الحوثيون وسفن الشحن.. أزمة جديدة تهدد الاقتصاد العالمي

استمرار هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر قد يجعل التصعيد حتميًا

آية سيد
مواجهة تهديدات الحوثيين تضع الغرب أمام 3 خيارات صعبة

تهديد الحوثيين لسفن الشحن في البحر الأحمر له تأثيرين رئيسين، الأول يتعلق بالاقتصاد العالمي، والثاني يتعلق بمخاطر التصعيد العسكري في الشرق الأوسط.


حذرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية من احتمالية اندلاع أزمة بحرية قد تحول حرب إسرائيل على قطاع غزة إلى شأن عالمي ذي تداعيات على اقتصاد العالم أجمع.

في تقريرها، الصادر أمس السبت 16 ديسمبر 2023، لفتت المجلة إلى تعليق 4 من أكبر 5 شركات شحن بحري لخدماتها في البحر الأحمر، الطريق الذي يجب أن تمر منه حركة الملاحة من قناة السويس، بسبب تصعيد هجمات ميليشيا الحوثي المدعومة إيرانيًا.

ممر حيوي

أوضحت المجلة البريطانية أن باب المندب هو مضيق يربط إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، ويمر من خلاله ما يُقدَّر بـ12% من حجم التجارة العالمية، و30% من حركة الحاويات العالمية.

استهداف الحوثيين لسفن الشحن.. أزمة جديدة تهدد الاقتصاد العالمي

خريطة توضح موقع مضيق باب المندب

إلا أنه أصبح منطقة محظورة بسبب تصعيد ميليشيات الحوثي، ومقرها اليمن، لمهاجمة السفن، بدعوى دعم الفلسطينيين في غزة. وفي 15 ديسمبر الحالي، هدد الحوثيون بمهاجمة سفينة، وضربوا أخرى بمسيّرة، في حين أطلقوا صاروخين باليستيين على سفينة “إم إس سي بالاتيوم”، أحدهما أصاب السفينة.

وكان هذا الهجوم هو الأول الذي يُستخدم فيه صاروخ باليستي مضاد للسفن، وفي 16 ديسمبر، أسقطت السفينة “كارني” الأمريكية 14 مسيّرة فوق البحر الأحمر، في حين أسقطت سفينة “دايموند” البريطانية مسيّرة أخرى.

أزمة وشيكة

حسب “ذي إيكونوميست”، تتجه صناعة الشحن العالمي إلى وضع الطوارئ، نتيجة الخطر المتصاعد الذي يواجه سفن الشحن وطواقمها.

وفي 15 ديسمبر، أوقفت شركتي “هاباج لويد” الألمانية، و”ميرسك” الدنماركية، خدماتهما. وفي 16 ديسمبر، تبعتهما “سي إم إيه-سي جي إم” الفرنسية، و”إم إس سي” الإيطالية السويسرية.

وقالت “إم إس سي”، مالكة “بالاتيوم”، إن سفنها لن تستخدم قناة السويس في أي من الاتجاهين حتى يصبح “عبور البحر الأحمر آمنًا”، وإنه سيجري تحويل مسار سفن أخرى عبر رأس الرجاء الصالح.

وأفادت المجلة أن هذه الشركات الـ4 مجتمعة تمثل 53% من تجارة الحاويات العالمية. والآن، قد تتبعهما شركات الحاويات الصغيرة، وناقلات البضائع الجافة السائبة وشركات ناقلات النفط.

تداعيات الأزمة

هذه الأزمة لها تأثيران رئيسان، الأول يتعلق بالاقتصاد العالمي، والثاني يتعلق بمخاطر التصعيد العسكري في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تحاول الدول الغربية إعادة إرساء النظام.

سفينة استهدفها الحوثيون في البحر الأحمر

سفينة استهدفها الحوثيون في البحر الأحمر

وفي ما يتعلق بالاقتصاد، أشارت “ذي إيكونوميست” إلى أن عائدات قناة السويس تمثل مصدرًا أساسيًا للدخل لمصر، وستتأثر إسرائيل بدرجة أقل، لأن 5% فقط من تجارتها تمر عبر إيلات، الميناء المطل على البحر الأحمر.

وبالنسبة للاقتصاد العالمي، فإن الإغلاق المطول لطريق السويس سيرفع تكاليف التجارة لأن الشحن سيمر حول إفريقيا، ما يستغرق المزيد من الوقت ويرفع رسوم التأمين. وإذا امتد تهديد الأزمة الأمنية في البحر الأحمر إلى بحر العرب، الذي يمر من خلاله ثلث إمداد النفط العالمي المنقول بحرًا، قد ترتفع التكاليف الاقتصادية أكثر.

تهديد الحوثي

أشارت “ذي إيكونوميست” إلى أن تهديد الحوثي كبير ومعقد. فالجماعة تدعي أنها تستهدف “كل السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية” حتى يصل الغذاء والدواء إلى غزة، لكن معظم السفن التي تتعرض للهجوم ليست متجهة إلى إسرائيل ولا مملوكة لها.

وأضافت المجلة أن إيران سلحت الحوثيين ودربتهم جيدًا. كما أن بعض الأسلحة المستخدمة في الهجوم متطورة بشدة. وفي هذا الشأن، قال الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فابيان هينز، إن الحوثيين “لديهم ترسانة صواريخ مضادة للسفن ضخمة”، بعضها يصل مداها إلى 800 كيلومتر.

ولم يتضح بعد للمسؤولين الغربيين ما إذا كانت إيران توجه الهجمات الفردية. وكذلك لم تقتنع الاستخبارات الإسرائيلية بأن فيلق القدس أجاز الضربات الأخيرة. إلا أنه يُعتقد أن الجماعة تتلقى المعلومات الاستخباراتية عن الشحن من سفن المراقبة الإيرانية في البحر الأحمر.

محاولة احتواء التهديد

وفق المجلة البريطانية، يتمثل الخطر الآن في أن ضربات الحوثيين تجر مجموعة أوسع من الدول، وأصبح الرد العسكري الأكبر على تهديد الحوثي مرجحًا الآن.

وتعمل قوة مهام متعددة الجنسيات، بقيادة البحرية الأمريكية، الآن قبالة الساحل اليمني لردع الحوثيين عن الصعود على متن السفن بالقوة، أو إطلاق الصواريخ، وفي الأسابيع الأخيرة اعترضت سفن حربية أمريكية وبريطانية وفرنسية مسيّرات وصواريخ حوثية، وطلبت أمريكا من أستراليا إرسال سفينة حربية.

سفينة نرويجية في البحر الأحمر استهدفها الحوثيون

سفينة نرويجية في البحر الأحمر استهدفها الحوثيون

ولفتت “ذي إيكونوميست” إلى أن هذا الأسطول الدفاعي صارع من أجل إبقاء الأزمة تحت السيطرة، مرجحة أن الخطوة التالية المحتملة تشمل مرافقة مسلحة لسفن الشحن التجارية، لكن هذه الخطوة كثيفة الاستهلاك للموارد، وتتطلب عدد ضخم من السفن الحربية.

ما البديل؟

البديل الرئيس هو ضرب الحوثيين وترسانتهم مباشرة، وفق “ذي إيكونوميست”، وأمريكا وإسرائيل طورتا خططًا لمهاجمة مستودعات الحوثيين وقاذفاتهم، لكن واشنطن ستكون مُترددة في توسيع مشاركتها في الشرق الأوسط، لذلك ركزت إدارة جو بايدن على توسيع قوة مهام البحر الأحمر وممارسة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على إيران.

وأشارت المجلة البريطانية إلى أن إسرائيل لا تريد صراعًا جديدًا، فهي تواجه بالفعل ضغطًا من أمريكا لإنهاء هذه المرحلة من حرب غزة، كما أنها قلقة بشأن حزب الله اللبناني، الذي يطلق الصواريخ على إسرائيل بوتيرة شبه يومية.

لكن إذا استمرت إيران ووكلاؤها الحوثيون في شن الهجمات التي تُبقي واحدًا من أهم الطرق البحرية في العالم مغلقًا، قد يصبح التصعيد حتميًا.

ربما يعجبك أيضا