو أن إجمالي الدين الخارجي التركي بلغ 466.67 مليار دولار في نهاية مارس 2018، أي ما يعادل 52.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد البالغ 880 مليار دولار.
 
وذكرت الخزانة أن نصيب القطاع الخاص من الدين الخارجي الإجمالي لتركيا بلغ 69.7 في المئة.
 
وكان قرابة 75 % من إجمالي الدين الخارجي ديونا طويلة الأجل، أي بآجال تتجاوز العام.
 
وأظهرت بيانات رسمية أن صافي الدين الخارجي التركي بلغ 303.2 مليار دولار في نهاية الربع الأول من 2018، أي ما يعادل أكثر من 34 % من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا.
 
وقالت الخزانة “بالنسبة لربع العام، يتم حساب المعدلات باستخدام الناتج المحلي الإجمالي مقوما بالدولار الأميركي على أساس المتوسط المتحرك في أربعة أرباع”.
 
وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لتركيا في الفترة من أبريل 2017 حتى مارس 2018 أي الأرباع السنوية الأربعة الماضية 882.16 مليار دولار.
 
واستدانت الشركات التركية نحو 190 مليار دولار في عام 2016 ما دفع شركات التصنيف الائتمائي والمحللين لتوجيه تحذيرات شديدة بشأن تعرض الشركات لمخاطر ترتبط بالعملة الأجنبية.
 
ديون للدول
 
ومن بعض الديون الخارجية لتركيا: إسبانيا 83 مليار دولار، فرنسا 38 مليار دولار، بريطانيا 19 مليار دولار، الولايات المتحدة 18 مليار دولار، إيطاليا 17 مليار دولار، اليابان 14 مليار دولار.
 
لكن الليرة كانت تساوي نحو 3 مقابل الدولار الواحد قبل عامين، وهو ما يعني أن الديون كان تتكلف “مجرد” 570 مليار ليرة بالعملة المحلية. في حين أن هذه النسبة تضاعفت الآن مع تجاوز الليرة عتبة الـ6 ليرات مقابل الدولار.
 
ووصل التضخم في تركيا إلى 10.9 % وهو أكثر من ثلاثة أضعاف متوسط النسبة في الأسواق الناشئة.
 
وقد انتشرت مؤخراً تقارير عن تقدم شركات تركية كبيرة بطلبات للحماية من الدائنين بعد هبوط الليرة لمستوى منخفض جديد أمام الدولار.
 
وتأتي المتاعب الجديدة للشركات التركية في الوقت الذي حذر فيه صندوق النقد الدولي من أن الاقتصاد التركي البالغ قيمته 880 مليار دولار يواجه خطر فرط التضخم.
 
ويشير محللون اقتصاديون إلى أن القروض المتأخرة أصبحت المشكلة الرئيسة التي يعاني منها القطاع المصرفي التركي في الوقت الحالي؛ خاصة مع ارتفاع حجم هذه الديون متأثرة بسعر صرف الدولار، الذي ارتفع هو الآخر أمام الليرة التركية، ما اضطر تركيا إلى البحث عن مصادر خارجية بديلة للاقتراض منها؛ لأن أكثر من 500 مليار دولار من القروض، التي حصلت عليها، قد مُنحت للقطاع الخاص وللمستهلكين في شكل قروض.
 
الصناعات التحويلية
 
أظهرت بيانات البنك المركزي التركي أن مؤشر ثقة الشركات العاملة بقطاع الصناعات التحويلية في البلاد تراجع إلى 96.4 نقطة في أغسطس/آب، مقارنة مع 102.7 نقطة في يوليو.
 
يأتي ذلك في وقت بدأت الحكومة التركية بالبحث عن منافذ تصدير وعلاقات تجارية تخرجها  من دائرة العقويات الأميركية الحالية والمتوقعة.
 
كما أعلنت وزيرة التجارة التركية، روهسار بيكجان، عزم الوزارة التركيز على زيادة حجم الصادرات، ووضع استراتيجيات خاصة للانفتاح على أسواق جديدة حول العالم.
 
وحسب وكالة الأناضول، تتجه تركيا لطرق أسواق جديدة لصادراتها في المرحلة القادمة؛ وأبرزها الصين، والمكسيك، وروسيا، والهند، والتي تقترب قدرات الاستيراد فيها من 3 ترليونات دولار.
 
وتُشير بيانات رسمية إلى أن حجم صادرات الأسواق الصينية، والمكسيكية، والروسية والهندية، تجاوز 2.8 مليار دولار بحلول نهاية 2017، منها 1.8 مليار دولار كانت من حصة الصين وحدها.
 
وتسعى تركيا، التي يبلغ مجموع صادراتها لهذه الدول 7 مليارات دولار، لزيادة حصتها في هذه الأسواق، عبر وضع استراتيجيات وخطط عمل خاصة لتحقيق الهدف.
 
وتتصدر الصين، قائمة الدول المذكورة في حجم تجارتها الخارجية، وسط وجود فرص هامة مع تركيا في العديد من القطاعات. وبلغ حجم التجارة الخارجية للصين، خلال العام الماضي، 4.1 مليار دولار، 2.3 مليار منها خصص للصادرات، فيما بلغت وارداتها 1.8 مليار دولار.
 
وتتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول، التي تتعامل معها بكين في تجارتها الخارجية، تليها هونج كونج، واليابان وكوريا الجنوبية، فيما تحتل تركيا المرتبة الـ 28 بحجم تبادل تجاري يبلغ 0.8 بالمئة من مجمل التجارة.
 
وخلال 2017، بلغ حجم الصادرات التركية إلى الصين 2.9 مليار دولار، فيما استوردت منها بقيمة 23.4 مليار دولار.
 
وشهدت الصادرات التركية إلى روسيا خلال 2017، نموًا بنسبة 58 % ليبلغ 2.7 مليار دولار، مقارنة بالعام 2016. واستوردت تركيا في الفترة نفسها من روسيا، ما قيمته 22.2 مليار دولار، أي بنسبة نمو بلغت 32 % مقارنة بالعام الذي سبقه.

ربما يعجبك أيضا